لا قيمة لثبات الكويت بالمقاطعة بعد التطبيع الكامل لكل العرب مع الإسرائيليين
في ابريل من عام (1991) أي بعد خروجنا من محنة الغزو وحرب التحرير جمعتني الصدفة في لقاء غير محسوب في احد اسواق لندن الشعبية الى صحافي اسرائيلي، ومن الطبيعي ونحن خارجون تواً من الغزو والحرب ان يدور الحديث حول الغزو والحرب، الا ان الصحافي الاسرائيلي الذي كان يتكلم العربية العامية ويعمل رئيس القسم السياسي في جريدة (جيروزاليم بوست) التي تصدر من تل ابيب قال كنا في خلال الثمانية اشهر من الغزو والحرب لم يخل يوماً عن الكتابة عنكم. وانتهى اللقاء بيني والصحافي الاسرائيلي بالاعتذار عن اخذ صورة تجمعني معه.
هذه لم تكن المرة الاولى التي جمعتني الصدفة مع اسرائيليين ففي ثمانينيات القرن الماضي أي قبل نحو الثلاثة عقود، وانا جالس في بهو احد فنادق القاهرة، فإذا بفوج سياحي اجنبي يدخل من بوابة الفندق، فجلست الى جواري في المقعد امرأة خمسينية وكان الامر الطبيعي ان يدور بيننا حديث التعارف، فإذا بالوفد السياحي قادمون تواً من اسرائيل، وقالت السيدة الخمسينية نتمنى السلام ونزور بلدانكم وتزورون انتم بلدنا.. الخ.
هذه المصادفات مع مواطنين اسرائيليين من المؤكد ليس انا الوحيد الذي جمعتني واياهم، ولكن كثيرون من الكويتيين في اسفارهم المتعددة الى بلدان العالم قد صادفوا مثلي مواطنين اسرائيليين، ما اريد ان اصل اليه في هذه المقدمة ان الاسرائيليين ليسوا كما صورهم لنا اعلام الخمسينيات والستينيات الماضية، عن ان لهم قرونا وعصاعص وانيابا طويلة ومخالب طويلة وانهم مصاصو دماء وانما وجدنا منهم بشراً مثلنا محبين للسلام وتواقين للسفر الى بلداننا والاجتماع بنا، هذا من قبل الشعب، واما السياسيون الاسرائيليون والحكومات الاسرائيلية فلربما قراءتها للعلاقة العربية الاسرائيلية غير ما يفهمها الشعب الاسرائيلي.
نحن الآن في القرن الواحد والعشرين ومضت على انشاء الدولة الاسرائيلية نحو الـ(66) سنة في خلال هذه السنوات الطويلة حدثت ثلاث حروب عربية اسرائيلية كبيرة وحروب اخرى بينية (ثانوية) وفي كل هذه الحروب كانت اسرائيل هي المنتصرة، وحتى حرب (73) وعبور القناة وسقوط خط بارليف خاتمتها كانت هزيمة، ثم كان ما كان بالزيارة المفاجئة للرئيس المصري الى اسرائيل وخطابه التاريخي في الكنيست وما تلى ذلك من اتفاقيات للسلام ورسم الحدود وتبادل السفراء والزيارات والانتعاش الاقتصادي بين مصر واسرائيل والاردن واسرائيل بعد اتفاقيات وادي عربة، ومن ثم اتفاقيات اسرائيل مع الفلسطينيين وقيام الدولة الفلسطينية في رام الله.
بعد هذه السلسلة من الحروب والتي انتهت باتفاقيات السلام والزيارات المتبادلة والغداء والعشاء على طاولة واحدة، هل بقي شيء بين العرب والاسرائيليين حتى نقول ان الكويت آخر دولة عربية تطبع علاقتها مع اسرائيل وهل التزم العرب بالمقاطعة حتى تبقى الكويت على التزامها الثابت بعدم التطبيع..؟ ما هذا الخداع النفسي…؟!!
فإذا كان المصريون والاردنيون والفلسطينيون الذين هم الاطراف المباشرة بالقضية العربية الاسرائيلية رفعوا راية السلام وابرموا الاتفاقيات ويتبادلون ليل نهار نخب الصداقة، واذا كانت البلدان الخليجية الشقيقة قد فتحت ابوابها لزيارة المسؤولين الاسرائيليين واذا كانوا يقومون بالزيارات المتبادلة سرا وعلانية ويتبادلون الهدايا والانواط، فهل نحن وحدنا متعهدون للقضية وباقي العرب خونة..؟!!
يبدو أن حكومتنا ووزارة خارجيتنا مازالتا تعيشان في عهد بائد مضى عليه الزمن..!!
عمليا التطبيع حدث بين العرب والاسرائيليين، لقد ثبت ان قيام دولة فلسطينية للعرب والى جوار دولة اسرائيلية لليهود ضرب من الخيال، وتذكروا مقولة غولدا مائير عندما قالت «المكان لا يتسع لكرسيين» ومعنى كلامها لا دولة فلسطينية، انما المطلوب التعايش السلمي بين العرب واليهود وهو ما يعني التعدد الثقافي على ارض واحدة، هذه الارض هي ارض فلسطين التي تعايشت عليها الاديان الثلاثة، وعليها ان تعود الى الجذور، فلا حل ثالث.
لقد سخرت اسرائيل في حرب تحرير الكويت كل امكانياتها اعلامها ومطاراتها وقواتها من اجل انتصارنا وهزيمة العدو المجرم صدام حسين، فقد قيل عدو عدوي صديقي، وفي محنتنا جمعتنا الصداقة من اجل هزيمة العدو المشترك.
ليس بين الكويت التي تتماثل بالمساحة مع الدولة الاسرائيلية اي مشاكل حدودية أو نزاع على الارض أو صراع ثقافي أو صراع على النفوذ، بل لعل التطبيع يفتح ابوابا لتبادل المصالح وايجاد منافذ اقتصادية وتجارية.
لا قيمة لنفي وزارة الخارجية عن عدم الاتصال بإسرائيل ولا قيمة لثبات الكويت بالمقاطعة بعد التطبيع الكامل لكل العرب مع الاسرائيليين.
حكومتنا بحاجة الى تناول حبة الشجاعة لعلها تغير افكارها البائدة…!!
حسن علي كرم