على خلفية الصراع الطائفي أو الحرب الأهلية بسورية ، والتي تسببت بهروب العديد من السوريين إلى خارج البلاد كلاجئين ،إستغل البعض بغطاء ديني مأساة ( مليحات ) الشام اللاجئات بالخارج ، أي إستغلال حوجتهن للمأوى والمأكل ليتزوجوا منهن ، و من نافل القول أن نُنبِّه إلى أنّ هذا السلوك الرّزيل في حقيقته ليس زواجاً ، فالزواج أساسه الوُّد والمحبة ، و لا يتم إستغلالاً للحوجة المادية ، وإنّما الدّعارة هي التي تتم بدافع الحوجة المادية ، حتى وإن كان شرط القبول متوفراً ، تماماً كما الزواج من هؤلاء اللاجئات الذي يتم في الغالب بموافقة اللاجئة ، ولكن هذه الموافقة تشبه موافقة البائسات على ممارسة الجنس بمقابل مادي ، فهي موافقة بموجب إكراهات وضغوط الحاجة المادية للمأكل والملبس والمأوى ، تماماً كما هو حال السوريات اللائي يوافقن على الزواج من مواطني البلد الذي لجئن إليه ، فكلا الموافقتين دعارة ، موافقة اللاجئة على الزواج أو البغيِّ على ممارسة الجنس بمقابل مادي ، فالقبول متوافر في الحالتين دون أن ينفي ذلك عنهما وصمة الدّعارة .
وهذا أيضاً يُماثل ما يدعو له البعض تحت ذريعة التسويق والتبرير لتعدُّد الزوجات ، حيث يقول البعض بأنّ الحكمة من إباحة التعدُّد في الزوجات هو توسيع دائرة الكفالة الإجتماعية للأرامل أو اليتامى كما ذهب لذلك المفكر الإسلامي ابو القاسم حاج حمد وغيره ، ولا أدري بالحقيقة ما علاقة الكفالة الإجتماعية بالنكاح ؟ إلاّ لو كان الأمر متعلق بالدّعارة بالطبع وليس بالزواج / النكاح الشرعي .
عموماً ليس هذا جوهر ما أُريد التحدث عنه ، على اهميته بالطبع ، وإنّما أريد التنويه هنا إلى بعض المهاجمين لمثل تلك الزِّيجات التي تُستغَل فيها حوجة اللاجئة السورية المادية بغرض ( نكاحها ) ، فبالطبع مسعاي هؤلاء الماهجمين لتلك الممارسات اللا إنسانية البشعة مساعيٍ حميدة ونبيلة ، ولكن سرعان ما يقع بعض هؤلاء المحاربين والمناهضين لتلك الممارسات في ذات الممارسات البشعة التي يهاجمونها ، وأعني الإستغلال للاجئات جراء النزاعات والحروب الأهلية ، وهو إستغلال بدوره ذو إيحاءٍ جنسي . وأُشير هنا إلى ظاهرة بدأت تستشري في مختلف مواقع التواصل الإجتماعي حيث ينشر بعضاً من هؤلاء المهاجمين لتلك الزيجات صوراً للاجئات صوماليات أو سودانيات وغيرهن من اللاجئات ذوات البشرة السوداء بأفريقيا ويقومون بعد ذلك يكتابة تعليق على الصورة يتهكمون به على الوهابية الذين يستغلون حوجة اللاجئات السوريات للمأوى ويطلبون منهم الزواج من هؤلاء الصوماليات اللاجئات لو كانوا بالفعل حريصين على مبدأ التكافل الإجتماعي وليس الإشباع الجنسي .
والحقيقة فهذا بدوره سلوك لا يقل شناعةً ونذالة عن سلوك هؤلاء الوهابيين المستغليين للاجئات السوريات ، فنشر صور للاجئات أفريقيات وإهانتهن على هذا النحو البشع عبر التهكم الضمني على بشرتهن السوداء وملامحهن الزنجية التي تبدوا للنشطاء السوريين أو المتعاطفيين مع السوريين دميمة وقبيحة تجعل الآخر زاهداً في ممارسة الجنس ومتقززًا من هؤلاء اللاجئات ، أقول إنّ هذه الممارسات التي يقوم بها بعض الناشطين السوريين وغيرهم هي ممارسات تُماثل الممارسات التي تقع بحق اللاجئات السوريات ، ففي كلا الحالتين اللاجئة أداة ،
فعند الوهابي الذي يريد الزواج من اللاجئة السورية تستحيل هذه الأخيرة إلى أداة للإشباع الجنسي عبر إستغلال الاجئة ، وعند الناشطين السوريين تستحيل أيضاً اللاجئة الصومالية إلى أداة حربية في معركتهم السِّجالية التهكُّمية على خصومهم ، فاللاجئة الصومالية تبدوا أقل إنسانيةً لذلك فلا بأس أن تُعرض للوهابي ليجامعها في محضر إختبار الناشط السوري للوهابي ولنواياه ، فإن قبل الوهابي بمضاجعة تلك اللاجئة الصومالية ـ الدميمة السوداء ـ فهو مبدأي وغايته من الزواج ليس المتعة الجنسية ولكن كفالة اللاجئة إجتماعياً ( وكأنّما مضاجعة السود كمضاجعة القرود !!! ) وإن رفض ذلك فهذا دليل على أنّ الوهابي لا يُريد سوى الإشباع الجنسي ( الذي لا توفره له الاجئة السوداء !!! ) .
من حق السوريين بالطبع أن يُصنِّفوا أصحاب البشرة السوداء كدمميمن ، فهذه القيم الجمالية قد تتفاوت من مجتمع إلى آخر ومن ثقافةٍ إلى أُخرى ، ونحن بدورنا قد نقول على بشرتهم البيضاء بأنّها ( الحمرة الأباها المهدي ) ، ولكن ليس من حقهم التهكم على اللاجئات البائسات القادمات من افريقيا وعرضهن على المرضى والمنحرفين جنسياً في سياق الإختبار لهم ، فهؤلاء اللاجئات أكثر من مجرد طعم أو أداة إختبار ، إنهنّ بشر ، ولون بشرتهن حتى ولو بدا لكّ أيها السوري قبيحا ً أو دميماً فهذه القباحة والدمامة ( النسبية ) لا تُخرجهن من أرومة الإنسانية .
أدعوا جميع رواد مواقع التواصل الإجتماعية إلى التبليغ عن كلِّ من ينشر صوراً للاجئات أفريقيات ويعرضهن في سوق النخاسة العربي أو الخليجي ليثبت أنّ تكالب الوهابيين على اللاجئات السوريات بدافعٍ من رغبة جنسية لا رغبةً في خدمة الإنسانية ، فهذا واضح ولا يحتاج لإختبار ضحيته إنسانة لا تقل إنسانيةً عن اللاجئة بيضاء اللون .
نفس هذه القضية أُثيرت عندنا بالسودان في العام 2005 عقب مقتل (جون قرنق ) القائد الجنوبي المعروف ، فالمعرف عن الإسلاميين أنّهم يتزوجون أرامل إخوتهم الذين قضوا نحبهم في ( الجهاد ) ويزعمون أنّ هذا من باب البّر بهن ، وعندما رحل ( جون قرنق ) عقب مصالحته مع الإسلاميين عام 2005 مخلفاً أرملة من جنوب السودان إنتشرت في الأوساط الشمالية تساؤلات تهكمية الغرض منها التعريض بالإسلاميين ، على غرار : لماذا لا يتزوج الإسلاميون ( ربيكا قرنق ) أم أنّهم فقط يتشطرون على أمثال ( وداد بابكر ) زوجة الراحل ( إبراهيم شمس الدين ) والتي تزوجها الرئيس عمر البشير فيما بعد . ولا يخفى هنا بالطبع التعريض الضمني والإهانة الخفية / الواضحة للسيدة ( ربيكا ) ، فالجانب المسكوت عنه في هذه التساؤلات التهكمية هو أنّ ربيكا ( الجنوبية ) قبيحة وليست مثل ( وداد ) الشمالية الحسناء ، ويُمكن أن نستفيض في التكهنات التي يمكن إستخلاصها من خلال قراءة ما تصمت عنه مثل تلك التساؤلات التهكمية فنتحدث عن العنصرية التي تنسحب حتى على تقيماتنا الجمالية لدرجة أن نقول : إنّها فتاة جميلة لكنها ( خادم ) ، وخادم هي اللفظة التي تُطلق على النساء اللآئي يظهر العنصر الأفريقي بشكلٍ أكثر وضوحاً في ملامحهن ، وغالباً ما يكُن من جنوب أو غرب السودان !
ختاماً فالعنصرية ليست لدى السوريين فحسب ، وأنا أستحي أن أوجه خطابي للسوريين وبيننا نحن السودانيون من يمارس عنصرية تماثل بل وتزيد بشاعةً من تلك العنصرية ـ الرمزية ـ التي يُمارسها علينا بعض السوريين . العنصرية مرفوضة حتى ولو أتت على نحو رمزي ، لذلك على الجميع أن يتناولوا مثل تلك القضايا بمزيدٍ من الوعي والنأي بالنفس عن السجالات الساخرة أو العدائية التي تُورط الجميع في نهاية المطاف بحسن أو سوء نيّة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !