في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، وقفت ويندي شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية، لتقول إن الاتفاق المؤقت مع إيران «ليس مثاليا» لكننا «لا نعتبر الثغرات الموجودة ثغرات».
عملت شيرمان في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، حيث توصلت مع كوريا الشمالية عام 1994 إلى «اتفاق متفق عليه» لكبح جماح البرنامج النووي هناك، لكنه فشل فشلا ذريعا.
مساء السبت الماضي قال قائد سلاح البحرية الإيرانية الأدميرال افشين رضائي حداد إن الأسطول البحري الإيراني المتجه إلى المياه الإقليمية الأميركية «يحمل رسالة». ويوم الاثنين الماضي أعلنت إيران أنها أجرت اختبارا على صاروخين أحدهما من فئة الباليستي.
«الرسالة» تعني بالطبع إذا كان الأسطول الأميركي «يهدد بحرنا وحدودنا، فنحن بدورنا قادرون على تهديد الأميركيين – أي الند للند». بالطبع سيهزأ الأميركيون لأنهم يمكنهم إغراق هذه السفن بصاروخ، ثم إنها لن تصل إلى المياه الإقليمية الأميركية، لكن نوايا إيران هي المهمة في هذا المجال، فإذا كانت السفن لا تصل فإن الإرهاب يمكنه الوصول عبر المكسيك مثلا أو كندا، كما حصل في السابق مع محاولة اغتيال عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن. أما بالنسبة إلى الصواريخ فإن إيران تؤكد أن الاتفاق النووي المؤقت لا يشمل أي نشاط عسكري رغم أنها تعمل على تزويد الصواريخ برؤوس نووية، إذن هذه الرسالة موجهة إلى دول الجوار العربي حتى قبل إسرائيل.
أيضا الأحد الماضي استشهد المرشد الأعلى بعبارة قالها آية الله الخميني: «إن احتلال السفارة الأميركية – عش الجواسيس – كان ثورة أعظم من الثورة الأولى». ثم أضاف أن مبادئ وقيم الثورة التي وضعها الخميني تتمثل في العداء لأميركا. ثم نصح المنتقدين بإعطاء الحكومة الإيرانية فرصة التوصل إلى اتفاق مع الغرب، وهذا يعني الحصول على أكبر قدر من التنازلات مع الاحتفاظ بمبدأ العداء. في ذلك اليوم خرجت الصحف الإيرانية بمجموعة من رسوم الكاريكاتير، إحداها لكلب يعوي: «كل الخيارات مفتوحة». ثم يأتي حذاء «22 بهمان» (11 فبراير/ شباط، ذكرى احتلال السفارة الأميركية في طهران)، يقفز الحذاء إلى فم الكلب الذي يبتلعه ويتوقف عن العواء.
وكانت «العربية نت» نقلت يوم الأحد الماضي فيلما وثائقيا، عن التلفزيون الإيراني «كابوس النسر»، عن قصف إيراني محاكاتي لحاملة الطائرات أبراهام لنكولن ومياه الخليج تبتلعها من قوة الصواريخ الإيرانية التي تقصف أيضا مطار بن غوريون وتل أبيب وحيفا ومفاعل ديمونة، وكأنه لن يكون هناك من رد. مقدمة لتفاصيل النظرة الإيرانية إلى أميركا، قال حسين موسويان، السفير الإيراني السابق لدى ألمانيا والباحث حاليا في جامعة برنستون في أميركا: «الاتفاق النووي النهائي، إذا تم توضيحه، يجب أن يستمر من ثلاث إلى خمس سنوات فقط، بعدها يواصل البرنامج النووي الإيراني طريقه الروتيني».
وكان خامنئي اتهم أميركا بالنفاق «في الاجتماعات المغلقة يتكلمون مع ممثلينا بلغة تختلف عن تلك التي خارج الاجتماعات». لكن شكوى خامنئي هي شكوى المتأكد من أن الإدارة الأميركية، التي رفضت التصدي لنظام مهترئ كالنظام السوري، تعمل بنمط يعكس تفكير الرئيس باراك أوباما في ما يعتبره عدم تورط أميركا في صراع مفتوح في الشرق الأوسط، فهو يعتزم أن تكون «تركته» وضع حد لهذا التوجه، لا بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك في تصوره إيران كقوة بناءة في الأمن الإقليمي حيث قال في مقابلة مع ديفيد ريمنيك رئيس تحرير «نيويوركر» الشهر الماضي: «إذا استطعنا إقناع إيران بالعمل بطريقة مسؤولة، فسوف نرى التوازن يتطور بين دول الخليج العربي، وإيران، إلى نوع من التنافس – فيه بعض الشكوك – إنما ليس إلى حرب مفتوحة».
ربما انطلاقا من هذه النظرة ترى الإدارة الأميركية أن مواجهة حكومة نوري المالكي للمسلحين السنة في الأنبار إنما هي مواجهة حكومة منتخبة لمتطرفين معارضين.
ترفض الإدارة الأميركية الاعتراف بأن حربا مذهبية مفتوحة دائرة في الشرق الأوسط وقد تبتلع المنطقة كلها. ثم إن بروز الصراع المذهبي واضح في العراق وسوريا ويهدد لبنان وبعض دول الخليج.
المشكلة أن الإدارة اختصرت العقدة الإيرانية بالبرنامج النووي. حتى أوباما نفسه اعترف بأنه ليس متفائلا بالنسبة إلى الجولة الثانية من المفاوضات مع إيران، وفي مقابلته مع ريمنيك رأى أن فرص النجاح أقل من النصف: «أقل من ذلك».. حتى إن غاري سامور الذي شغل حتى العام الماضي منصب المسؤول في البيت الأبيض عن الحد من التسلح قال: «أعتقد أنه من الصعب التوصل إلى اتفاق نهائي في ستة أشهر (…) إنها عملية من المداولات التي لا نهاية لها».
بموازاة الحرص الإيراني على البرنامج النووي، هناك حرصها على التحالف الإقليمي الذي تقوده وينتمي إليه نظام الرئيس بشار الأسد وحزب الله. لم تعد إيران تنفي تقديمها المساعدات الهائلة لحماية النظام السوري. هي حشدت وجندت كل استثماراتها الإقليمية لحمايته. ثم إن قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري توجه بنفسه إلى دمشق وبيروت من أجل تنسيق هذه الجهود. وكان اللافت أن الإيرانيين بدأوا في منتصف عام 2012 تدريب قوات مشاة خفيفة لمساعدة الأسد أطلقوا عليها قوات الدفاع المدني التي يقول «حزب الله» إنه يثق بها أكثر من ثقته بالجيش النظامي، إنها بمثابة فرق الباسيج السورية. أيضا، أن للعراق دوره القوي في دعم النظام السوري، وهذا يعكس تقارب النظام العراقي من إيران، فهو سمح لإيران باستعمال مجاله الجوي والبري لنقل أسلحة للقوات النظامية السورية (يوم الاثنين قالت بغداد إنها عندما تتسلم الآلات العسكرية المطلوبة ستقوم عشوائيا بتفتيش الطائرات الإيرانية المتجهة إلى سوريا). وإضافة إلى دعم الحكومة العراقية هناك الميليشيات الشيعية العراقية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري: ألوية أبو الفضل العباس، كتائب حزب الله، ومجموعة أهل الحق. في دورها هذا في العراق وسوريا، ورغم أن الجانب الذي تقوده إيران في الصراع الإقليمي برز كتحالف منظم بإحكام، وقادر على العمل بطريقة منسقة – لأن إيران تريد نفوذا ممتدا من غرب العراق وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط – إلا أن التأثير من الناحية العملية كان مدمرا، إذ إن سوريا انقسمت فعليا إلى ثلاث مناطق: سنية، وعلوية/ شيعية، وأكراد، وينسحب الأمر كذلك على العراق الذي انقسم إلى منطقتين عربية وكردية، وفي المنطقة العربية يتصارع السنة والشيعة.
منذ بدء «الربيع العربي» وصولا إلى الاتفاقية المؤقتة بين إيران والغرب، أعطت الولايات المتحدة الانطباع بأنها «تستغني» عن منطقة الشرق الأوسط، لا بل تسعى إدارة أوباما للتقارب مع إيران.
إن هدف إيران الرئيسي هو السيطرة على إمدادات الطاقة في الخليج العربي لتحل محل الولايات المتحدة كضامن للموارد التي يعتمد عليها العالم، إذ تدرك طهران أن الخليج هو مصدر القوة الحقيقية في المنطقة. ولتحقيق ذلك تحاول أن تغري دول الخليج (قول حسن روحاني خلال استقباله سفير قطر الجديد في طهران: يمكن لطهران والدوحة الإسهام في تعزيز أمن واستقرار المنطقة، وإعلان سفير إيران في مسقط عن أن إيران ستستثمر مبلغ 4 مليارات دولار في مرفأ عمان الصناعي «الدقم» الذي سيكون نقطة وصل ما بين إيران ودول الخليج وعدة دول آسيوية، كما أن العمل جار لمد أنبوب غاز ما بين السلطنة وإيران).
والدول التي لن تجذبها الإغراءات الإيرانية تعتقد إيران أنها قادرة على دفعها بعيدا عن الولايات المتحدة للتحالف معها، والمفارقة الكبرى أن ضعف أميركا في مواجهة السعي النووي الإيراني يجعل طهران تعتقد أن كل شيء ممكن، وليس من يواجهها، كما الفيلم الوثائقي الذي عرضه التلفزيون الإيراني مساء الجمعة الماضي «كابوس النسر».
قبل سنوات كانت حرب باردة دائرة في المنطقة بين إيران وحلفائها من دول وأحزاب «الممانعة» والدول الأخرى، والآن، انقلبت هذه الحرب من باردة إلى ساخنة جدا قد تنضم إليها قريبا دول أخرى مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا.
منقول عن الشرق الاوسط