على الرغم من التأكيد على المشاركة في الإنتخابات القادمة من قبل الكتل السياسية ووسائل الإعلام التي تتبني بشكل لا يقبل الجدل دعم احد المرشحين البارزين في الإنتخابات ممن يتمتع بنفوذ مالي او سياسي كبيرين، فأن هذه المشاركة يحيط بها عدد خطير من الطلاسم، التي تجعل المرء يقف حائرا أمام المشاركة من عدمها.
الحقيقة ان كلا الطرفين المؤيد والرافض على حق في موقفه على ضوء المعطيات ونتائج الإنتخابات السابقة، فالذين يرفضون المشاركة سيما من رجال الدين أو المتضررين من العملية السياسية الكسيحة، لهم الحق في رفض المشاركة، فليس من المعقول مثلا ان يشارك المهجرون من مدنهم، والذين ترفض الميليشيات الطائفية والعشائرية عودتهم الى مناطقهم في الإنتخابات، وليس من المعقول ان يشارك أهل الموصل مثلا وجثث أبنائهم لا تزال تحت الأنقاض، وبيوتهم أطلال تنعق بها الغربان، وتوطنتها الخفافيش، ولم يتسلموا أأهلها ي تعويضات عن الأضرار المادية والبشرية بفعل داعش او قوات التحالف الدولي والجيش العراقي وما يسمى بالحشد الشعبي. بل أن ميزانية العام الحالي لم تخصص لهم أي مبالغ لإعادة أعمار مدنهم المدمرة. كما انه ليس من المعقول ان يشارك العراقيون من غير مناطق العمليات العسكرية في الإنتخابات وهم لم يلمسوا أي إهتمام من قبل الحكومة، التي كبدتهم خسائر كبيرة في الأرواح، وحرمت أبنائهم من التوظيف، علاوة على إنتشار الفقر والجوع والمرض والأمية والبطالة، والتهجير وإنعدام الخدمات الأساسية للحياة البشرية.
كما أن المؤيدين للمشاركة لهم الحق في رأيهم، لأنه ليس من المعقول ان يستمر الفاسدون بحكم البلد، وليس من المعقول أن تستمر حالة سيطرة الميليشيات الإرهابية على الشارع العراقي، ولا أن تنتشر المخدرات بشكل مهول بين الشباب، ولا إستمرار ظاهرة نهب أموال الشعب، ومصادرة ثرواته لصالح الطغمة الحاكمة، وليس من المعقول ان لا يلمس المواطن أي تنمية او تطور في حياته، بل العكس الإنحدار من السيء الى الأسوأ، فقد تحولت الى كابوس مرعب. وليس من المعقول ونحن في الألفية الثالثة عندنا مدارس من طين، وماءنا وبيئتنا ملوثان، واستمرار اشتياقنا للكهرباء التي أثبتت انها غير وطنية تماما، وليس من المعقول أن تستمر حالات الفساد الحكومي، والرشاوي والتزوير، والبطالة والتهجير، وغيرها من المظاهر التي تجعل المواطن العراقي مكروها وموضع الشكوك في جميع أقطار العالم، بل نقولها لهم، ليس موضع إحترام حتى في الدول الشقيقة، ولا يمكن ان يبقى البلد يراوح في المراحل المتأخرة في مرتبة الدول الفاسدة عالميا ولا أن تبقى عاصمة الرشيد أوسخ عاصمة في العالم، ويكون العراق البلد الأكثر خطورة في العالم للعيش. لا يمكن ان تلغى هذه الظواهر المتخلفة إلا بتغيير الوجوه، والإستعانة بالكوادر العلمية والإدارية المؤهلة لإدارة البلد، إضافة الى الإهتمام بالشباب ومنحهم فرصة المشاركة في العملية السياسية، فهم الأقوى والأفضل والأنسب لإدارة البلد، بعد أن أثبت المتقدمون بالعمر فشلهم الذريع، وحولوا العراقي الى منافس كبير لجهنم.
لكن علينا التوقف لحظة في أكثر من محطة، ونناقش الأمر بحكمة وتروي وحيادية.
هل المفوضية العليا للإنتخابات مستقلة فعلا؟ وهل عناصرها مستقلون عن الأحزاب الحاكمة؟ وهل أثبتوا نزاهتهم في الإنتخابات السابقة؟ وهل تخلصوا من نفوذ الكتل الحاكمة؟ وهل هناك ضمانات بأنهم سيكونوا نزيهين هذه المرة؟ ولتوضيح الأمر أكثر، هل العامل سيعمل بالضد من ربٌ العمل، ولا يستمع لأوامره وتوجيهاته؟ هل سيعمل ضد مصلحة ربٌ عمله ويجرؤ على ذلك؟ وكيف ستكون النتيجة لو إفترضنا جدلا، انه سيعمل لصالح الزبون، وليس ربٌ العمل؟ نترك الجواب للقراء الأفاضل!
المحطة الثانية، هل القوى السياسية تحترم صوت الناخب، بل هل تحترم نصوص الدستور المتعلقة بالإنتخابات، علما انا هي من وضعت تلك النصوص؟ التجارب السابقة أثبت العكس، عندما فاز أياد علاوي في إنتخابات عام 2010، رفضت ايران توليه رئاسة الوزراء، وفي لعبة هزيلة من قبل قاضي القضاة مدحت المحمود تحولت الرئاسة الى نوري المالكي، وفي الإنتخابات السابقة عام 2014 فاز المالكي بأكثرية الاصوات في عملية تزوير لا مثيل لها في التأريخ القريب، ومع هذا تم إيقاظ حيدر العبادي من نومه، وقيل له “مبروك! أصبحت رئيسا لوزراء العراق”، والرجل بقي لوهلة يفرك عينية ليتأكد بأن الأمر ليس حلما، بل حقيقة.
ولنتحدث الآن عن الإنتخابات القادمة.
الغرض من الإنتخابات هو إختيار مجلس النواب القادم، الذي ستولى بدوره إختيار الحكومة، وبالتالي رئيس الجمهورة، بمعنى ان الرئاسات الثلاث ستعتمد على أصوات الناخبين فقط! لذا قيل بأن الشعب مصدر السلطات. لكن تصريحات المسؤولين العراقيين تؤكد بأن رئاسة البرلمان ستكون من حصة أهل السنة، ورئيس مجلس الوزراء حصة الشيعة، ورئاسة الجمهورية حصة الأكراد، بمعنى انه لا يوجد أي دور لصوت الناخب في عملية الإختيار، فإن شارك أو رفض المشاركة فالأمر سيان. المحاصصة هي التي تفرض أمر الواقع القادم، وليس أصوات الناخبين.
المحطة الثالثة: هل ستقف إيران التي رفعت الفيتو ضد أياد علاوي موقف المتفرج تجاه الإنتخابات القادمة؟ سبق أن أوضحنا هذه النقطة في المقالات السابقة، وأكدنا أنه من المحال أن يقف ملالي إيران متفرجين، سيما إنهم دعموا حزب الدعوة ماليا (جماعة نوري المالكي)، وأبدوا رغبتهم في عدم تجديد ولاية حيدر العبادي.
الأغرب من هذا لنقرأ معا تصريح زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في 26/3/2108، فقد ذكر” إن الإمام علي خامئني ابلغني هاتفيا مساء أمس بأن رئاسة الوزراء ستكون من حصتي في الانتخابات القادمة، وان خامئني قد أخبره من خلال الاتصال بأحد وكلاء الإمام المهدي الغائب، بأن نوري المالكي هو من سيشكل الحكومة القادمة وسيحصد اعلى الأصوات، وانه سيعمل بكل ما بوسعه لجعل العراق من افضل دول العالم في الخدمات واحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته”. بمعنى ان الشخصية الأسطورية التي لها إتصالات مع الخامنئي فقط لا غيره، سيكون لها دورا في تحديد رئاسة الوزراء في العراق، ولا أعرف كيف يمكن توضيح هذه النقطة للإعلام الغربي، وكيف سيكون موقفهم تجاه تَحكُم القوى الغيبية في الإنتخابات العراقية؟
لو إفترضنا جدلا ان المالكي لم يفز في الإنتخابات، كيف سيكون موقف المهدي والخامنئي تجاه نوري المالكي على أقل تقدير؟ ولا نقول تجاه الشعب، لأن هذه المهازل لا يمكن أن تنطلي على الشعب العراقي، فقد أصبحت مكشوفة ومعيبة. هل سيكون الخطأ من قبل المهدي أو الخامنئي؟ نترك هذه المسألة بعد ظهور نتائج الإنتخابات، علما ان هذه المسرحية الغرض منها واضح جدا، وهو دعم نوري المالكي من قبل الشيعة، لأن المهدي وجه الأمر بذلك، أي هي مجرد دعاية إنتخابية، لكنها في الحقيقة مخزية ولا تقل خزيا عن الدعاية الإنتخابية لمرشح حزب الله في محافظة ذي قار (آية الله العظمى ياسر ناصر حسين) الذي كتب على اللافتة (إنتخبوا مرشحكم نبي الأمة)! فهنيئا لأهل ذي قار على مرشحهم النبي، الذي سيحول ذي قار الى جنة الأرض.
لنقرأ معا بقية التصريحات، لنتعرف على قيمة صوت الناخب في إختيار ولي أمره القادم!
أعلن زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في 24/3/2108 ” أن زعيم بدر هادي العامري هو مرشح تحالف الفتح لتولي منصب رئاسة الوزراء.وتوقع الخزعلي أن يتم تقديم مرشح تسوية لرئاسة الوزراء في حال لم يتسلم العامري المنصب لكن ذلك لن يتم إلا وفقاً لشروط تحالف الفتح”. كما صرح قيس الخزعلي في24/3/2108 ” ان المرجعية الدينية في النجف لم تعترض او تضع خطاً احمر امام ترشيح تحالف الفتح لزعيمه وأمين عام منظمة بدر هادي العامري لرئاسة الحكومة المقبلة”.
ما هي قيمة صوت الناحب إذن؟
تحدث (أحمد البدري) عضو ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه نوري المالكي في24/3/2108 ” إن أثيل النجيفي يسعى إلى حصول المكون السنّي على رئاسة الجمهورية برئاسته، مقابل حصول الكرد على رئاسة البرلمان، وان ائتلاف دولة القانون لامانع لديه من تولي الكرد لرئاسة البرلمان مقابل بقاء نوري المالكي نائبا لرئيس الجمهورية”. ما قيمة صوت الناخب إذن؟
كشف القيادي في حزب الدعوة النائب جاسم محمد جعفر البياتي في24/3/2108، عن حراك سياسي يجري خلف الكواليس وداخل الاروقة السرية لمنح برهم صالح منصب رئاسة البرلمان والعرب السنة رئاسة الجمهورية. وإن الاتفاق يتضمن ترشيح احد المرشحين الكرد لاستلام رئاسة مجلس النواب ووضع احد المرشحين العرب السنة لاستلام رئاسة الجمهورية، وتحتفظ الشيعة برئاسة الوزراء”. ما الغرض إذن من عملية الإنتخابات التي صرف عليها الملايين من الدولارات؟
كيف يمكن إزالة هذه الشكوك عند الرافضين للمشاركة في الإنتخابات القامة، طالما كل شيء معد سلفا، والتأثير الخارجي بلغ ذروته، والمناصب الوزارية تم الإتفاق عليها؟ إنها حيرة ما بعدها من حيرة!
ربما الإنتخابات القادمة هي الفرصة الأخيرة التي يمكن أن نثبت فيها للعالم وقبله نثبت لأنفسنا بأننا شعب واعي يستفيد من الدروس والتجارب. شعب يستحق الحياة لا يراهن على نفسه ولا على مستقبل الأجيال القادمة. شعب يستلهم الحكمة معززة بالعزيمة ليقرر ويختار مصيره. شعب لا يضع الحبل حول رقبته ويستأذن الجلاد بخشوع ليتفضل بإعدامه! شعب لا ينسى من أساء له وبدد أحلامه بنوايا شريرة، وحول مع سبق الإصرار والترصد فردوسه الأرضي إلى جهنم، وإلا فالعاقبة لنا وعلينا.
تذكر أخي العراقي بأن المشاركة في الإنتخابات تعني الإعتراف بالعملية السياسية في ظل الإحتلال الأمريكي ـ الإيراني، وأعطاء الصوت ـ وإن كان بلا جدوى ـ يعني المشاركة في إختيار البرلمان والحكومة القادمين في ظل عملية سياسية فاسدة، وبالتالي فإنك تتحمل جزء من المسئولية عن سلبيات الحكومة أو أيجابياتها في المرحلة القادمة، وإذا بقيت نفس الوجوه المقيتة تحكم العراق فتأبط شرا!
علي الكاش