الشرق الاوسط: جوناثان ستيفنسون
وضعت سوريا واقعية الرئيس الأميركي باراك أوباما المستنيرة في الشؤون الدولية في أشرس تجربة لها. فالتدخل العسكري المباشر يمكن أن يزج بالولايات المتحدة في حرب أخرى لا نهاية لها في الشرق الأوسط. وعدم القيام بأي شيء يعني فشل أميركا في الوفاء بالتزاماتها الإنسانية والإضرار بمصالح أميركا الإقليمية.
ولكن العائق الرئيس وراء التوصل إلى صفقة سياسية هو تعنت الرئيس بشار الأسد. وليس هناك من شيء يمكن لأميركا أن تفعله للضغط عليه. ولعل أكثر ما قد يدفع الأسد للتوصل إلى حل وسط مقبول هو فقدان دعم حزب الله. وعلى الولايات المتحدة استغلال الغضب الشعبي في لبنان إزاء تدخل حزب الله في سوريا الآخذ في الارتفاع، حتى وإن كان ذلك يعني التفاوض مباشرة مع إيران لكبح جماح عميلها اللبناني.
كان حزب الله ورقة الأسد الرابحة. فمن دون مساعدة الآلاف من مقاتلي الحزب وقوات الحكومة السورية ما كان ليتمكن من استعادة بلدة القصير الاستراتيجية الحرجة في أوائل شهر يونيو (حزيران) وسوف يواجه أوقاتا عصيبة للاحتفاظ بدمشق والمناطق الرئيسة الأخرى. من جانبه، يرى حزب الله في سوريا قناة للأسلحة من راعيها وإيران، وأنه أفضل لسوريا أن يحكمها حليف مثل الأسد عن الثوار المعادين له.
غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كان قادة حزب الله يرون الحرب في سوريا ضرورة. ففي أعقاب تفجير 2012 يوليو (تموز) الذي قتل فيه عدد من كبار أعضاء فريق الأمن القومي التابع للأسد، كان المرجح أن يفكر حزب الله في الحياة من دون الأسد. حينئذ قرر زعيم الجماعة، حسن نصر الله، فجأة التورط في سوريا – ربما، في جانب منه، بدافع الولاء لإيران.
يعتبر حزب الله أقوى ميليشيا غير حكومية في العالم، ولكن المجموعة تفتقر إلى معدات الجيوش النظامية كما أنه ضعيف جدا إذا اضطر للتمدد. مع وجود الآلاف من المقاتلين فعلا في سوريا وإمكانية حصول حرب مع إسرائيل يمكن له التفكير والقلق منها، فإنه يكون وصل إلى أقصى حد لما يمكن أن يقوم به لإنقاذ نظام الأسد. تبجح نصر الله حول دعم حزب الله للقوات السورية يبدو مناورة عصبية أكثر منه انعكاس لمحاولة الوصول إلى حل.
داخل لبنان، دعم حزب الله للأسد لا يحظى بشعبية. اشتبك الداعمون للثوار والموالون للنظام في بيروت وفي أماكن أخرى، والشهر الماضي هاجم الثوار السوريون حزب الله على الأراضي اللبنانية لأول مرة. حزب الله غير مستعد للتصعيد محليا خشية استثارة الميليشيات السنية. في هذه الأثناء، حملت الأزمة السورية قوات الأمن اللبنانية جهدا مضاعفا لإخماد نيران العنف الطائفي، وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء وتأجيل الانتخابات والتأثير على ديمقراطية لبنان الهشة.
حزب الله براغماتي ويولي أهمية قصوى للحفاظ على استقرار لبنان وعلى الشرعية السياسية التي بناها هناك. بالنظر إلى مرونة المعارضة اللبنانية والتقلبات في لبنان، فإن قادة آخرين من حزب الله ربما يشككون في قرار نصر الله بالتدخل في سوريا بشكل كلي. إيران تقدم المال والسلاح. ولكن عزفها عن نشر مقاتلين وتحمل خسائر بشرية في سوريا يوحي بأن طهران تعمل بحذر.
لكي يتخلى حزب الله عن دعمه المطلق لنظام الأسد، يجب إقناعه بأنه لا يمكن للأسد البقاء في السلطة وأن النظام الجديد لن يقوض مصالح حزب الله بشكل تام.
الطريق إلى قلب حزب الله يمر من خلال إيران. على إدارة أوباما أن تعترف بالصعب وأن تبدأ بجعل إيران كمشارك في المفاوضات الرامية إلى التوصل لاتفاق سلام في سوريا. الرئيس الإيراني المعتدل المنتخب حديثا، حسن روحاني، يسعى إلى علاقة أفضل مع السعودية، وفي حين تصر إيران على أن سياستها في سوريا لم تتغير، إلا أن السيد روحاني وعلى الأرجح سوف يلعب دورا أقل إعاقة من سلفه، ويمكن أن يفتح المجال للتوصل إلى تسوية حقيقية. وعلى الولايات المتحدة أن تتقبل سيناريوهات تقاسم السلطة التي تحافظ على دور العلويين التي ينتمي إليهم الأسد في الحكومة السورية الجديدة.
كما أن على واشنطن تحفيز القوى المناهضة للأسد، الذي أدى انقسامهم إلى تعزيز موقف الأسد مؤخرا، وذلك من خلال الإشارة إلى أن أميركا تعد العدة لزيادة شحنات السلاح إلى الثوار المعتدلين في سوريا، شرط أن يكون لديهم الرغبة في الاتحاد والتفاوض. الدبلوماسية الشديدة على طول هذه الخطوط يمكن أن تزيد الرافعة الدولية للمسؤولين الإيرانيين مع وجود شكوك حول جدوى وجود الأسد وفي نفس الوقت العمل على تليين مواقف المتشددين الإيرانيين.
بعض الإسرائيليين يجادلون بأن الحرب الأهلية السورية استنزفت كلا من نظام الأسد وحزب الله وإيران. رغم سطحيتها فإن هذه النظرة الوردية يشوبها مخاوف من أن احتمال تسرب عنف قد يؤدي إلى زعزعة لبنان والأردن وحتى تركيا. مثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الحرب الجارية حاليا في سوريا إلى حرب أكثر مباشرة ومواجهة خطيرة يمكن أن تثبط في نهاية المطاف مساعي إيران لتقديم تنازلات فيما يخص برنامجها النووي وهو الأمر الذي تسعى إليه الولايات المتحدة بشدة.
الاستراتيجية الواعدة، وهي صعبة كما هو تنفيذها، هي قطع شريان حياة الأسد من خلال الحصول على تعاون حزب الله عن طريق إيران.
* خدمة «نيويورك تايمز»