أيها الشهيد هاك “نهارك”

naylatwiniنايلة تويني

ها هو جبران الصغير ينمو، ينظر الى صورة جده الذي حمل اسمه، ويحدثك عبرها. يعبر اليك من خلالها، ليحدثك ويسألك عما لا تستطيع الاجابة عنه حالياً، لكنه عندما يصير شاباً سيجد حتماً أجوبة أكثر مما يطلب. سيجد المثال الذي يمضي كثيرون حياتهم باحثين عنه. لم اشأ أن أحدثه عنك، فليتعرّف اليك من كثب عندما يكبر. اسمه الذي له شرف حمله، عبء عليه في الوقت عينه، لان الاسماء الكبيرة تشكل ثقلاً معنوياً كبيراً لحامليها، وأرجو ألا يتحمله ولداي وحدهما، ولكن جل ما أتمناه أن يكون الميراث الوطني حملاً يشارك في رفعه كل ابناء جيلهما. هذا الارث هو الأبقى، والأنقى، والاهم من المال والعقارات التي لم تبال بها يوماً، وما خبّأت قرشك الابيض ليوم أسود، بل كنت على اقتناع تام، وإيمان راسخ، بأن الرب يعطينا خبزنا كفاف يومنا.

هذا الايمان الحقيقي لم يمنعك يوماً من مواجهة الاخطار، ولا من مواجهة الموت بالاستشهاد، فسيّدك واجه الموت على الصليب، وكان مقتنعاً بأنه السبيل الى قيامة، الى نهضة، الى حياة جديدة، لكل الذين سيحملون من بعده الراية. هكذا أذكرك في يوم استشهادك، لا بكاء، ولا نواح، بل تطلع الى غد، الى مستقبل، الى وطن، سنظل نجاهد، وان اختلفت الوسائل، لبناء أحسن ما يمكن، لضمان افضل ما يمكن.

في ذكرى انتقالك التاسعة هاك “نهارك” نمضي بها أمانة الاجيال في أعناقنا وأبواب الاغتيال والجحيم لم تقو عليها . سنة تاسعة بعد استشهادك ونحن نثبت لك كل فجر وكلما صاح الديك اننا كما قالت “النهار” يوم استشهادك باسمك وباسم عميدنا وكبيرنا غسان تويني “مستمرة مستمرة مستمرة”. ارادوها حرب إفناء لـ”النهار” عبر اغتيالك فرددنا بحمل جرحك الذي لن يندمل الى ابد الآبدين ولكن بإيماننا بأننا نهزمهم كل صباح وكل يوم. هاك ما فعلنا على دربك نفسها. نخوض بلا هوادة معركة تطوير “النهار” فصارت هناك مع النسخة المطبوعة العريقة شقيقات لها : الموقع الإلكتروني الذي يستقطب ملايين القراء في هذا العالم المحدث و”النهار تي في” الإلكتروني موفقين بين صحافة متعددة الاسلوب والنمط ووسيلة الانتشار ضمن وحدة تاريخية لقيم “النهار” المهنية والانسانية والوطنية التي تبقى أمانة في أعناقنا. ونمضي وسنبقى ماضين على أمانة التطوير والتحديث كما كنت لتفعل وكما نستلهم تراث هذه “النهار” العاصية باذن الله على كل الصعوبات مهما اشتدت .

وفي ذكراك اليوم ايضا، دعوة غسان تويني تحضر امامي، وهي في وجداني، “دعونا ندفن الحقد والثأر”، وهي ايضا من فعل الكبار، ولا يجرؤ عليها الا العمالقة منهم. دعوة لعلها اكثر من ضرورية في زمن التعطيل، في زمن الشغور، وفي زمن سيطرة الاحقاد والمصالح الشخصية، على حساب مصلحة لبنان العليا. وهي دعوة اليوم، الى الزعماء المسيحيين تحديدا، علهم ينظرون الى ماضيهم المثقل بالشهداء الذين سقطوا امام عيونهم، ليبقى لهم ولنا هذا اللبنان، وها هم اليوم يسقطون كل الشهادات امام مذبح الرئاسة.

ماذا عساكم ايها الشهداء فاعلون؟ هل تنادونهم من فوق ليتعالوا قليلاً فينقذوا الرئاسة والجمهورية؟ ربما من فوق “الصوت بيودي أكثر” بعدما صموا آذانهم عن تمنيات ورغبات الذين هم تحت، أي نحن، الشعب الغارق في ظلماتهم وقصر رؤيتهم.

نقلاً عن صحيفة “النهار”

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.