حين يقول الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، إن ما بعد الاتفاق النووي كما قبله بالنسبة لـ«حزب الله»، كجهاز عسكري وأمني، علينا تصديقه. ما قاله نصر الله قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشكل أو بآخر، وأقر به رئيسه باراك أوباما بصياغات مختلفة.
لن يتغير «حزب الله»، وعلى الأرجح بقية الميليشيات التي فرخها الحرس الثوري في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والخلايا التي يزرعها في البحرين ومصر وغيرهما.
لماذا ستستمر إيران في لعبة الجنون؟
يعرف قادة نظام الملالي أن عملية هضم الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي وعلى رأسه الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة، عملية عسيرة، لا تسمح أن تقترن بتغييرات كبيرة في السياسات العقائدية الإيرانية، وهي لن تسمح بأن يتحول الاتفاق إلى حافز للقطاعات الإيرانية الداخلية التي عبرت وتعبر عن توقها لتغيير النظام في إيران، من نظام ثورة إلى نظام دولة، (ليس بالضرورة إسقاط النظام كليًا) يعيد الربط بين الإيرانيين والعالم.
وبالتالي، يحرص حراس النظام على إبطال مفعول القدرة التغييرية للاتفاق في الداخل الإيراني، لا سيما في شقه المتعلق بالمصالحة مع الولايات المتحدة، التي يعد العداء لها واحدًا من أهم محركات الدفع للنظام السياسي الإيراني.
ولأن إيران تعرف، في الوقت نفسه، أن العداء لواشنطن، واستطرادًا لإسرائيل، لن يخرج من دائرة اللغو وخطابات التعبئة، ستجد نفسها مضطرة لرعاية نمو عدو جديد يمنح نظامها وأدواته وظائف جديدة، وهو في هذه الحالة «الإرهاب السني».
كما ركبت طهران على ظهر القضية الفلسطينية، تركب اليوم موجة مكافحة الإرهاب، مما يعني أنها صاحبة مصلحة في إطالة الحرب عليه، وليس في الانتصار الحاسم والسريع في هذه الحرب. فإلى جانب الدور الذي تعطيه إيران لنفسها في سياق هذه الحرب على الإرهاب، ستسعى لإثبات جدارتها في المواجهة أملاً بتخفيف المزيد من العقوبات عليها. من المفيد، الانتباه إلى أن المجتمع الدولي أبقى العقوبات المتصلة بسجل إيران الإرهابي قائمة، وهو ما سيدخل هذا المجتمع في حالة من الارتباك حيال إيران التي يتحالف معها لمحاربة الإرهاب، لا سيما في العراق، حيث تقاتل ميليشيات الحشد الشعبي بقيادة لوجيستية واستخباراتية من الجيش الأميركي!! وبالتالي، فإيران معنية بإدامة الشروط المنتجة للإرهاب، وأبرزها حجم الاختراق الإيراني للهويات الوطنية في الدول العربية وتجييش جزء من مكوناتها ضد مصالح هذه الهويات وهذه الدول.
كما أن رعاية الشروط المنتجة للإرهاب في المنطقة، وبالتالي ديمومة هذا العنوان كمرتكز للشراكة بين طهران والمجتمع الدولي، يفيد في خلخلة البيئة السنية العربية وتشتيتها بين إرهابيين ومحاربين للإرهاب، وراديكاليين ومعتدلين، وغيرها من اليافطات. تستفيد إيران من سياسة التفريق هذه للتغلب على المعطى الديموغرافي السني الذي يفوق عدديًا نظيره الشيعي بسماوات. فتوحيد الديموغرافيا الشيعية بأغلبيتها الحاكمة التي تتصدر المشهد الشيعي وتصنع صورته وخطابه، يقابله في المقابل ساحة سنية مفككة ومشتتة وأجندات متصارعة في الفكر والسياسة والمصالح. نحن إذاك أمام مجموعة متراصة تقابلها مجموعات متناحرة، وهذا واقع يبطل مفعول العدد الذي يخيف إيران في المواجهة مع شعوب ودول ومصالح العرب.
تفريق السنة، من خلال فرض بند مكافحة الإرهاب بندًا شبه وحيد على أولويات السياسة والأمن في العالم العربي، يضعف العرب ويبدد مسألة أن إيران دولة تتلطى بيافطة شيعية وتسعى ضمن مشروع مذهبي للهيمنة في المنطقة.
كما أن إدامة الشروط المنتجة للإرهاب، تهدف إلى تنفير الأقليات أكثر من السنيات السياسية العربية، أكانت أنظمة أم أحزابًا، والالتصاق بإيران كحامية أقليات وكقوة اصطدام بالمشروع التكفيري.
فوق هذا وذاك، أمام إيران عشر سنوات من الرقابة الدولية الصارمة، هي مدة الاتفاق مع المجتمع الدولي، بكل احتمالاتها وضغوطها ومناخها المتقلب الذي سيؤخر ويبطئ دخول الشركات إليها. وحتى لو حصل فسيرفع من كلفة الأعمال فيها لأسباب لا حصر لها. وأمامها عقود من إعادة تأهيل بنيتها التحتية الاقتصادية والتمرن على الانخراط الاقتصادي في عالم جديد لا تملك فيها الخبرة والحضور والتشابك التقني والمؤسساتي الذي يملكه العرب لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. وبالتالي، من مصلحة إيران الحيوية أن تبطئ إلى أبعد الحدود تقدم العرب في هذه الحقول، بل ستسعى جاهدة لضرب مرتكزات حيويتها وتعزيز أسباب التعثر السياسي والمجتمعي والتأخر الاقتصادي، بما يضمن لها تعديل ميزان القوى خلال السنوات العشر المقبلة؛ حيث إن إيران تتصرف استراتيجيًا وفق معادلة صفرية مفادها أن ما يضر العرب يفيد إيران والعكس صحيح!
لإيران أسبابها في الاستثمار في جحيمنا في السنوات المقبلة، وهو ما يتطلب من العرب سياسات جذرية وخيارات صعبة وشجاعة لتحصين واقعهم المجتمعي والسياسي. تبدأ هذه الخيارات الصعبة من شروط المصالحات الداخلية، كإيجاد مخرج لحال الاصطدام مع تنظيم الإخوان المسلمين، ولا تنتهي بالعلاقات البينية العربية والخليجية، كإعادة الاعتبار إلى وحدة التصور والموقف والأداء الاستراتيجي لدول مجلس التعاون.
فالإخوان، مكون عربي وإسلامي، صاحب حضور مجتمعي وسياسي ولا يجوز تسليمه طوعًا للأيدي الإيرانية والتركية. هذه مغامرة حساسة تتطلب توافر فرص وضمانات وشخصيات تبدد القلق المشروع من النفس الانقلابي الإخواني. وهذا التبديد مسؤولية إخوانية بقدر ما هو مسؤولية دول القيادة العربية. للشكوك والسلبية أسباب لا تحصى والذاكرة تحتفظ بالكثير، مما يجهض مثل هذه الرهانات ويحيلها على الرومانسيات الساذجة، من الانقلاب على اتفاق مكة عام 2007 وصولاً إلى زرع خلايا انقلابية في الإمارات العربية المتحدة مرورًا طبعًا بالعقلية الاستئثارية في حكم مصر بعد الثورة ومحاولات أخونة الدولة المصرية. رغم ذلك لا يجوز استسهال الحرب الأهلية العربية مع الإخوان لما ستشرعه من نوافذ وأبواب لرياح الاستثمار الاستراتيجي الإيراني والتركي.
للعرب مصلحة استراتيجية في تجفيف مناطق الاستثمار الإيراني في شقوق دولهم ومجتمعاتهم، لأن إيران لن توفر مثل هذه الفرص حين تلوح.
المصدر الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :