ظل موضوع رضاعة الطفل في الأماكن العامة محل جدل لفترة طويل في الدول الغربية , هناك من أيده على إعتبار انه يدخل ضمن الوظائف البيولوجية للمرأة ومن الأمور الطبيعية. ولكن كان هناك أيضا من عارضوه كمبدأ وإعتبروه أمرا للإستهزاء والسخريه بالوظائف البيولوجية للمرأة. في الحالتين لم يتطرأ النقاش إلى انه امر منافي للأخلاق العامة او ربطة بتحريم جسد المرأة او أنه عورة؟؟؟؟ وحينما حاولت بعض البرلمانيات البريطانيات طرحه في البرلمان قبل سنوات أصرت المتحدثه الرسمية في مجلس العموم تريز كوفي على الرفض وربطته بإستحالة تمرير مثل هذا القانون إلا إذا ’سمح للعاملات في تسكو ( السوبر ماركت ) العمل به ايضا؟؟؟؟
أستراليا كانت أولى الدول التي سمحت به.. وقامت بتقليدها العديد من النائبات في دول مثل إيطاليا وإسبانيا.. ولكن ما شجّع البرلمانيات البريطانيات إلى إعادة إحياء المطالبة والعمل بهذا القرار الآن….
أولا – الإعتراف بأن بريطانيا بحاجة إلى مواكبة العصر. فمن غير المعقول أن تبقى بريطانيا تعيش قي قيم الماضي الفيكتورية بينما تغيّر العصر والمجتمع وأن البراغماتية لخدمة المجتمع تتطلب التغيير في هذه القوانين..
ثانيا – طالما ’يسمح للنائبة في البرلمان الأوروبي بإحضار طفلها وإرضاعه في المجلس فمن غير المعقول حرمان النائبات البريطانيات من هذا الحق..
ثالثا -.. الإتجاه العام في السياسة البريطانية , العمل على تأسيس وتجذير مبدأ المساواة بين الجنسين والعمل بهذه السياسة يتطلب إزاحة أي عوائق تقع في طريق تحقيق هذا الهدف. وفتح كل الفرص امام المرأة. ولاحظ العاملون أن أحد أهم أسباب عزوف المرأة عن الترشح للعمل السياسي أنها لا تريد أن تترك أطفالها للمربية وللرضاعه غير الطبيعية.
رابعا – الهدف السياسي لكل الأحزاب هو تكوين برلمان يتكون مناصفة من رجال ونساء. وهي الصعوبة التي واجهها حزب العمال حين صرح بانه سيعمل على هذه المناصفة , ولم يجد العدد الكافي من النساء النائبات!
كل الأسباب السابقة شجّعت النائبة العمالية عن برمنجهام “جس فيليب “على طرح الموضوع بقوة على البرلمان ودعت لوضع موضوع السخرية والإستهزاء جانبا , وأن هذا القرار سيشجيع المرأة على التقدم لمثل هذه المناصب..وأكدت بأن البرلمان بشكله الحالي وفي العصر الحالي لا ’يمثّل الحياة البريطانية الحقيقية ولا يخدم هدف تشجيع المرأة على الدخول في العمل السياسي والتمثيل الحقيقي للمجتمع والقيم البريطانية التي نريد إرسائها من خلال المساواة التامة بين الجنسين.. وأيدها العديد من النواب الآخرين على إعتبار أن هذا الأمر سيجعل من البرلمان مكانا ممثلا يعكس الحياة الحقيقية للشعب..
بالتأكيد أن مثل هذا الموضوع سيكون محل سخرية وإستهجان كبير في العالم العربي.. خاصة في ظل أحاديث مشكوك في امرها وصدقيتها تعتبرها عورة مرتبطة كلها مع ثقافة ترفض الإعتراف بقيمة المرأة وقوانين تفتقد المساواة والعدالة والأهم تفتقد الرحمة.. بينما يؤكدون ليل نهار بانها الجوهرة المكنونة. التي ’يحفظ حقها من مؤخر الصداق ومن دفع اجرها عن رضاعة ولدها؟؟؟
البرلمانات العربية لا زالت لا تعترف باهمية وجود المرأة في مراكز صنع القرار وإن عينوا أو إختاروا إمرأة فهي مجرد واجهه للزينة وللتظاهر بالتماشي مع العالم من حولنا بدون وعي تام بأهمية المساواة في خلق مجتمع سوي..
أنا لا انادي بأن نقلد الغرب في هذا القرار.. والحقيقة هي ان إرضاع الطفل بالنسبة للغرب ليس مؤذيا ولا مخجلا. أولا لأن جسم المرأة ليس بعورة.. وثانيا هو جسم كأي جسم لإمراة اخرى. وإن كان والحق ’يقال أكثر عقلانية وطبيعية من فتوى إرضاع الكبير! ولكني اطالب وأنادي بحق المرأة في الوصول إلى كل المراكز القيادية ومساواتها التامه مع الرجل وحقها في الحماية المادية سواء عملت أم لم تعمل!
تتكون البرلمانات من نواب منتخبون من الشعب لخدمة الشعب وسن القوانين لخدمته ولكن الأهم لخدمة مستقبل الجيل الجديد. التقدم والتطور يعني عدم التجمد في قوانين أصبحت لا تتناسب مع العصر.. البراغماتية الفكرية تقتضي تغيير القوانين وحتى الثقافة لمصلحة المجتمع في العصر الجديد بينما لا يزال العالم العربي يعيش في الماضي ويستمتع بالظلام!
المصدر ايلاف