في هذا اليوم 29- أكتوبر الذي ’يعتبر اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا قتل الشرف, يؤلمني ان اكتب مرة أخرى وأعلم أنني سأكتب مرات ومرات طالما بقيّ في نفسي شيء من الحياة أنادي به الضمير المجتمعي العربي. ولن أقف صامتة عن فضح هذه الجرائم دوليا, ولن أرضى بأن أخفي هذه العيوب تحت إدّعاء بأن هذه الجرائم هي جرائم مجتمعية ترتبط بالثقافة والعادات ولا ترتبط بالدين. لأني أبحث في كلاهما لأعود بجذور هذا العنف وهذه الإستهانة بحياة المرأة لمعرفة أين تكمن الحقيقة بينما لا يتوقف فقهاء الدين عن الإدّعاء بتكريمها…
خلال العشرون سنة السابقة.دخل الدين ومظاهر التدين إلى كل جوانب الحياة الطبيعية للأفراد. عملية الأسلمة المجتمعية, التي قام بها فقهاء الدين وأئمة الجوامع, وتواطئت معها الحكومات،ولم يجرؤ احد على الوقوف بوجههم ليقول كلمة حق بأن ما فعلوه أدى إلى خراب وتخريب العقلية العربية, حين ربطوها بكل ما في الدين وكل الأديان من سلبيات. كلمات ممكن, ولكن, والله أعلم جردت العقل من أكبر هبة ربانية, وهي العقل والضمير, في ذات الوقت الذي عملت على تجريد الله سبحانه وتعالى, من صفاته الإيجابية والحسني كاالرحمة والمغفرة والتسامح والعدالة. وتركت الإنسان العربي ضائعا في متاهة تفسيرات وفتاوي لا عد لها ولا حصر. النتيجة هي مجتمعات،مغيبه فكريا, ممزقة إجتماعيا, نساء محرومات من العدل ومن الحياة, أطفال محرومون من الحنان أو الإعتبار لأنهم ولدوا بلا أب وبلا نسب. مجتمعات إنعدمت فيها أو تقلصت الأخلاقيات إلى مظاهر دينية خارجية في النقاب والحجاب والجلابية واللحية, بينما الفساد والإنحلال الأخلاقي وإنعدام المسؤولية الإنسانية تجاه الآخر هي الشيء المقبول مجتمعيا. تنخر فيها دودة حية تأكل القلب والضمير المجتمعي الجمعي.. وهو الوضع والوصف الذي ينطبق على أغلبية المجتمعات العربية الإسلامية.
الجريمة التي قرأت عنها على صفحات إيلاف ( وأشكرها على فتح باب حرية التعبير والنشر بهدف التوعية) والتي حدثت في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق ليست بجديدة وليست بواحدة.. وبالتأكيد شهيدة أخرى على مذبح العائلة, التي تؤمن بأن دم الإبنة ’يطهّرها من العار. وفقهاء دين إعتبروا بأن جسد الأنثى يحمل وزر نقاء المجتمع الإسلامي. جريمة يتقبّلها الضمير المجتمعي مثل نعجة لا وزن لها ولا قيمة.. هذه الجريمة تتم في كل أرجاء المنطقة العربية والإسلامية فقبل أشهر كانت جريمة طرطوس السورية التي قتل فيها الزوج العريس المهندس المتعلم الواعي بعد 18 يوم من زواجه, بتعذيب عروسته بطريقة وحشية لمدة 8 ساعات, وخنقها ثم رميها من الطابق الرابع, بعد أن أوصله شكه وغيرته المجنونه إلى الإصرار على أنها خانته, برغم إستمرار تأكيدها لبراءتها.
وقبلها جريمة أخرى في ذات الإقليم ’تقدّم المثل الأكبر لقصور بل وإنعدام قوانين الأحوال عن حماية المرأة وللعدالة لها, حين قتل زوج زوجته الثانية القاصرة إبنة الرابعة عشر التي يكبرها بثمانية وثلايون سنه. ولم يكتفي بالقتل البشع بل مثّل بجسدها بوحشية فائقة وقام بسحل جثتها بسيارته وإطلاق أعيرة نارية على الجسد الصغير ثم ألقى به في شارع أخر.. بدون أن يعترض طريقة أحد.
جرائم الشرف التي إزدادت في غزة والضفة الغربية، ’تقدم أبرز مثالا على الإستهانة بحياة المرأة, من كلا الطرفين فتح وحماس.
اولآ – تقاعس فتح عن سن قوانين لحماية المرأة. وإبقائها على القوانين المعمول بها منذ العهد العثماني, واخذها بقانون الأحوال الشخصية الأردني الذي يتواطأ مع ثقافة المجتمع, بل ويعززها في إبقائه على مادة 320 في العذر المحلل.
ثانيا – والإزدراء المجتمعي للقانون وعدم الإحترام لأي رمز من رموزه حين قتل الرجل زوجته في المحكمة الشرعية؟
ثالثا – الأسلمة المجتمعية التي قامت وتقوم بها حماس والتي قام أحد مشرعيها بتوقيع تقرير لإثبات إتهام رجل لزوجتة أم أطفاله الخمسة بإرتكاب افعال مشينة بحيث قتلها والدها؟
الجرائم كثيرة ولن تسعني مقالة ولا حتى كتاب لسردها ولن أرجعها لأي مسؤولية الغرب والإستعمار. بل سأرجعها إلى مكانها الأصلي. إلى البيئه الحاضنة التي بررت دونية المرأة، وبررت رجم الزانية, مما فتح الباب للقاتل بستر ما يسميه بالفضيحه بالقتل, فضيجة القتل أقل من فضيحة الرجم العلني.
لقد أطلقت هذه البيئه العنان لإنفلات غير طبيعي في النفسية الذكورية، مهد له الأئمة الأربعة الحنفي- المالكي- الشافعي والحنبلي حين فسروا “”ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق “” وفسروا الحق بأنه حق الرجل المطلق في الدفاع عن عرضه. وأقروا هذا الحق, تحت مقاصد الشريعة: حفظ الدين حفظ النفس حفظ العقل حفظ المال – حفظ العرض, وأكدوا على حفظ العرض حفظا لنقاء النسب. وهو ما جعل البرلمانات العربية ترفض إقرار عقوبة ’تماثل هذه الجريمة المتكاملة الأطراف, وإعتبروها جريمة غسل عار ’يعفى فيها القاتل لأن القصد منها حفظ العرض للحفاظ على نقاء النسب وطهارة المجتمع الإسلامي؟
ليس من المهم ان تكون منتميا لتنظيم داعش وأخواتها لتحمل مثل هذه الأفكار المتشددة, وجودك في مثل هذه البيئة وسكوتك عما يدور حولك, تقبلك لمثل هذه الجرائم, يشجع من بيننا ومن أعز الناس إلينا دواعش صغيرة أو كبيرة.
في كل خطبة جمعة لا يدين فقهاء الدين داعش وأخواتها, ولا يدينون هذه الجرائم, ’يمهدون الطريق لها في منطقة اخرى. ثم نتساءل كيف ومن أين أتت داعش؟
في كل يوم يمر بدون العمل الجاد على تغيير الثقافة وتغيير المناهج التعليمية, وتغيير قانون الأحوال الشخصية, سيظهر من بيننا وفينا داعشي جديد..
دونية المرأة التي رسّخها رجل الدين والمجتمع, هو ما خلق البيئة الحاضنة لمثل هذه الجرائم ضد المرأة. تأكيدهم بانها جسد للإستمتاع ووعاء للحمل هو ما رسّخه فقهاء الدين سواء داعشي ام لا..المؤثرات الداعشية موجودة في بيئتنا, وننميها حين نسكت عن التطرف وعن الغلو في التدين.
سكوت الإعلام الرسمي عن الجريمة, ما هو إلا تأكيدا لخوف الحكومة من فتح باب التساؤل الشعبي لماذا توجد هذه الجرائم في مجتمعاتنا. إضافة إلى أن الإعلام أداة الحكومة التي شرّعت القوانين لحماية الرجل. الحكومات العربية كلها متواطئه مع هذا التفكير حين تركت ملف قانون الأحوال الشخصية الوحيد المرتبط بالأحكام الدينية بينما عدّلت وطورّت القوانين الإقتصادية والتجارية بما يتناسب مع العصر. إلى جانب انها خائفه من علمائها ومن شعوبها في فتح مثل هذه القضايا ووضعها على مشرحة البحث في التراث وفي إعمال العقل. أكبر دليل على ذلك رفض الأزهر إدانة ما تقوم به داعش من جرائم ضد المرأة والمجتمعات والعالم من حولها. والإكتفاء بالقول بأن قتل الشرف ليس من الدين تأرجح الأزهر في تثوير الفكر الديني ووأد مثل هذا التراث, يؤكد بان ما تفعله داعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرهم من المنظمات الإرهابية من الدين؟؟ في ذات الوقت الذي نستميت فيه بالتأكيد بانها ليست من الدين.
الجريمه لها أبعاد متعددة, وستستمر ’ترتكب طالما ’تبرر قانونيا. وطالما هناك رجال دين يؤمنوا بفكر متخلف ينتمي للعصور الغابرة ولا يريدون الأخذ بتطوير الدين لجعله متصالحا مع نفسه ومع عصره.. بناء على تفسير إيجابي لصلاحه لكل زمان ومكان.. نعم أسوة بالديانات الأخرى التي خرجت بسكوت وبلا ضجيج من جحور التخلف..
منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية
المصدر ايلاف