الشرق الاوسط
سيدي أبا الطيب، أنت لا تذكر، وأنا لا أنسى، أنني تطاولت عليك قبل سنوات في هذا المكان، ليس كشاعر، فقد قدمت بالقول إنك أعظم سبعين مرة من شكسبير. وإنما كإنسان، فقد أضفت أن عظمة شعرك وفرادته لا تتماشى مع هفوه إلى السلطة.
يومها تنطح طفيليون للدفاع عنك، كأنما يمكن لمثلي أن يمسّك ولأمثالهم أن يكونوا دروعك. أثارني ذلك فتصرفت بغضب ورعونة وحمق. كتبت وكأن معجز الشعر مسألة بين محبر وخوارج لا يعرفون من عبقريتك إلا لوازم الأمثال ولزوم المجالس. غضبت، وزميلك الألماني غوته يقول لا جمال في الغضب. وقعت في سذاجة فيما أنتقد باستمرار وما أستذكر دائما. بدل أن أصحو وأعود إلى كبرك، أغشي علي وذهبت إلى صغارتهم.
ما مناسبة هذا الكلام اليوم؟ أعرف أن الأمر لا يهمك. فأحد الذين ردوا علي قال: «إذا أتتك مذمتي من ناقص». وهو أدرى. وماذا يمكن أن يهمك في مجدك الشعري الذي ختم به ديوان العرب. لكن المسألة يا مولاي عندي. فأنا لم أغفر لنفسي حماقتي. وحاول شاعرك غازي القصيبي أن يرأف بي، فكتب هو أيضا أن لا المديح يليق بعبقريتك ولا الهجاء يليق بشاعريتك. لكن شيئا لا ينفع في الإساءة إليك. الأسوأ أن المذمة لشخصك لم تأت من ناقص، فأنا منذ يفاعي ممتلئ بموسيقاك. وبيت أهلي عارم بأبياتك. واللعنة على ساعة الحمق.
هذا ليس اعتذارا منك. فمن أنا لأعتذر ولست في حسابك شيئا. لكنه اعتذار متأخر إلى قراء هذه الزاوية الذين يثقون بي ويمنحوني من وقتهم كل يوم، بل أحيانا يتفضلون بالمشاركة.
لقد علمتني درسا آخر، هذه المرة من خارج ديوانك. من خارج مدائحك الغامرة وأغضابك الظافرة. تعلمت ألا يثيرني الصغار على العظام، وألا أرفع غطاء المجد عن ذوي الأمجاد، لأن ذلك ينفر الكبار والصغار على السواء. أحب أن أعترف لك، بأنني منذ ذلك الوقت لم أتوقف يوما عن الإبحار في بحورك والتأمل على ضفاف محيطك.
وكلما التقيت حافظك الأول (وحافظ القرآن الكريم) الوزير جان عبيد، تحضر أنت. في الحكمة. في الجمال. في الإباء. في النفس. وحتى في رفعة الغزل. نرددك كشاهد على الزمان وأهله، وترد كشاعر الزمان.