عبدالله بن بخيت
يظن كثير منا أن الصحوة حركة إسلامية استمدت محتوياتها وأطر تنظيمها من الماضي الإسلامي. نصف هذا القول صحيح. لا يشك أحد أن محتويات الصحوة ومفرداتها إسلامية وشعبية وتقاليد. لكن هذه المفردات محشوة في قوالب تنظيمية لا تختلف عن القوالب التي استخدمتها الأحزاب العربية كالبعث والقوميين والتي جلبوها من الثورات الثقافية التي سادت في المعسكر الاشتراكي والصين. قراءة ما حدث في الصين في الستينات والاتحاد السوفييتي في الخمسينات وأوروبا الشرقية في الفترة نفسها سوف يساعدنا على فهم الآثار التي تتركها الحركات الكبرى على الشعوب التي تسيطر عليها. لكن تبقى الثورة الثقافية الصينية الأقرب إلى الصحوة لتشابههما في الأمرين: الأطر التنظيمية والقوالب المستخدمة مستوردة من أوروبا، أما المحتوى الثقافي فمعظمه اختراع محلي (فوضى محلية). لكن عند مقارنة الصحوة بحزب البعث العربي الاشتراكي مثلاً سنرى أن الأطر التنظيمية والقوالب مصدرها واحد مع اختلاف في مصدر المحتوى. عزلة حزب البعث عن الجماهير وبقاؤه أداة سلطة كونه مستورداً بالكامل.
قامت الصحوة على بعدين كغيرها من التنظيمات؛ بعد سياسي وبعد ثقافي، والأخير هو الذي أغناها أثناء الصعود والتألق ولكنه أصبح الثغرة التي وفرت لأعداء الصحوة القدرة على نقضها. ينقسم دعاة الصحوة إلى نوعين متمايزين: الدعاة المؤدلجين (الخلافة والعدالة والأمة.. إلخ) والدعاة السذج (الحبة السوداء والجن.. إلخ). يوفر الدعاة المؤدلجين القوالب السياسية والأهداف والعمل السري المنظم ويقدم الدعاة السذج المحتوى المغري.
السياق السياسي الذي يسير فيه الداعية المؤدلج يتناقض مع السياق الساذج الذي يسير فيه داعية الجن والحبة السوداء. ولكن من جهة أخرى سنرى أن خطاب الداعية الساذج ضروري لاستحضار الماضي الذي يمجده المؤدلج ويسوقه بين الجماهير. لإقناع الناس بالماضي لا يكفي أن تنفي الحاضر وتزدريه. إذا كان الماضي عظيماً كما تدعي فلا بد أن ينافس الحاضر بمنتجات تمس حياة الناس اليومية. إذا جمعنا العسل والحبة السوداء مع السواك والرقية حصلنا على مستشفى يتفوق على مايوكلينك. اضطر المؤدلجون إلى قبول هذه المحتوى لسبب بسيط أن الماضي لا يوفر منافساً للحاضر سواه. وفي الوقت نفسه لا يتحمل المؤدلجون مسؤولية تسويق وترويج هذه الثقافة والشيء الثالث الانتشار الواسع للدعاة السذج يساعد على تخفيض مساهمة العقل الجمعي في النقد. قبول الناس بمشروعات خيالية كالخلافة وتوحيد الأمة الإسلامية يحتاج إلى عقلية تنقصها القدرة على تحليل الواقع.
ما تركته الصحوة من تأثير على العقل لا يقل خطورة عن تنظيماتها التي تم تقويضها.
كل ما فعلناه حتى الآن ان أسقطنا الجانب السياسي والتنظيمي. إذا أردنا أن نمضي إلى رؤية 2030 بنجاح علينا أن نسارع وبحزم إلى محو ما تركته ثقافة الصحوة من أثر في عقول الناس.
*نقلاً عن “الرياض”