العزاء الحار للإخوة في دولة الامارات الشقيقة وللقائمين على شركة «فلاي دبي» الفتية الناجحة، على الحادث الأليم في مطار «روستوف اون دون» الروسي، وإن كان من المبكر الحديث عن الأسباب المؤكدة لوقوع الحادث، إلا أن الحديث عن الاحتمالات التي قد تؤكدها أو تنفيها حقائق الصندوق الأسود وأعمال المحققين، أمر معمول به دوليا، علما أن وقوع حادث لشركة طيران لا يعني إطلاقا أنها شركة غير آمنة، كما أن عدم وقوع حادث لا يعني بالتبعية أنها شركة طيران آمنة، فالمهم هو ما يراه المختصون من وجود ـ أو عدم وجود ـ تدريبات واهتمام وعناية بقضايا السلامة بشركة الطيران المعنية.
***
«FOLLOW THE LEADER»،
أي اتبع القائد، مصطلح تسبب بالسابق في وقوع حوادث مميتة للطائرات، ويعني المصطلح أن يغرى طيار ما بنزول طائرة قبله في مطار يتعرض للعواصف وتغيرات الرياح فيحاول النزول وتتحطم طائرته بسبب فارق قدرات طائرته مقارنة بالطائرة التي سبقته أو فارق قدراته مقارنة بقدرات الطيار «القائد» أو أن العاصفة قد اشتدت بعد نزول الطيار الأول، وواضح أن تلك النظرية لم تكن سبب وقوع حادث المطار الروسي اذا لم نقل العكس، فأثناء تحليق الطيار القبرصي بالطائرة الإماراتية المنكوبة فوق المطار حاولت طائرتان قادمتان من موسكو النزول إلا أنهما أخفقتا وتوجهتا الى مطارات قريبة انتظارا لمرور العاصفة وتحسن الجو.
***
«FANTASY OF DESTINATION»
أو إغراء محطة الوصول لأسباب شخصية تتعلق بطيار رحلة ما ولا تخص قادة طائرات أخرى يحلقون فوق نفس المطار، أمر تسبب في حوادث كثيرة في الماضي، حيث يصر طيار على النزول في مطار يتعرض للعواصف والرياح وانعدام الرؤية لظروف خاصة به لا يريد تأجيلها، وقد يكون هذا المصطلح سببا مساعدا للحادث، حيث كانت الرحلة الى المطار الروسي هي الاخيرة للكابتن قبل تركه دبي وتوجهه للعمل مع شركة طيران ايرلندية مقرها دبلن، ومن ثم فإن التوجه لمطار بديل وما قد يتسبب فيه من تأخير قد يؤثر على ساعات العمل القصوى المسموح بها للطاقم، ومن ثم ضرورة مبيت الطاقم في المطار الثالث وإعادة جدولة مواعيد الطيار المغادر الذي لم يعلم أن الإصرار على النزول في مطار «روستوف» سيؤدي بالضرورة للحادث، أحد العوامل المساعدة على الإصرار على النزول بالمطار وعدم التوجه كحال الآخرين للمطارات الأخرى.
***
وعودة للحادث الأليم وبه عدة مقومات تقليدية لوقوع الحوادث، منها ما ذكرناه في الفقرة السابقة، ويضاف اليه إجهاد الطيارين، فالحادث وقع ليلا قرب الفجر بعد تحليق ليلي متعب في مطار غريب، وزاد الطيارين جهدا التحليق الدائري فوق المطار لأكثر من عشر مرات ولمدة قاربت الساعتين، إضافة الى وجود عاصفة رعدية فوق المطار صاحبتها عملية «WIND SHEAR»
أي تغيير مفاجئ لسرعة واتجاه الرياح من مضاد للطائرة
HEAD WIND
وهو المطلوب الى دافع لها أي
TAIL WIND
مصاحب كما هي العادة بتيارات هوائية قوية تدفع الطائرة بعنف الى الأرض أو ما يسمى بـ
DOWN BURST
وهي ظاهرة مازالت تتسبب في العديد من حوادث تحطم الطائرات قرب المطارات كحال الحادث الأخير.
***
آخر محطة:
(1) مازالت قاعدة 3M التي ترمز للطيار والطائرة والاجواء هي سبب حوادث الطائرات المميتة وأحيانا تتجمع في لحظة مأساوية الاضلاع الثلاثة كأن يكون هناك خلل فني أو حريق بالطائرة (هناك تقارير لا يعلم مدى دقتها عن حريق بالطائرة قبل تحطمها لا تظهره أشرطة حديث الطيار مع برج المراقبة) يصاحبه خطأ بشري للطيار سواء ما يخص قراراته الرئيسية بالنزول أو التوجه لمطار آخر أو تسلم أو عدم تسلم الطائرة من المساعد أو حتى مهاراته الذاتية بالتعامل مع العواصف أو الطوارئ، إضافة الى وجود أنواء جوية خطرة فوق المطار.
(2) سيظهر الصندوق الأسود قريبا من كان يقود الطائرة، أي الكابتن أم المساعد، حيث يفترض أن يتسلم الكابتن القيادة في مثل تلك الاجواء العاصفة، ومتى تعرضت الطائرة لظاهرة قصف الرياح أي WIND SHEAR وعلى أي ارتفاع، وهل هناك أخطاء، أو تأخر في تعامل من يقود الطائرة مع الظاهرة لحظة حدوثها، أي تأخر دفع المحركات لأقصى قوتها ومن ثم الارتفاع الفوري الى أعلى، كما تقتضي التعليمات، حيث ان التأخير يسبب الارتطام العنيف بالأرض، وهل هناك مشاكل فنية تداخلت مع الأجواء الخطرة؟!
(3) قد يكون أحد أسباب الحادث أن تحليق الطيار لمدة طويلة فوق المطار قد تسبب في استهلاك الوقود اللازم للتوجه إلى المطار البديل، ومن ثم أصبح الطيار ملزما بالنزول في مطار روستوف أيا كانت الظروف الجوية.
(4) نتوقع الاستماع خلال المدة القصيرة القادمة لإجابات عن جميع الأسئلة السابقة ضمن التقرير الأولي للحادث لمعرفة الأسباب كي يمكن تفاديها مستقبلا بعد قراءة والاستماع للصناديق السوداء، كما هو الحال في أغلب الحوادث وأن يتم الابتعاد عن النهج غير المهني الذي صاحب حادث الروسية في سيناء الذي مازال مسجلا «ضد مجهول» رغم أن الجميع يعرف.. أسبابه منذ اللحظات الأولى لفحص الصناديق السوداء!
* نقلا عن “الأنباء”