هل تتذكرون عندما اقتحمت مجموعة من الدهماء الإيرانيين الغاضبين السفارة البريطانية، وشوهت جدرانها وسرقت أجهزة كومبيوتر منها؟ حدث ذلك عام 2011، وليس عام 1979، ومع ذلك، فقد جرى تجاهل هذا الحادث مع إقدام وزير الخارجية البريطاني خلال عطلة نهاية الأسبوع على إعادة فتح السفارة. جدير بالذكر أنه عام 2011، ساعدت المملكة المتحدة على فرض عقوبات قاسية على إيران، أما اليوم فتبدي تلهفها على رفع هذه العقوبات.
من السهل أن يسقط الإنسان في شرك التفاؤل، خاصة أنه مع توقيع إيران على الاتفاق النووي، أصبحت هناك مساحة أمام إيران لمعاودة الانضمام للمجتمع الدولي – بأسلوبها الخاص، بل وأخبر وزير الخارجية الإيراني نظيره الأميركي جون كيري أنه مخول من قبل المرشد الأعلى الآن لمناقشة قضايا للتعاون الإقليمي المحتمل مثل سوريا. كما يتحدث الرئيس الإيراني، حسن روحاني، حاليًا، عن مبادرة بلاده لتناول قضية التطرف الإسلامي بالمنطقة، فهل يعني ذلك أن إيران تمد يدها للعالم؟
منذ موافقة إيران على الاتفاق النووي، يتخذ أقرب حلفاء أميركا إجراءات احترازية ضد عدوان إيراني. وأفادت قناة «العربية» أن السلطات الكويتية ألقت القبض على خلية نائمة من عملاء لـ«حزب الله»، وهي جماعة مدعومة من إيران.
من جانبهم، أخبرني مسؤولون أميركيون يعملون بمجالي الاستخبارات ومحاربة الإرهاب، هذا الأسبوع، أنه من المبكر للغاية القول ما إذا كان ذلك يشكل تصعيدًا من جانب طهران. بيد أنه في أي من الحالتين، فإن مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يتوقع أن تنهي إيران دعمها للصراعات الإقليمية بسبب الاتفاق النووي، ويتضمن ذلك دعم إيران للطاغية السوري، بشار الأسد، ودعمها لميليشيات شيعية في العراق وللأقلية الحوثية باليمن. وأخبرني مسؤول استخبارات أميركي بأن أجندة إيران بتلك المناطق مستقلة عن طموحاتها النووية. ويتوافق ذلك مع ما قاله جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية، الشهر الماضي أمام «منتدى أسبن للأمن»، حيث قال: «ليس لدي شكوك، ولا أي منا، حيال السلوك الإيراني، وما يقومون به داخل المنطقة، وترويجهم للإرهاب، ودعمهم لجماعات تعمل بالوكالة مثل حزب الله. وليس هناك من شك حيال ذلك، ولا أعتقد أن هذا الاتفاق في حد ذاته سيبدل هذا السلوك».
وعله، فإن التساؤل الآن: هل تسعى إيران للتخفيف من حدة سياساتها بالمنطقة أو ستعمد إلى تصعيد التوترات بها؟ من ناحيتها، شرحت إدارة أوباما أن الصراع داخل إيران من قبل كان عبارة عن شد وجذب بين روحاني، المعتدل الذي تعتمد حظوظه السياسية على تنفيذ الاتفاق النووي، والمتشددين في إيران الساعين لتصعيد الصراع مع الغرب. وقد رسم هذه الصورة الرئيس نفسه عندما قارن بين موقفي الولايات المتحدة والمتشددين الإيرانيين حيال الاتفاق.
من ناحيته، أخبرني أمين تارضي، مدير شؤون دراسات الشرق الأوسط بجامعة مارين كوربس، أنه ليس هناك توترات سياسية بين أنصار روحاني وقيادات الحرس الثوري الإيراني، وهي المنظمة المسؤولة عن دعم جماعات مثل «حزب الله». وأضاف أن أعضاء النخبة الإيرانية أمثال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، «يحاولون إظهار أن لهم أيد طويلة في أماكن أخرى وأن بمقدورهم تحديد مصير بعض الأمور بالمنطقة».
إلا أن تارضي يرى أن هذه المنافسة داخل دائرة النخبة الإيرانية ليست صراعًا بين الإصلاح والثورة، وإنما يرى أن «روحاني مفكر صبور، وهذا يزيده خطورة. إنه يبعث برسائل ودية لليهود، لكنه يملك رؤية أطول أمدًا وتصميمًا عن غيره».
في الواقع، إن المعتدلين الإيرانيين لا يعتقدون أن الاتفاق سيقضي على الثورة الإيرانية، بل العكس.. إنهم تفاوضوا حول الاتفاق كي ينقذوها.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
المصدر الشرق الاوسط