احتلال بغداد العباسية
إسقاط الدولة العباسية واحتلال بغداد
كان احتلال بغداد 654 هجرية 1233 للميلاد وسقوط بغداد حدثا تاريخيا مهما جدا للمنطقة العربية وللدولة الإسلامية
حيث انهي الخلافة او الدولة الإسلامية التي كانت تبسط رايتها على مساحات شاسعة من الأرض من الصين شرقا إلى شمال أفريقيا غربا ضمت أمما كثيرة وشعوبا متنوعة وحدتها راية الإسلام كما أن هذا الحدث أسس بنتائجه لشكل جديد من العلاقات بين الدول والجماعات ورسم خريطة جزء هام وأساس من العالم وبنظرة تاريخيه للأحداث والوقائع التي حدثت في الفترة من عام 634 هجري 1213 م حتى عام 654 هجري 1233 م وظهور قوة عظمى بسطت نفوذها مع الجناح الشرقي للدولة العباسية دول آسيا الوسطى وكل دول إقليم القوقاز حتى موسكو ووسط وشرق أوربا بالكامل بظرف خمس سنوات لا غير اخذين بعين الاعتبار المساحات الشاسعة التي تعادل أكثر من نصف مساحة الكرة الأرضية ووسائل الانتقال السائدة قبل أكثر من ثمانمائة سنة وكانت الحروب تعتمد على الجهد البشري دون أي استخدام لتقنيات الحرب الحديثة وواقع دولي من ممالك وإمارات متناحرة لأسباب عقائدية وأطماع دنيوية ومصالح خاصة .
فقد غزت جيوش التتار التي انطلقت من جنوب سيبريا من قرة قورم شمال الصين إلى الصين جنوبا لتحتل وتسقط ممالك و لتجتاح بعد ذلك بلاد الأفغان والجزء الشرقي من الدولة العباسية بلاد فارس والولايات التي شمالها مثل قرقزستان وازبكستان وكازاخستان وطاجاكستان إضافة إلى بلاد الهند والسند لتتجه شمالا إلى القوقاز وروسيا والمجر وبلاد السلاف وكل دول وممالك شرقي ووسط أوربا حتى حدود فرنسا وألمانيا و ايطاليا على أعتاب الفاتيكان حيث توقفت عملية الغزو عام 639 هجرية 1218 م بسبب موت ملك التتار واستلام ملك جديد قرر إيقاف الزحف وإعادة ترتيب الدولة المترامية الأطراف حتى عام 649 هجرية 1228 م حيث استلم الحكم الخاقان منوخان ملكا على التتار وقد وزع الدولة الجديدة المتكونة من الأراضي المحتلة إلى ثلاثة قطاعات أو أقاليم سلم قيادة كل إقليم أو قطاع لواحد من إخوته وكان الإقليم الغربي ومركزه فارس قد سلم لهولاكو الأخ الثالث للملك منوخان إضافة لإقليمي الهند والصين الذين استلم كل منها أخ للملك وقد بدا هولاكو التخطيط لاحتلال العراق وإسقاط الدولة العباسية بتصميم وتخطيط عاليين جدا حيث بدا عام 1228 م بوضع خطة احتلال بغداد بتهيئة مسرح العمليات ورسم الخطط وقد قام لذلك بالتالي :
1 عسكريا :
1: تجهيز جيش كبير جدا من التتار الأشداء بكامل العدة والعتاد والتدريب العالي تجاوز الربع مليون عسكري.
2 : تجهيز الطرق الصالحة لسير الأعداد الكبيرة من الجيوش بعدتهم وعتادهم من الصين إلى بغداد .
3: إنشاء الجسور الكبيرة على كافة الأنهار بالطريق بين الصين والعراق الذي أنشأه لهذا الغرض وخصوصا على نهري سيحون و جيحون .
4: تشديد الحماية للطريق وذلك بتكثيف الوجود العسكرية على طول الطريق وخصوصا مفارق الطرق وعند المدن أو الحواجز التي يخترقها الطريق .
5 : تجهيز وسائل ضخمة لنقل المؤن العدد العتاد والدعم اللوجستي للجيوش التي تتأهب لغزو العراق .
6: إخلاء الطريق وعلى مساحات واسعة وعلى طوله من كل التجمعات السكانية ليكون مصدر تموين الخيول والحيوانات مكانيا على جانبي الطريق وبذلك لا يحتاج لحمل كميات من العلف ويكون غذاء حيوانات والجيوش مؤمنا على جانبي الطريق .
2 دبلوماسيا :
أ : عقد تحالفات وخلق ولاءات من محيط العراق وبعض الممالك المؤثرة في المنطقة مثل مملكة أرمينيا حيث عقد تحالفا مع الملك هيثوما وإعطائه رتبة كبير المستشارين لملك التتار وإعطاء الأمان له ولمملكته كما استقبل سفارة الملك لويس التاسع ملك فرنسا ولتوثيق العلاقات فقد قام ملك المغول منوخان بنفسه بالتعامل مع الممالك المقصودة بالتحالف وعقد الاتفاقات .
ب : اجري التتار اتصالات بالمالك المسيحية المحيطة بالعراق مثل بلاد الشام وتم عقد اتفاقات مع ملك إنطاكية المسيحي بعد رفض الأمراء الآخرين التحالف مع التتار لعدم ثقتهم بوعودهم .
ج : عقد اتفاقات سرية مع أمراء الكرج جنوب تركيا وبعض أمراء الدولة الإسلامية في حمص والموصل وأكراد شمال العراق وكذلك أمير حلب الناصر يوسف حفيد صلاح الدين .
ح : إجراء اتصال ببطرك بغداد للتفاهم معه واخذ موافقته بعد اعطائة الأمان له ولرعيته .
خ : عقد اتفاق مع الأمير مؤيد الدين العلقمي كبير وزراء الدولة العباسية بمنحه وعدا بعضوية مجلس الحكم بعد سقوط الدولة وبعض الامتيازات
بالمقابل كان واقع الدولة العباسية متهرئا ضعيفا من جميع النواحي حيث كانت الصراعات الداخلية ضمن بلاط الدولة وبين الحاشية لتشتت الو لاءات وضعف أسس الحكم فقد كان الخليفة (المستعصم بالله )غير ذي قرار وضعيف الأداء خاضع لتأثير الحاشية الفاسدة وكان اهتمامه بأمور بسيطة لا ترقى لمستوى الخطر القادم كما أن الولايات التابعة كانت تتقاذفها الخلافات وصراع المصالح وكانت تتوزع ولاءات الولاة بين المصالح الشخصية ومصلحة الحكم كما أن محيط الدولة العباسية غير موالي إضافة إلى :
1 : تشرذم الجبهة الداخلية
2: ضعف الاقتصاد الوطني وتوزع أموال الدولة على الفاسدين من مجموعة الحكم والمصروفات الترفيهية والبذخ في حياة الحكام
3: إهمال المؤسسة العسكرية من حيث التجهيز والتدريب والجاهزية للقتال
4 : لتخفيف الأعباء المالية فقدتم بقرار من الخلفية بناء على نصيحة كبير وزرائه بتخفيض العديد العسكري من مائة ألف عسكري إلى عشرة ألاف أي تخفيض 90% من القدرة القتالية للجيش وقد مارس التتار لإضعاف الدولة من الداخل وتمزقيها بالتجويع حصارا اقتصاديا وقطع طرق الإمداد ومنع قوافل التموين من الوصول إلى بغداد إضافة إلى الحرب النفسية عن طريق إطلاق الإشاعات المحبطة والمثبطة للهمم بين الناس والجيش عبر عملاء وسعاة مأجورين يكتبون ويتحدثون بين الناس عن قوة الجيش التتري وصعوبة مقاومته
هذه الأجواء التي سبقت احتلال العراق وإسقاط الدولة العباسية في بغداد وتدميرها .
احتلال بغداد وسقوط الدولة العباسية
ج2
قام القائد المغولي هولاكو منذ توليه قيادة المنطقة الغربية لجيوش التتار واتخاذ فارس مقرا لقيادته بالتخطيط الدقيق لاحتلال بغداد خلافا لمن سبقه باحتلال المدن وتدمير الحواضر فقد استغرق هولاكو خمس سنوات من التخطيط والتدبير لعملية احتلال بغداد وإسقاط الدولة العباسية وتضمن ذلك إعداد مسرح العمليات والترتيب بدقة لإدامة المعركة كما قام بالتهيئة الدولية والدبلوماسية بعقد اتفاقات وتحالفات وبسط نفوذ في المناطق المحيطة بالعراق وحساب الخطط بدقة لتلافي أية مفاجآت أو احتمالات تدخل أو تخريب أو مواجهة لخطة الاحتلال .
إضافة إلى مستلزمات النصر من إضعاف القدرات النفسية للخصم ومحاصرته وتقييده بمحيط معادي يقابل ذلك إهمال وتراخي من جانب إدارة الدولة العباسية بتقدير خطر قوات المغول التي احتلت نصف الولايات الإسلامية في آسيا ولم تستعد للمواجهة ولم تتابع أو تراقب أو تقوم بأي عمل مضاد للخطر القادم كما أن جسم الدولة العباسية قد نخرته الخلافات والأطماع والصراعات الداخلية وتخلي بعض الأمراء عن ولائهم للدولة العباسية حتى وصل الأمر بالبعض للتخابر مع العدو والعمالة له وخيانة الدولة ، ففي عام 654 هجرية أدرك هولاكو أن الظروف ملائمة لغزو بغداد وبدأ بعملية حشد هائلة لجيوش التتار فاقت كل العمليات الأخرى منذ عهد جنكيزخان حيث حشد مائتي ألف من خيرة المقاتلين التتار لمحاصرة بغداد إضافة إلى كتائب التموين والاستطلاع والحماية وحماية طريق الإمداد والطرق الأخرى اللازمة للمعركة وكانت عملية التهيئة والاستعداد لاحتلال بغداد قد تلخصت بما يلي : –
1 – تمركز الجيش التترى الأصلي في منطقة فارس وأذربيجان شرق العراق وتولى هولاكو قيادتها .
2 – استدعاء فرقة تترية متمركزة بحوض نهر الفولجا الروسي .
3 – استدعاء فرقة من الجيش التتري المتمركزة بوسط أوربا والتي قامت بغزو أوربا وإسقاط ممالكها وعلى رأس الفرقة القائد المغولي المشهور بيجو التي قدمت من الأناضول .
4 – طلب مساعدة ملك أرمينيا وقد حضر هيثوم ملك أرمينيا بنفسه على رأس جيش من أرمينيا .
5 – استدعاء فرقة من جيش الكورج شمال العراق للمشاركة بالمعركة وحصار العراق .
6 – استدعاء ألف مقاتل من الصين من خيرة رماة السهام المحملة بالنيران .
7 – إسناد القيادة العسكرية العليا لأفضل قادة الجيوش التتارية القائد كاتبوغانوين وهو مسيحي حيث يتميز إضافة لميزته القيادية وقدراته العسكرية الكبيرة فله القدرة على التفاهم والتواصل مع القوى المسيحية التي ضمها الجيش التتري والتقارب والتفاهم معهم من الكورج وإنطاكيا والأرمن وغيرهم وقد تميز الجيش التتري بثلاثة قادة عسكريين من أشهر القادة المغول وهم هولاكو وكاتبوغانوين وبيجو .
8 – استعداد بوهمن ملك إنطاكيا المسيحي لإرسال جيش كبير جدا للعراق لكنه لم يستطع اجتياز الشام ومع ذلك ابقى الجيش بحالة استعداد لغزو الشام بعد العراق .
9 – استقبال فرقة إسلامية من دمشق أرسلها والى دمشق بقيادة ابنه العزيز بن الناصر يوسف حفيد صلاح الدين الأيوبي .
10 – استقبال فرقة إسلامية أخرى أرسلها والى الموصل بدر الدين لؤلؤ .
وكانت الفرقتان الأخيرتان رمزيتان حيث إن جيشا إسلاميا يحارب الدولة الإسلامية إلى جانب جيوش تترية غازية والاهم من ذلك إن عراقيون كانوا يشاركون المغول ضمن جيش التتار في ” عملية تحرير العراق ” .
اكتمل جيش التتار وبدأ هولاكو الإعداد للمعركة ” معركة تحرير العراق “: وقد برزت إمامه عقبة قد تكون تهديدا امنيا للجيش التتري الغازي وهو وجود طائفة إسماعيلية على الطريق ومعروف إن الإسماعيلية مقاتلين أشداء ويشكلون خطرا على الجيش التتري ولذلك وضع هولاكو نصب عينيه إنهاء وجود هذه الطائفة وإزالتها من طريق جيوشه المتجهة للغرب لاحتلال العراق وعدم ترك شيء للمفاجآت وذلك سنة 655 هجرية حيث صار الطريق آمنا إلى بغداد .
اجتمع هولاكو بمجلسه العسكري بمدينة همدان الفارسية لتدارس الوضع واتخاذ القرار المهم والتاريخي لغزو بغداد وإسقاط الدولة العباسية واهتم هولاكو بوضع مراقبة أمنية على الفرق الإسلامية خوفا من الخيانة وكانت نتيجة المراقبة إن الفرق الإسلامية وقادتها عازمون على إسقاط الدولة العباسية والمشاركة بغزو العراق واحتلال بغداد .
وقرر هولاكو تقسيم جيشه إلى ثلاثة أقسام :
الجيش الأول القلب وهو الجزء الرئيسي من الجيش وسيقوده هولاكو بنفسه وسيتكون من أكثر الفرق التترية أهمية وقوة وطريق الجيش من همدان إلى بغداد عن طريق كرمن شاه بعد إخلائها من الإسماعيلية وتكون مهمة هذا الجيش حصار بغداد من الجهة الشرقية
والجيش الثاني اتجه جنوبا بقيادة كاتبوغانوين وقد تم تقسيم الجيوش حتى لاتستطيع المخابرات الإسلامية – إن وجدت – تقدير حجمها كما أن الطرق في ذلك الوقت لا تستطيع تحمل الأعداد الهائلة من الجيوش عديدها وعتادها , وذلك لمحاصرة بغداد من الجنوب ولم يكتشف العباسيون هذه الجيوش حتى صارت على بعد خمسين كيلومتر من بغداد .
وتحركت الجيوش من همدان الفارسية إلى بغداد قاطعة مسافة 450 كم .
– الجيش الثالث : وهو الجيش القادم من الأناضول بقيادة القائد التترى الشهير بيجو لمحاصرة بغداد من الشمال والغرب وقد وصل هذا الجيش بسلامة إلى بغداد بعد اختراقه مسافة ألف كيلومتر في أراضي العالم الإسلامي دون أية مواجهة وذلك بسبب عدم وجود مخابرات أو استطلاع للدولة العباسية تعلم الدولة بالتحركات المعادية على الأرض أو أي خطر قادم إضافة إلى خيانة بعض الأمراء المسلمين في هذه الديار وتسهيلهم عبور القوات الغازية خلال أراضي الأناضول الإسلامية وإمارتي حلب والموصل وقد كان لأمير الموصل بدر الدين لؤلؤ دور كبير في ذلك فقد كان يبلغ من العمر أكثر من ثمانين سنة ومات بعد خيانته بشهر .
كانت بغداد اشد المدن الإسلامية تحصينا باعتبارها عاصمة الدولة كما كان لموقعها على ارض منبسطة دورا بتميز موقعها الأمني الحصين .
كان الخليفة العباسي المستعصم بالله هو آخر خلفاء بني العباس وقد كان في حياته الشخصية فاضلا في معاملاته ملتزما بسيرة أسلافه سلفيا بمعتقده الديني ولكنه أهمل الدولة والأقاليم التابعة ولم يأخذ بالاعتبار العدوان الذي يهدد الدولة التتري من الشرق و الصليبي من الغرب وكان في عصره تساهلا من الناحية الدينية والأخلاقية فقد كانت الملاهي ودور الرقص والمجون علانية وبعلم الدولة .
لقد كان الخليفة قادرا على تجهيز جيش يتكون من 120 ألف عسكري إضافة إلى قوات المشاة والمتطوعين للدفاع عن بغداد وبقية المدن العراقية ولكن الخليفة كان مهزوما في داخله متراخيا ولم يعطي للناحية العسكرية أية أهمية أو اهتمام ولم يتنحى ويعطي الفرصة لغيره عل ذلك يكون أفضل للدولة ومستقبلها حيث كانت الدولة قادرة ماديا وبشريا للتجهيز للجهاد دفاعا عن الدولة وشعبها .
أما الوزارة فقد كانت هزيلة ضعيفة لم يكن لاعضائها أي اهتمام بمستلزمات الوظيفة ولكن الاهتمام كان منصبا على جمع الثروات وتوسيع الممتلكات والاستحواذ على ما عند الغير ولم يكن بتقدير أعضاء الحكومة أي اهتمام للتنمية وتطوير قدرات الدولة وتقويتها عسكريا والأكثر من ذلك أن رئيس الوزراء كان على اتصال مع المغول وخيانة الدولة .
كانت بغداد اكبر المدن في العالم فقد كانت عاصمة الدولة العباسية المزدهرة على مدى أكثر من خمسة مائة عام وكانت تضم ثلاثة ملايين نسمة تقريبا وكان شعبها مترفا مهتما بزخرف الدنيا ولم يكن بواردهم موضوع الجهاد والدفاع عن الدولة ولم تؤثر بهم إخبار مايجري لإخوانهم المسلمين في ديار الإسلام بأفغانستان والشيشان وبلاد فارس وبقية الحواضر الإسلامية من قتل وهتك للأعراض وخطف للأطفال واستيلاء على الأموال ولم يتحركوا لنصرتهم أو الدفاع عن الدولة وأقاليمها .
وكان قضاء الله عليهم ” كما تدين تدان ” حيث لم يكن من دور لعلماء الدين بتعديل الانحراف الذي وصلت له الدولة .
فقد ظهر جيش هولاكو فجأة يوم الثاني عشر من محرم سنة 656 أمام أسوار بغداد الشرقية وبدأ هولاكو بتشديد الحصار على المدينة ووصل كادبغا لحصار جنوبي المدينة .
عند ذلك عقد الخليفة اجتماعا طارئا للتباحث حول الوضع الطارئ وكان رأى مؤيد العلقمي أن لاقبل لنا بالتتار لذلك نعقد معهم محادثات سلام وإعطائهم بعض التنازلات وبالمقابل أشار اثنان من الوزراء هما مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه على الخليفة بحتمية الجهاد دفاعا عن البلاد والعباد . وكان موقف الخليفة حائرا بين التفاوض والمهادنة حسب رأى رئيس وزرائه أو الجهاد حسب رأي الوزيرين وقد استقر رأيه على الجهاد ولكن بتردد حيث أن البيئة العامة غير مناسبة لذلك وهذه حالة جديدة على الجيش العباسي حيث لم يكن يشتغل بالقتال ولكن فقط للأعمال المدنية , ولم يكن مستعدا للقتال من جميع النواحي .
وقد تهيأ الجيش رغم ضعفه من حيث اللياقة القتالية والتسليح لملاقاة جيش هولاكو ولكن قبل الخروج للقتال سمعوا بوصول جيش بيجو من الغرب والشمال لذلك فقد فضل القادة العباسيين مواجهة جيش بيجو القادم من الشمال الغربي لفك الحصار عن بغداد من الجهة الشمالية والغربية وكان اللقاء في منطقة الانبار وسحق الجيش العباسي في الانبار واستطاع مجاهد الدين أيبك الفرار بأعجوبة مع بعض الجنود وذلك يوم 19 محرم سنة 656 والعودة بمن تبقى خاسرا مهزوما , وحوصرت بغداد من الجهات كافة .
وكان رأي مؤيد الدين رئيس الوزراء الاستسلام للجيوش الغازية وقد وافق الخليفة على ذلك مهزوما خائفا ضعيفا وقد أرسل وفدا رسميا لمفاوضة المغول وكان الوفد مكونا من مؤيد العلقمي والبطريرك مكن بطريرك بغداد وفي المفاوضات وعدهم هولاكو بعضوية مجلس الحكم بعد سقوط الدولة لكلا العضوين المكون منهما وفد الخلافة العباسية .
وكانت وعود التتار للدولة العباسية في حال فتح الدولة أمام التتار .
1 – إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة سلام دائمة .
2 – زواج ابن المستعصم بابنة هولاكو .
3 – يبقى المستعصم على كرسي الحكم .
4 – يعطي الأمان لأهل بغداد .
أما الشروط التي أملاها التتار على المستعصم فهي : –
1 – قمع حركة الجهاد وإنهاء الاستعدادات العسكرية .
2 – تسليم رؤوس الحركة الإسلامية ببغداد لهولاكو الوزيرين مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه .
3 – تدق الحصون العراقية التي تعوق الجيش التتري وتسليم الأسلحة .
4 – يكون حكم بغداد تحت رعاية السلطة التترية .
وصرح هولاكو بأنه لم يكن غازيا ولكنه يريد أن يحكم العراقيون انفسم بأنفسهم وان يضعوا دستورهم الخاص بهم وبعد ذلك يعود المغول من حيث أتوا واقنع العلقمي المستعصم بشروط هولاكو ليعيش ويبقى على كرسي الحكم .
وهولاكو يريد انجاز مهمته بأسرع وقت نظرا لأن الحصار وإدامة الجيوش الجرارة مكلف لخزينة المغول لذلك فقد بدأ هولاكو بقصف بغداد لمدة أربعة أيام وقد قتل سهم جارية للخليفة وكان السهم مكتوبا عليه ” إذا أراد الله انفاذ قضائه وقدره اذهب من ذوي العقول عقولهم ” وكان رد الخليفة زيادة الحراسة على قصر الخليفة وتكثيف الستائر في قصر الخليفة فقط لستر الراقصات وحجب الرؤية .
وقد بدأ القصف يوم الأول من صفر حتى الرابع منه حيث سقطت الأسوار الشرقية للمدينة بفعل القصف الشديد .
وبسقوط جزء من أسوار بغداد أسقط بيد الخليفة وشعر بالخطر الداهم وان النهاية صارت قريبة لذلك قرر الخروج لملاقاة أمير التتار للتسليم لعدم تدمير المدينة وقد خرج والى جواره رئيس وزرائه ومعه سبعمائة من وجهاء الدولة العباسية ومسئوليها واعلم هولاكو بالوفد ولم يسمح لكامل مرافقي الخليفة بالدخول على هولاكو فقط سمح الحرس للخليفة ومعه 17 شخص وترك باقي الوفد عند الحرس للتفتيش الدقيق كما أفاد الجيش التتري , وقد تم قتل كل الوفد ماعدا الخليفة ومرافقيه وقد اكتشف الخليفة بان وفده قد قتل بكامله واكتشف الخليفة بان الحق يحتاج للقوة وليس للاستسلام حتى تحترم يجب أن تكون قويا لا صاغرا .
وأمام هولاكو وجهت للخليفة الأوامر التالية : –
1 – أن يأمر أهل بغداد بإلقاء السلاح والامتناع عن أي مقاومة .
2 – يقيد الخليفة ويساق للمدينة مقيدا مكبلا لكي يدل التتار على كنوز العباسيين .
3 – يقتل ولدا الخليفة أحمد وعبد الرحمن أمام عينيه .
4 – اسر أخوات الخليفة الثلاث فاطمة وخديجة ومريم .
5 – استدعاء من بغداد علماء الدين وخطباء المساجد والشخصيات الدينية المؤثرة في المجتمع مع عوائلهم ويرسلون إلى مكان حدده التتار هم وعوائلهم ليذبحوا ذبحا على الأرض وتسبى نساؤهم وأولادهم وقد تم تنفيذ ذلك بالشيخ محيي الدين يوسف ابن إبن الجوزية وذبح معه أولاده الثلاثة , وذبح كذلك الوزير مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه وذبح الشيخ صدر الدين علي النيار شيخ الخليفة كما ذبح خطباء المساجد والأئمة وغيرهم والخليفة حي يرى بعينيه ما يجري .
بعد ذلك بدأت جيوش التتار بدخول بغداد والعبث بشوارعها تنفيذا لأمر هولاكو باستباحة بغداد بالتدمير والقتل والاغتصاب والسلب والنهب وتم تدمير مدينة بغداد ذات التاريخ الهام في حياة المسلمين وبدأ التتار بقتل كل من يصادفهم من أهالي بغداد كما اقتحموا البيوت والأسواق والمساجد وكل مبنى لقتل من فيه حتى الأطفال وتم استباحة مدينة بغداد كل ذلك جرى والخليفة لا يزال حيا يسمع ويرى بعد ذلك قتل الخليفة رفسا بالإقدام بعد وضعه بكيس خيش وذلك يوم 14 صفر 656 واستمر القتل في بغداد لمدة أربعين يوما قتل فيها مليون مسلم رجالا ونساء وأطفال ولم ينجوا من القتل في بغداد سوى غير المسلمين من المسيحيين
وإضافة للقتل والتدمير فقد عمد التتار لتخريب مكتبات بغداد وأهمها دار الكتب وإحراق محتوياتها ورمي الكتب بنهر دجلة حتى صار لون الماء فيه اسودا وعبروا بخيولهم على الكتب إلى الضفة الغربية من نهر دجلة .
ودمروا المدينة وسرقوا محتويات القصور والمباني الفخمة والذي لم يسرقوه احرقوه .
وخاف هولاكو من الوباء نتيجة تعفن الجثث لذلك اصدر هولاكو امرا بالأمان للناس ليخرجوا من المخابئ ليدفنوا موتاهم الذين بلغ عددهم مليون جثة وتفشت الأوبئة القاتلة وبعد أربعين يوما من اجتياح بغداد اصدر هولاكو أمرا بتشكيل مجلس الحكم وعين مؤيد الدين العلقمي رئيسا له تحت الوصاية والإشراف التتري , ومات العلقمي بعد ذلك بأيام وبعده اسند التتار الوظيفة لابن مؤيد الدين العلقمي بعد أبيه الذي توفي بعد ذلك بأشهر وانتشر الخبر الصاعق على العالم الإسلامي خبر سقوط الخلافة العباسية واحتلال بغداد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا تبايعتم بالعينة واخذتم اذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا عن ذلك
