نظرة إلى الفضيحة الإرهابية الحكومية لنظام الملالي في أوروبا
بقلم عبدالرحمن مهابادي*
بنظرة منطقية وصريحة واحدة للعمل الإرهابي الفاشل للنظام الإيراني في أوروبا يمكن الاستنباط بسهولة لماذا بادر النظام الإيراني على القيام بمثل هذا العمل في مثل هذه الظروف. ألم يعلم النظام الإيراني أنه في حال فشل هذا العمل ستكون تداعياته باهظة عليه؟ بالطبع الجواب نعم والنظام كان يعلم ذلك جيدا.
مسؤولو النظام الديكتاتوري الديني الحاكم في إيران يعلمون جيدا أنه خلافا للماضي فإن كاميرات وعيون العالم قد سلطت جميعها على نظامهم وأنه لم يبقى هناك أي أثر للداعمين الخفيين في العصر الذهبي الماضي حتى يتم المد بعمر هذا النظام عن طريق غط النظر عن جرائمه.
حكام طهران مع بداية الإنتفاضة الوطنية العارمة للشعب الإيراني يعلمون جيدا أن عقد التجمع السنوي للإيرانيين المعارضين للنظام في باريس في تاريخ ٣٠ حزيران ٢٠١٨ هو بمثابة الرأس لجسم انتفاضة الشعب الإيراني. هذا التجمع الذي دعا العالم للوقوف بجانب الشعب الإيراني.
ومن هنا تم التخطيط من أجل ضرب القوة الأساسية للمعارضة الإيرانية منذ شهور مضت أعلى مستويات صنع القرار داخل النظام الإيراني أي على خامنئي، حسن روحاني ووزراء الخارجية والمخابرات وقادة قوات فيلق القدس الذين عولوا على هذا العمل الإرهابي بالتحديد حتى يتمكنوا من منع عقد هذا التجمع.
علي خامنئي في ٩ يناير ٢٠١٨ أي في خضم بداية الإنتفاضة الشعبية بين بشكل علني عن العنوان الوحيد للمنافس الحقيقي للنظام أي مجاهدي خلق وقال بأنهم هم من كانوا وراء هذه الانتفاضة وقد خططوا لهذا الأمر منذ شهور مضت. ومن هنا تم التخطيط لأكبر عملية إرهابية ضد المقاومة الإيرانية في داخل أقبية ولاية الفقيه المتهالكة.
علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن في نظام الملالي في إشارة منه إلى مثل هذا المخطط في أحد إظهاراته للموقف الرسمي قال : سوف نقوم بتوجيه ضربة قاسية للمجاهدين لن يفهموا أنفسهم من أين تلقوها.
في ظهر يوم السبت ٣٠ حزيران ٢٠١٨ وقبل عدة ساعات من بدء التجمع العظيم للإيرانيين في باريس الذي حضره أكثر مئة ألف شخص حاصرت الشرطة البلجيكية أثناء عملية واسعة لها في بروكسل مجموعة إرهابية تابعة للنظام الإيراني. كانوا يحملون قنبلة شديدة الانفجار من أجل تفجير هذا المؤتمر الكبير. تشير التحقيقات الأولية إلى أن أسد الله أسدي القنصل الثالث لسفارة نظام الملالي في فيينا هو من كان قائد هذا العمل الإرهابي وهو من أعطى المادة المتفجرة للفريق المذكور في لوكسمبورغ.
اعتقال هذا الدبلماسي الإرهابي هو وعدد آخر من الإرهابيين الآخرين دفع بخامنئي وكل نظام الملالي للسعي بكل ما أوتوا من قوة من أجل إخراجه من يد السلطات الألمانية وتهريبه عن طريق النمسا إلى إيران. سفارة نظام الملالي في النمسا كانت أهم مركز إرهابي تابع للنظام في أوروبا وقامت في الماضي بتوجيه عمليات إرهابية واسعة ضد المعارضين الإيرانيين.
من الجدير بالذكر أنه في يوم ١٣ يوليو ١٩٨٩ أي بعد وفاة الخميني فقط بأربعين يوما كان إطلاق النار من أسلحة قوات الحرس المرسلين من طهران في أحد الشقق السكنية في فيينا قد أعلن البداية العملية لهذه الاستراتيجية الجديدة. الدكتور عبد الرحمن قاسملو الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني قتل على طاولة المفاوضات مع مبعوثي رفسنجاني. عملية الاغتيال هذه تمت على يد الحرسي جعفري صحرارودي. بعد عدة أشهر في تاريخ ٢٤ أبريل ١٩٩٠ اغتال الإرهابيون المرسلون من قبل نظام الملالي الدكتور كاظم رجوي في سويسرا عندما كان عائدا الى منزله في ضواحي جنيف. في ٦ أغسطس من عام ١٩٩١ اغتيل الدكتور شاهبور بختيار في باريس وفي ١٧ سبتمبر ١٩٩٢ اغتيل الدكتور صادق شرفكندي الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وفي ١٦ مارس ١٩٩٣ اغتيل أيضا محمد حسين نقدي ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في إيطاليا .
على الرغم من أنه في الأعوام الماضية وبسبب سياسات التماشي الغربية مع هذا النظام الدموي انتقلت جميع القضايا الغير مفتوحة من الإرهاب الحكومي لنظام الملالي إلى الأرشيف لكن قضية العمل الإرهابي الأخير للنظام سوف لن تغلق حتى يتم البت فيها بشكل نهائي فقط بل ستكون بداية لفتح بقية قضايا الإرهاب الحكومي لنظام الملالي في العالم. مع بدء انتفاضة الشعب الإيراني خضعت الظروف الداخلية والدولية لتغييرات جدية وحقيقية ليست في صالح الملالي بل في ضررهم والحالة والوضع الحالي لن يعود أبدا إلى الماضي وإسقاط هذا النظام حتمي ووشيك.
لو تم تنفيذ هذا العمل الإرهابي الأخير بشكل ناجح قطعا لحدثت فاجعة كبيرة ليس فقط بالنسبة للشعب الإيراني بل بالنسبة للمجتمع الدولي. وذلك بسبب مشاركة شخصيات ووفود من كل دولة في العالم في هذا التجمع دعما لإنتفاضة الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية.
وزراة الخارجية الأمريكية التي حضر عدد من مواطنيها البارزين ومسؤوليها السابقين في تجمع باريس كانت من الممكن أن تكون لقمة سائغة لتفجير وإرهاب النظام الإيراني. على الفور بعد هذا العمل الإرهابي أعلنت وزارة الخارجية بأنه سيتم متابعة هذا الموضوع حتى النهاية.
ما هو الآن أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، إغلاق سفارات النظام الإرهابي الحاكم في إيران في جميع الدول ولاسيما الدول الأوروبية وأيضا جميع المراكز الدبلماسية والصحفية والدعائية والمجتمعات الأدبية والثقافية والتجارية لهذا النظام والتي بالطبع تعمل كلها تحت أيدي الجاسوسية والإغتيال.
على الرغم من العمليات الإرهابية لنظام الملالي ولاسيما خلال فترة حكم علي أكبر هاشمي رفسنجاني التي كان لها باع وتاريخ طويل في هذه العلميات لكن إفشال هذا العمل الإرهابي الأخير لم يبين ثقل وموقع البديل الديمقراطي الوحيد لهذا النظام في مقابل الرأي العام فحسب بل جلب مرة أخرى الإهتمام الدولي نحو إرهاب النظام الديني وأبعاد وتوسع مساعي النظام لتوجيه الضربات للمقاومة الإيرانية.
بالنظر إلى سجل النظام الديكتاتوري الحاكم في إيران هناك حقيقة تلفت النظر ألا وهي أن القمع في داخل إيران والإرهاب خارج حدود إيران هو شرط أساسي لبقاء هذا النظام. لأن السعة والقدرة التاريخية والسياسية والثقافية والإجتماعية لهذا النظام تتعارض بشكل واضح مع الحرية والتعايش مع الشعوب وكما أن امتداد وتوسع القمع والاغتيال لهذا النظام سوف يستمر حتى زمن الإسقاط والإطاحة بهذا النظام.
لهذا السبب فقط، كما نلاحظ، بالتزامن مع استمرار انتفاضة الشعب الإيراني ضد هذا النظام، يريد الملالي الحاكمون في إيران بهذا العمل الأخير احداث فاجعة إنسانية كبيرة في المجتمع الإنساني المعاصر.
لذلك بموازاة استمرار انتفاضة الشعب الإيراني واقتراب نهاية حكم الملالي يجب التوقع بأن الإرهاب الدولي للنظام الإيراني سيستمر بالعمليات الإرهابية بشكل أكثر مثل أفعى سامة مجروحة. ومن هنا من الضروري مضاعفة دعم وحماية البديل الديمقراطي الوحيد الذي ينتمي للشعب الإيراني.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com