علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
من البديهيات المعروفة في السياسة الدولية أن تكون القوة الدبلوماسية للدولة موازية لقوتها ومكانتها الدولية، والمقصود بالقوة، القوة العسكرية والإقتصادية والتقنيات العلمية والمعلوماتية إضافة إلى عوامل أخرى معروفة كالموقع الجغرافي وعدد السكان ومستوى الدخل القومي والناتج المحلي والإحتياطات النقدية ومستوى التنمية وغيرها من المؤشرات. منذ الحرب العالمية الثانية تم تقسيم دول العالم إلى مجموعات أبرزها مجموعة القوى العظمى المتمثلة بالدول المنتصرة في الحرب، ومجموعة الدول التي هُزمت في الحرب أو لم تدخلها أصلا. من الدول العظمى الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق وبريطانيا وفرنسا، وإنضمت إليها فيما بعد دول من أوربا وآسيا وما زال المجال مفتوحا لبقية الدول لتتعاظم حضاريا، لكن دون أن تكون لها فرصة في أن تكون عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي الذي أغلق باب الإنتساب إليه بعد الحرب، وما زال مغلقا في وجه الدول رغم أهميتها وقوتها ومكانتها الدولية.
الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن سحبت البساط من تحت أقدام الدب الروسي إنفردت بنفسها بإعتبارها القطب الأوحد، وأخذت تتحكم في مصير العالم وتملي شروطها وإملاءاتها ترغيبا أو ترهيبا، لذا ما تقوله الولايات المتحدة يعد أمرا ملزما لدول العالم بما فيها من يسمى بالدول العظمى، وتنجر الدول كافة للتحالف مع الولايات المتحدة حقا أو باطللا، وتتسارع الدول غير العظمى لخدمة السياسة الأمريكة حتى لو تعارضت مع مصالحها الوطنية، المهم إرضاء السيد الأمريكي! وغزو العراق وافغانستان دليل حي على فروض الولاء والطاعة الأوربية وغير الأوربية والعربية للولايات المتحدة.
عرفت الولايات المتحدة في نهجها المتعالي وغطرستها السياسية وطول لسان مسؤوليها الذي يخرج متجاوزا الفم الدبلوماسي والأخلاقي المتعارف عليه. وأحيانا تصل شروطها إلى سقف غير معقول، مثلما عندما لوح الرئيس بوش بالعصا لدول العالم قاطبة ( أما معنا أو ضدنا، او أما معنا أو مع الإرهاب) منتعلا ما يسمى بالحياد او عدم الإنحياز لأطراف النزاع كمبدا أقرته الشرعية الدولية والقانون الدولي. وهناك العديد من التصريحات الأمريكية في المحافل الدولية التي يمكن الإستشهاد بها في هذا المجال ويمكن الرجوع إليها بسهولة. بالتأكيد إن الولايات المتحدة لها ما يبرر طول لسان زعمائها، فالقوة هي المعيار الرئيس في العلاقات الدولية، فكيف بإعظم قوة في العالم؟
لكن الأمر المحير في الدبلوماسية الأمريكة هو إبتلاعها هي وبقية ما يسمى بالدول العظمى الإهانات المتلاحقة من دولة تصنف لحد الآن بالدولة المتخلفة او لنجاملها ونقول الدولة النامية. الغطرسة والعنجهية الأمريكية تذوب أمام غطرسة وعنجهية نظام الملالي، بطريقة تدعو ليس للخجل بل للعار والإشمئزاز. والأمر يخرج عما يسمى بالدبلوماسية الناعمة التي لا يعمل بها الطرفان الأمريكي والإيراني. كما إن موازين القوى بين الطرفين تدعو للضحك، إذا أخذنا الأمر جديا، وتركنا جانبا المزايدات الإيرانية وأوهام القوى التي يتفاخر بها النظام أعلاميا ويطبل لها أنصاره في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
الحقيقة إن الموقف الأمريكي الضعيف تجاه نظام الملالي الحاكم في إيران حير الأمريكان أنفسهم قبل أن يحيرنا نحن!
فقد شنت (إيلينا روس ليتينن) العضو البارز في مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري، في 24/4/2015 ، هجوما قاسيا على الرئيس باراك أوباما، بسبب الموقف الأمريكي الضعيف بعد تفاقم الأوضاع في اليمن، مؤكدة بإن” سياسة الرئيس أوباما مصابة بـانفصام شخصية، بحيث دفعت حلفاء أمريكا لفقدان الثقة بها، في حين اندفعت إيران بموجبها إلى استعراض عضلاتها بالمنطقة”. وأضافت “علينا إرسال رسالة واضحة إلى إيران، ولا أظن أن الرئيس أوباما يفعل الصواب هنا، فنحن عندما نفاوض حول هذا الاتفاق النووي الضعيف، تتحرك إيران وتتصرف معنا وكأننا أغبياء ولذلك تقوم بتلك الخطوات العسكرية”.
وتابعت القول “هذا يحصل أمام حلفائنا في المنطقة الذين لا يصدقون ما نقوله لهم من أننا سنخضع برنامج إيران النووي لمراقبة مشددة، وإذا راقبنا الأمور في العالم نرى أن روسيا سارعت إلى القول بأنها ستبيع إيران صواريخ جديدة، بينما اتفقت بكين معها على بناء خمس محطات نووية، وهذا كله كان يحصل خلال فترة تفاوضنا مع طهران التي تفترض أننا أصبحنا ضعفاء، وهي بالتالي لا تأخذنا على محمل الجد، وتقوم بعرض عضلاتها في الخارج”. هذه هي الحقيقة فنظام الملالي كما شخصت النائبة يعتبر الولايات المتحدة (ضعيفة وغبية وموضوع سخرية وتهكم) وهذا مما زاد في تماديها و توسعها الإستطاني في المنطقة وإعلان سياستها المنحرفة جهرا أمام العالم دون خوف أو تردد!
وسوف نستعرض بعض الإهانات الإيرانية التي بلعها الرئيس أوباما وأعيان حكومته على الريق، وكذلك الإتحاد الأوربي، دون أن يجرأ اي مسؤول منهما في الرد بالمثل، على أقل تقدير وفق ما يسمى بروتوكوليا (المقابلة بالمثل). ربما يدعي البعض ان الدولى العظمى تتبع سياسية ( دع الكلب ينبح وينبح! لكنه في النهاية سيسكت)، لكن نردٌ بأن العلاقات الدولية تعمل بقاعدة المقابلة بالمثل وليس بنباح الكلاب! والحقيقة ان الصفات التي أسبغتها النائبة الأمريكية على رئيسها وحكومته هي أقل بكثير مما سنقرأه لاحقا على ألسنة أعيان ولاية الفقيه، الذين تجاوزا عن وصفهم السابق لها بالإستكبار العالمي وقوى الشر، ليضيفوا صفات أخرى منها ( المكر والكذب والوقاحة والخداع والحمق والغباء والخيبة والضعف والإرهاب والخضوع المذل).
سنبدأ حلقات مسلسل الإهانة من الأخير.
أكد مساعد القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي في7/4/2015 بأن ” الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعدت قواتها جيدا لخوض حرب طويلة الأمد يكون النصر حليفها وهي على جهوزية كاملة للحرب مع أميركا”. وهدد سلامي الولايات المتحدة الأمريكية من استخدام قواعدها الجوية ضد إيران محذراً أنها ستحترق”! وقال “إذا أرادت طائراتهم التحليق فإننا سنحرقها عبر نيران كثيفة ستملأ السماء أمامها، إن أول طلعة ستكون الأخيرة لهم ولن يهبط اي واحد منهم بسلام على الأرض وعليهم أن يسموا عملياتهم الرحلة الأخيرة”.وأكد” إن ساحة الحرب ستشكل ساحة اختبار لكل طاقاتنا الحقيقية”. داعيا الفريق الإيراني المفاوض الى مغادرة طاولة المفاوضات فيما لو مارست أميركا التهديد والإذلال وأرادت اعتماد الفوقية السياسية.
بعد اتفاق لوزان صرح المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي الخامنئي ” أنا أثق بالفريق الإيراني المفاوض، لكن لديٌ بعض القلق، فالطرف الآخر هو صاحب مكر شديد، وكاذب وينقض عهوده، ويتحرك دائما عكس الإتجاه الصحيح”. كما أعلن خامنئي في 19/4/2015 ” أن الجيش الإيراني سيرفع جهوزيته”، مندداً بالتصريحات الأميركية بأن “الخيار العسكري ضد إيران ما زال قائماً. مؤكدا ” بعد صمت معين، تحدث أحد مسؤوليهم عن الخيارات المطروحة. من جهة يمارسون الخداع، ومن جهة أخرى يطلبون أن توقف الجمهورية الإسلامية تقدمها الدفاعي. لن نقبل أبدا هذه الكلمات الحمقاء، إنهم يهددون إيران عسكريا بوقاحة”.
كما صرح (العميد مسعود جزائري) مساعد الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية لشؤون التعبئة والإعلام ” إن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بشأن تفتيش المراكز العسكرية الإيرانية، مؤشرا على فهمه المتدني، ولمآرب الأمريكيين المغرضة”، خاصة بعد تصريحات قائد الثورة الإسلامية القائد العام للقوات المسلحة بشأن منع تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية، موكدا” إن إصرار الولايات المتحدة على تفتيش المراكز العسكرية الإيرانية، دليل على آمالهم الضائعة، فالقوة الدفاعية الإيرانية هي القبضة الحديدية لطهران أمام الأعداء”.
ذكر (اللواء محمد علي جعفري) في كلمة له أمام الاجتماع السابع لمجلس خبراء القيادة في طهران، ” إن قيادة خامنئي للأمة الإسلامية حولت العالم الإسلامي إلى قوة عظمى وأضعفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى لاعب بسيط في العالم”. ( وكالة مهر للأنباء التابعة لمنظمة الدعوة الإسلامية الإيرانية في 11/3/2015 ).
أعلن نائب قائد الحرس الثوري الايراني( العميد حسين سلامي) في 12 /10 /2014 أن نفوذ إيران في العراق” اجبر واشنطن على الانصياع لقرارات طهران، فالولايات المتحدة الاميركية واجهت عزلة في قضیة ادارة شؤون العراق مما اضطرها الى تغيير سلوكها، ان واشنطن التي کانت من الحماة الرئیسیین للعصابات الارهابیة في المنطقة بما فیها داعش هاهي الیوم تعدل عن ذلك النهج لتعتمد اسلوبا جدیدا یفتقد الی افق واضحة في التعامل ضدها”.
كما صرح علي جنتي بإن ” الرئيس الأمريكي طلب خاضعا مشاركة إيران في الحرب الأمريكية ضد الدولة الإسلامية. وان تواصل الرئيس الأمريكي مع المرشد الإيراني علي خامنئي يعتبر من بركات ولاية الفقيه في إيران، فعندما يظهر شخص مثل أوباما ليمد يده إلى إيران والمرشد خامنئي، هذا يؤكد مكانة خامنئي في العالم”. ( وكالة الأنباء الإيرانية /إيرنا).
هدد (الأدميرال علي فدوي) قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني الولايات المتحدة بقوله” إن إخراج الأميركيين من الخليج من المهام الأساسية للحرس الثوري الإيراني، وإن قواته قادرة على تدمير وإغراق الأسطول الأميركي خلال 50 ثانية. إن قواتنا أجرت تدريبات عديدة لمواجهة الأسطول الأميركي، وإنها تراقب تحرك الأسطول الأميركي الخامس في البحرين ومياه الخليج. وأضاف” رغم أن الأميركيين يلتزمون بحدود تحركهم ضمن المياه الدولية! لكننا نرصد تحركاتهم عن طريق أجهزة الرادار، وبوارجنا تتحرك بأمتار بموازاة الأسطول الأميركي للرد على أي تحرك معا”. ( في حوار مع وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري).
أكد( مسعود جزائر) مساعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الاايرانية في 17/6/2014 ” ان لدى إيران وثائق دامغة تثبت تورط كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل ودول عربية بما يجري في العراق. وان كل واحد من هذه الأنظمة مسؤول عن مهمة خاصة في حربه ضد السيادة وان ايران ستفصح عن تفاصيل هذه الخطة في الوقت المناسب”. مضيفا” ان النار التي أشعلها الارهابيون العملاء لأمريكا واوربا والرجعية العربية ستأتي على هؤلاء في القريب العاجل”.
ذكر (العميد حسين سلامي) نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني” إن عظمة ثورة الخميني تمثلت بأنها استطاعت التغلب على أعتى امبراطورية في تاريخ البشري، وإن المعركة الاقتصادية التي يقودها الاعداء ضد إيران اليوم تعد معركة لا نظير لها في التاريخ، وأن الحظر لو فرض على أمريكا لما استطاعت الصمود لأكثر من شهر”! وأضاف ” أن أي مكان في العالم الاسلامي لن يعبّد تحت اقدام المسؤولين الاميركيين، والزيارة غير المعلن عنها مسبقا للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أفغانستان تؤكد النهاية القريبة لأكبر امبراطورية في العالم، أن إيران حاليا تجتاز الطريق وتتغلب على العقبات بسرعة لتكون قوة دفاعية واقتصادية تترك تأثيراتها وخصوصياتها على الصعيد العالمي، إن الثورة الاسلامية في إيران قلبت الموازين العالمية بحيث أن أي توازن أمني أو سياسي في العالم الاسلامي اليوم أصبح غير ممكن التحقق دون احراز رضى إيران”.
هدد نائب رئيس هيئة الأركان الإيرانية (العميد مسعود جزائري) بتأريخ 6/3/2014 بأن بلاده ” ستحول المنطقة إلى جهنم لأميركا إذا ارتكبت أي حماقة ضدها”.
وصرح نائب جعفري لوكالة فارس إن ” إستراتيجية إيران الدفاعية تقوم على افتراض أننا سندخل حربا، ومعركة هائلة ضد تحالف عالمي تقوده الولايات المتحدة”.
وفي 11/10/2014 هدد نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إدارة أوباما بأن إسرائيل ستصبح في خطر إذا أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حكم بشار الأسد بسوريا، خلال العملية الدولية التي يتم تنفيذها ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأخيرا حذر(علي شيرازي) ممثل الولي الفقيه في فيلق القدس” من أن الجمهورية الإسلامية لن تهدأ حتى رفع علم الإسلام فوق البيت الأبيض الأمريكي”. (موقع ديغربان المقرب من الإصلاحيين في إيران).
لنترك الكلام عن التصريحات وثرثرة الإعلام ونتحدث عن الوقائع، فقد أكدت مصادر إيرانية في 28/4/2015 بأنه تم الإفراج عن السفينة الأمريكية المحتجزة (ميرسك تيجرس)، بعد الإنتهاء من تفتيشها من قبل السلطات الإيرانية. حيث استجابت المدمرة الأمريكية (فراجوت) لإشارة استغاثة من السفينة التي تم اختطافها من قبل إيران. وتناقلت وسائل إعلامية تصريحات للمتحدث باسم البنتاجون أكد فيها” أن طائرات أمريكية والمدمرة (فراجوت) قامت بالاستجابة لإشارة الاستغاثة من السفينة وتعمل على مراقبة الوضع”. وأشارت تقارير إخبارية بأن قوة إيرانية أطلقت النار على السفينة قبل أن تحتجزها وتسحبها ذليلة الى مياهها الإقليمية. وبحسب العربية، فإن قوة إيرانية احتجزت سفينة شحن أمريكية على متنها 34 أمريكيا، واقتادتها لميناء بندر عباس الإيراني!
ما الذي جعل دبلوماسية الصمت والخنوع والذل تتغلب على سياسة الغطرسة والعنجهية الأمريكية؟ وما الذي أبقاه الرئيس أوباما من كرامة لأعظم قوة في العالم؟ إسئلة مقلقة تحلق في سماء الحيرة، عسى أن تحط في يوم ما على الأرض!
لنا تابع حول تهديدات نظام الملالي لأوربا والكيان الصهيوني بعون الله.
علي الكاش