11 دقيقة فقط قضاها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس ليلة الثلاثاء الماضى لكنها ستترك أثرا مهما فى علاقة المسلمين والأقباط لسنوات طويلة مقبلة.
هذه الخطوة ستبعث برسالة إلى الإخوة المسيحيين أن أكبر رأس فى الدولة زارهم فى كنيستهم ليلة احتفالاهم بقداس عيد الميلاد، وهى سابقة تاريخية لم تتكرر حتى فى عصر الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر الذى كان يرتبط بعلاقة صداقة خاصة مع الباب كيرلس، وطلب ان تساهم الدولة فى بناء كاتدرائية العباسية وقام بوضع حجر أساسها فى 24 يوليو 1965 ثم فى افتتاحها فى 25 يونيو 1968.
السادات اصطدام بالأقباط ليتقرب من الاخوان ليضرب بهم اليسار، ثم سحب قراره بالتصديق على تعيين البابا شنودة وعين لجنة من خمسة أساقفة لإدارة الكنيسة.
مرة أخرى ما فعله السيسى ليلة احتفال الأقباط الأرثوذكس بعيدهم سيساهم فى ضرب دعاة الفتنة ويعمق ــ فعلا لا قولا ــ من إحساس المسيحيين بالمواطنة، لكن وفى المقابل فإن على بعض الأقباط ألا يخطئوا فى قراءة هذه الرسالة، بل وفى قراءة المشهد السياسى بعد 30 يونيو.
ليس سرا أن الأقباط لعبوا دورا مهما فى 30 يونيو مثل قطاعات شعبية كثيرة، وليس سرا أيضا أن الإخوان لم ينسوا لهم ذلك وحاولوا ــ هم وانصارهم ــ الانتقام منهم مرارا، وبالتالى فعلى الأقباط، التعامل بتواضع مع دورهم وعدم النفخ فى نيران قد تؤذى الجميع.
ليس من مصلحة مصر تعميق العداوة بين الأقباط والإخوان أو أى طائفة أخرى فى المجتمع.
الأقباط مكون أصيل فى المجتمع، والإخوان ــ بغض النظر عن رأينا فيهم ــ جزء من المجتمع، وبالتالى لا يصح أن تستمر حالة الحقد والكيد او التشفى والانتقام.
يمكن تفهم ارتياح الأقباط لخروج الإخوان من السلطة بحكم تخوفهم من تحول مصر إلى إيران أخرى أو حتى ربما صورة مكبرة من داعش، بفعل الاشارات الخطيرة أثناء حكم الإخوان مثل الصورة المقبضة فى ذكرى الاحتفال بانتصارات 6 أكتوبر فى استاد القاهرة.
لكن لا يمكن تفهم استمرار هذا المناخ، خصوصا بعد التصريحات المنفلتة من بعض قيادات الأقباط بما يعمق من الشرخ بينهم وبين قطاعات إسلامية كثيرة.
جوهر كلامى هو أن يظل الخلاف محصورا بين الإخوان وأنصارهم وبين بقية الأحزاب والقوى السياسية المصرية على أساس سياسى، بدلا من محاولة تحويله إلى صراع دينى بين الإخوان والأقباط.
عندما ثار المصريون ضد الإخوان وخرجوا بالملايين فى 30 يونيو لم يخرجوا بدافع الدين، بل ربما خرجوا أساسا خوفا من تحويل الإخوان للصراع إلى معركة بشأن الدين.
عندما خرج الإخوان من السلطة فى 3 يوليو وبعد فض اعتصام رابعة فى 14 أغسطس 2013 فوجئنا بهجمات منظمة تستهدف العديد من الكنائس، وكان الرهان هو استدعاء واستدراج الصراع الطائفى بدلا من حصره فى إطاره الطبيعى وهو الصراع السياسى.
يظل مفهوما محاولة الإخوان وأنصارهم إفهام البسطاء ان الأمر بأكمله يدور بين معسكرى الإيمان والكفر، أو المسلمين وأعدائهم، بل والايهام بأن الأقباط كانوا السبب الرئيسى فى خروجهم من السلطة، بالطبع هذا الكلام ليس صحيحا، لكن الإخوان لن يتوقفوا عن المتاجرة بهذه الورقة.
وبالتالى ينبغى على الكنيسة ورموزها وعلى كل الشخصيات العامة القبطية ألا تضع نفسها فى صدارة المشهد حينما يتعلق الأمر بالصراع الدائر الآن فى المجتمع.
التطرف يتراجع، وبالتالى فليس مقبولا او معقولا ان تكون بعض التصريحات والمواقف القبطية المنفلتة بمثابة قبلة الحياة للمتطرفين.
كل عام والمسلمون بخير بمناسبة مولد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وكل عام والأقباط بخير بمناسبة بعيد الميلاد، وعليهم جميعا ألا ينسوا ان دعاة الفتنة لم يرفعوا الراية البيضاء حتى اللحظة.
*نقلاً عن “الشروق” المصرية