شغل تفكيري هذه الأيام سؤال في غاية الأهمية. عندما قابلت صديقا لي سألته هذا السؤال وأدركت أن معظم أصدقائي يشغلهم نفس السؤال أيضا: لماذا يقتل الناس بعضهم بعضا باسم المعتقدات الدينية؟ لماذا يستخدم الدين (الإسلام في أيامنا هذه) باعتباره أداة لتبرير الكراهية والقتل؟
حديثا، قامت «القاعدة» في أفغانستان بقطع إصبع السبابة لمن وجدوا إصبعه ملونة نتيجة المشاركة والتصويت في الانتخابات الرئاسية. إن مجرد تخيل هذا الفعل والسلوك الوحشيين أمر في غاية الصعوبة.
وبمجرد أن تنظر إلى صور الرجال كبار السن ذوي الوجوه الودودة وهم يرتدون القمصان الزرقاء الطويلة، تستطيع أن ترى أن طالبان قامت بقطع سباباتهم، حيث حذرت طالبان الناس من المشاركة في الانتخابات الرئاسية في البلاد وإلا فعليهم أن يواجهوا العقاب. ففي مدينة هرات، بترت أصابع هؤلاء الرجال الذين تجاهلوا التهديد الإرهابي.
بل إنني عثرت على صورة لسيدة صغيرة قد قطعت إصبعها. كيف يمكننا أن نستوعب مثل هذا الفعل الوحشي؟ ومن أين ينبع مثل هذا النوع من السلوك؟
قيل إن الفيلسوف الإيطالي البارز والشاعر الساخر جوردانو برونو عندما حكم عليه بالحرق حيا، ابتسم وقال لنفسه في هدوء:
أيها الغباء المقدس! الجهل المقدس! الحمق والورع المقدس! أنتم وحدكم تفعلون الكثير للتقدم وإصلاح النفوس، أكثر مما يفعل الإبداع البشري والعلم!
إنني أؤمن بأن ما نواجهه الآن هو ازدياد الحماقة المقدسة في العالم. فلدينا طالبان في أفغانستان وباكستان، و«القاعدة» في سوريا واليمن وشمال أفريقيا، و«بوكو حرام» في نيجيريا، و«داعش» في العراق وسوريا، فهي مثل الأخطبوط ولكن بجسم صلب. وهنا يثور سؤال في غاية الأهمية: ما الذي سيكون عليه مستقبل الجيل الجديد مع الأخذ في الحسبان وجود هذا الأخطبوط؟
إنه ليس سوى وجه واحد لعملة ملعونة. فالوجه الآخر الذي علينا أخذه في الاعتبار هو الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه هذا الخطر. يبدو أنهم ينظرون إلى الأزمة باعتبارها ثروة مهمة بالنسبة لهم. فهم يقولون لأنفسهم: دعوهم يقتل بعضهم بعضا، فهذا من مصلحة أميركا. والآن دعوني أركز على هذه القضية المعقدة.
أتذكر جيدا أنني قرأت، خلال الحرب السخيفة بين العراق وإيران، مقالا كتبه هنري كيسنجر. قال فيه إنه يرغب أن تتحول الحرب بين العراق وإيران إلى حرب مثل القتال الذي يقع بين الديوك المكسيكية. عندما يقتتل ديكان، غالبا ما ينتهي الأمر بهما بالنزف حتى الموت.
تمنى كيسنجر أن تستمر الحرب حتى تهلك الدولتان والحكومتان والشعبان. وعندما وافقت إيران على قرار الأمم المتحدة رقم 598، وقرر آية الله الخميني إنهاء الحرب، قال كيسنجر: «من المؤسف أن كليهما لم يخسر!».
وقام أندرو مكارثي، وهو محلل صحافي أميركي، باقتباس مقولة كيسنجر واستخدامها عنوانا لمقالته، التي نشرت في مجلة «ناشيونال ريفيو أونلاين».
ما أحاول أن أقوله هو أن هذه الفكرة لا تزال قائمة بشدة، حيث نشر فريد زكريا بعض المقالات والمقابلات حول الأزمة في العراق وسوريا. منها مثلا عندما قال:
«إذا لم ننظر إلى الأمر إلا من منظور الواقع السياسي، فإن قتل الأشرار بعضهم بعضا ليس بهذا السوء بالنسبة للولايات المتحدة».
منذ سبعين عاما، قال علامة إقبال لاهوري، الشاعر والفيلسوف الكبير في شبه القارة الهندية وباكستان:
«أيها الغرب! لقد كنا نجرح بسببك، فالخنجر خنجرك، والدم يتدفق من أجسادنا، وما زلنا في انتظار العلاج منك!».
وقال فريد زكريا، إن العراق باعتباره دولة تاريخية كبيرة، على شفا التقسيم الفعلي. إنه ليس مجرد تقسيم جغرافي، إنه تقسيم للأمة التي تعاني من كوارث خلال هذه الفترة من تاريخها. فبعد السودان، وليبيا، وسوريا، يأتي العراق رابع بلد إسلامي يجري تدميره.
إن الأمر أصبح مسرحا هزليا يستمتع به الأميركان، كيف يقتل الأشرار بعضهم بعضا؟ ما المنطق أو التبرير الذي يستند إليه تفسير فريد زكريا؟
أنا لا أريد أن ألقي باللوم على أميركا أو إسرائيل بسبب تحليلهم الخاص للأحداث الحالية في المنطقة، حيث يبدو جليا أننا السبب الرئيس وراء ذلك.
يروي سلافوي جيجك في كتابه «العنف» حكاية غاية في التأمل، يقول فيها:
«زار ضابط ألماني بيكاسو في الاستوديو الخاص به في باريس خلال الحرب العالمية الثانية. وصُدم عندما رأى هناك لوحة غرنيكا، فسأل بيكاسو: (هل أنت من فعل هذا؟).
فأجاب بيكاسو بهدوء: (لا، أنت من فعل هذا!)» (كتاب العنف، صفحة 9).
في حقيقة الأمر، لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسا في تدريب الأشرار وقيادتهم ودعمهم. وحديثا، تبعت هيلاري كلينتون توني بلير، واعترفت كذلك بأن الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في العراق كانت معيبة على نحو جوهري.
أعتقد أن الحرب على الإرهاب بأوجهها وأشكالها المختلفة هي مسؤولية عالمية تقع على عاتق جميع الدول والحكومات والأمم. ومن الواضح أن المسؤولية الرئيسة تقع على عاتق الحكومات والدول في منطقتنا، وهذا يشمل رجال الدين باختلاف دياناتهم.
وإذا نظرنا إلى ما حدث في العراق وسوريا وأفغانستان من دون تمعن، إذن ربما في المستقبل سنلوم أنفسنا، لأن الثقافة المعادية التي تحض على العنف والكراهية لن تقتصر على هذه الدول فقط. بل ستكون أسوأ من تسونامي!