ميشيل كيلو – الشرق الاوسط
إذا افترضنا جدلا أن المسألة السورية لن تحل إلا سياسيا، كما تقول الدول الكبرى. وافترضنا أن الحل السياسي في متناول اليد وليس حلما بعيد المنال واستحالة شبه تامة، وصدقنا مع الأميركيين والروس أن جهودهم ستنجح في تحقيق حل سلمي سوري، هل يعني هذا كله أن الحل سيكون واحدا بالنسبة إلى النظام والمعارضة، أم أنه سيكون هناك حلان: واحد يخدم النظام وربما بشار الأسد شخصيا، وآخر ضده؟
في ظل العجز الغربي القائم، والروح الهجومية الكاسحة التي يتحلى بها الروس والإيرانيون، لن ينتج الحل عن النوايا الطيبة والتفاهمات السياسية، بل سيكون، كأي حل بين قوى متصارعة، نتاج موازين القوى القائمة على الأرض، نتاج العلاقات الأميركية – الروسية وعلاقات القوى السورية الداخلية، التي تعينت منذ بدء الأزمة بعوامل رئيسية منها تراخي وسلبية الموقف الغربي وتصلب وهجومية الموقف الروسي – الإيراني، وتصميم النظام الأسدي على الحل الأمني – الإجرامي، والمجتمع السوري على الحرية، وتاليا المقاومة وتحرير الوطن من الكارثة التي يجسدها نظام فرض عليه منذ خمسين عاما ونيف.
لا بد لنجاح حل سياسي من شرطين؛ أولا: تبدل جدي في سياسات الغرب والشرق السورية، بحيث تصير الأولى أكثر هجومية والثانية أقل عدائية وتصلبا حيال الشعب السوري المظلوم، وثانيا: تغير في موازين القوى الداخلية بين النظام والمقاومة، وإلا جاء الحل لصالح النظام، في حال تم التوصل إليه في الوضع الحالي، ووجدنا أنفسنا أمام سؤال آخر محير سيطرحه علينا موقف الغرب ونوع الحل هو: إذا كان صحيحا أن بشار الأسد يجب أن يرحل، كما يقال في واشنطن ولندن وباريس، هل يكفي لرحيله المطالبة به أم يجب إحداث تغيير جدي في موازين القوى لصالح المقاومة، من شأنه إجباره على الرحيل وتحقيق الحل الذي يريده الشعب؟ وإذا لم يتقدم الغرب باتجاه إحداث هذا التغيير، ما معنى الكلام عن حل سياسي لمصلحة النظام ورئيسه، الذي بدل أن يرحل سيبقى في السلطة ليعيد ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة عام 2014. كما هدد السوريين أكثر من مرة؟
هناك حلان سياسيان في سوريا: واحد يريده الشعب وآخر النظام، فعن أي حل سياسي مجرد ولا هوية له يتحدث ساسة الغرب عامة والأميركيون خاصة؟ وإذا كان نمط الحل سيتعين بعلاقات القوى على الأرض، وكان الروس والإيرانيون في حالة هجوم والمقاومة وبقية العالم في حالة دفاع، ألا يكون من المنطقي القول: إن الحل الحقيقي الذي سيفرض نفسه لن يكون لصالح شعب سوريا، الذي لم يقدم طوفانا من الدماء والدموع كي يقبل في نهاية الأمر حلا في مصلحة نظام يدمره ويقتل بناته وأبناءه دون هوادة منذ عامين ونيف؟ ألا يكون السوريون مجبرين في هذه الحال على رفض حل يبقيهم مستعبدين، ولا يبقى لهم من خيار غير مواصلة نضالهم في سبيل مخرج يحقق حريتهم ويضمن رحيل حاكم قاتل لن يقبلوا استمراره في السلطة تحت أي ظرف؟
لا يجري ساسة الغرب هذه الحسابات ولا يتفهمونها عندما يواجهون بها. لذلك يكتفون بترديد كلمات عامة عن حل سياسي هو الممكن الوحيد، يضعونه في مقابل حل عسكري مستحيل في نظرهم بنسبة 100%، تنبع استحالته في نظرنا نحن من سياستهم المتحفظة والدفاعية وسياسات الروس والإيرانيين الهجومية. يبرر الغرب موقفه من الحل العسكري باحتمالاته التي يرجح أن تخرج عن السيطرة، كأن سياسات النظام وحلفائه تحت السيطرة، أو كأنها لم تتسبب في خروج الوضع كله عن السيطرة، ودخول قوى متنوعة إلى الصراع تطيفه محليا وإقليميا، على عكس ما كانت السياسات الغربية والروسية تقول: إنها تستهدفه، ألا وهو الحؤول دون حضور التطرف إلى الساحة السورية ودون قيامه بدور فيها. ثم يقال لنا بعد هذا كله وبإلحاح متعاظم: ليس هناك حل عسكري ولا بد من حل سياسي، علما بأن أحدا لا يعرف متى سيكون الثاني، ونعرف كلنا أن الأول ممكن التحقيق إن حصلت المقاومة على أسلحة نوعية ضد الطيران والمدرعات. أليس من حقنا، في هذه الحسابات، أن نشكك في سياسات الغرب عموما وأميركا خصوصا حيال الأزمة السورية، وفي نوايا قيادتيهما، التي أثارت ريبتنا منذ أيام الثورة الأولى، وجعلتنا نميل إلى اعتبارها نوايا مراوغة في أقل تقدير، تعادل في نتائجها أي سياسات مراوغة ومتواطئة على سوريا وثورتها؟
هناك حلان سياسيان للمعضلة السورية. إذا كان الغرب يريد الحل الذي يخدم الشعب، عليه المبادرة إلى تغيير ميزان القوى العسكري والسياسي لصالح الشعب السوري الثائر، والانتقال من سياساته الرخوة والمتوجسة إلى سياسات صلبة وهجومية نعرف جميعا أنه قادر عليها، وأن الروس لن يمتلكوا ما يواجهونها به، وأنهم سينفصلون عن الأسد، ولن يجدوا مفرا من إجبار نظامه على قبول حل يطيح به، ويقبل انتقال سوريا إلى نظام ديمقراطي بديل، هو حلم السوريات والسوريين ومطلبهم العادل!