بماذا يذكرك سفر نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى موسكو عن طريق بيروت؟ أنا، يذكرني بأيام حزينة في بغداد. يوم كان طارق عزيز يسافر إلى موسكو عن طريق إيران، لأن مطارات العراق كانت مغلقة. رحلة بعد أخرى قام بها طارق عزيز إلى الكرملين. وكان ميخائيل غورباتشوف يقول له، كل مرة: «اذهب وقل للرئيس إن الحرب قادمة، والعراق سوف يخسرها ويدمر». في الرحلة الأخيرة قال طارق عزيز للرئيس السوفياتي: «إن صدام يقبل نصيحتك. فتش لنا عن مخرج». قال له غورباتشوف: «لقد دمرتم جميع الأبواب. فاتكم أن تقرأوا متغيرات العالم».
كان صدام حسين يراهن على معاهدة الصداقة العراقية – السوفياتية. ظن أن السوفيات سوف يخوضون حربا عالمية من أجل بلد لا يبعد عنهم إلا نحو 300 كيلومتر. غلط أيها السيد الرئيس.. فهم لم يخوضوا حربا من أجل برلين الواقعة في قلب شرقهم، ولا خاضوا حربا من أجل كوبا، أول وأهم قاعدة لهم على حدود أميركا. الحروب العالمية أيها السيد الرئيس لا تقع بسبب مزاج معكر.
تذكر رحلات كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، وقبلهما نبيل العربي، إلى دمشق، برحلات الوسطاء إلى بغداد. توسلوا صدام حسين أن يعفي العراق والمنطقة من الحرب وتداعياتها، وأن يرد الكويت إلى أهلها. كان الجواب عن طريق وزيره، لطيف نصيف جاسم: «الكويت؟ انسوا الكويت»!.. قالها بالإنجليزية لكي يوفر الترجمة.
كم هو محزن أن تتكرر المآسي العربية على هذا المنوال. العناد باسم إرادة الشعب، والشعب في الخوف وفي الخيام وفي السجون وفي الموت. قبل أشهر، عندما كان مطار دمشق لا يزال عاملا في «بلد الأمن والأمان»، ذهب إلى موسكو وزير الخارجية بنفسه. وقال للعالم إنه اتفق على كل شيء مع سيرغي. وكرر الإشارة إلى صديقه سيرغي.
على أصدقاء الروس أن يقرأوا بعناية مذكرات غورباتشوف، وكتاب الرفيق القديم وصديق الزعماء العرب يفغيني بريماكوف (يفغيني لأهل الألفة). مثل هذه القراءات توفر عليهم الآمال الخاطئة، وعلى شعوبهم الموت والعقوبات والمدن التي تدمر وكأنها مجرد خرائب قديمة في حقول السيد الرئيس.
ثمة شيء في القانون يسمى «السابقة»، وهذه يعول عليها كسند في المرافعات. يا أيها السيد الرئيس: موسكو لن تفيدك أكثر مما أفادت جمال عبد الناصر أو صدام حسين أو ياسر عرفات أو فيدل كاسترو. ولا الصين يمكن أن تقدم لك غير ما قدمت من تصريحات «ملعلعة». لا أحد أقوى من الأمثولة.