أوكرانيا مدخل لصراع جديد بين الشرق والغرب
الاتحاد الأوروبي وأمريكا في مواجهة مشروع الكرملين لـ “اتحاد أوراسي”
عمر نجيب
إلى أين يسير الصراع على النفوذ الدائر على الأرض الأوكرانية بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من جهة أخرى؟. سؤال كثر طرحه مع بداية الشهر الثالث من سنة 2014 خاصة بعد تدخل القوات الروسية في منطقة القرم وتحركها نحو المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا حيث أغلبية من السكان الروس الذين عارضوا التحولات السياسية التي طرأت على قمة هرم السلطة في كييف بعد أن نجح أنصار التوجه بالبلاد نحو الغرب في إسقاط الرئيس فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لبقاء الروابط التاريخية مع موسكو.
المحللون إنقسموا بشأن التطورات المستقبلية للصراع، البعض ذهب إلى حد دق طبول حرب عالمية ثالثة، فيما تحدث آخرون عن إشتداد الحرب الباردة بين الشرق والغرب وتوسع نطاقها إلى مناطق أخرى من العالم، فئة ثالثة قدرت أن الأزمة ستعرف تهدئة تدريجية، وأن موسكو ستنجح أما في استعادة جزء من نفوذها في أوكرانيا الجمهورية السابقة ضمن الإتحاد السوفيتي، وأما سيتم تقسيم البلاد لينضم غربها إلى الاتحاد الأوروبي بينما يعود الجزء الشرقي إلى الوطن الأم روسيا.
وكانت وكالة “إيتار تاس” الروسية للأنباء قد نقلت نهاية شهر فبراير 2014 عن جهاز حرس الحدود الروسي إن حوالي 675 ألف أوكراني فروا إلى روسيا في الشهرين الماضيين، متحدثة عن بوادر “كارثة إنسانية”. ونسبت إلى الجهاز تحذيره من أن “استمرار الفوضى في أوكرانيا” سيؤدي إلى “تدفق مئات الآلاف من اللاجئين على المناطق الحدودية الروسية”.
سقوط القرم
يوم الأحد 2 مارس 2014 صرح مسئول بالإدارة الأمريكية، إن القوات الروسية أكملت سيطرتها على شبه جزيرة القرم بجنوب أوكرانيا، وأضاف المسئول أن واشنطن تقدر عدد الجنود وعناصر البحرية الروسية المتواجدين على أرض الإقليم بنحو ستة آلاف شخص. في نفس الوقت تقريبا أشار بيان صادر عن مكتب المستشارة الألمانية أن الرئيس الروسي فلاديمير، بوتين قبل تأسيس لجنة لتقصي الحقائق والبدء بحوار سياسي. وفي اتصال هاتفي مع المستشارة أنجيلا ميركل، دافع بوتين عن تدخل بلاده في أوكرانيا ووصفه بالمناسب، مبررا إياه بسبب ما سماه عنف المتشددين القوميين في أوكرانيا.
البيان الألماني أعتبر في الغرب مؤشرا على أن واشنطن التي هددت موسكو بعقوبات وإنتقام تتراجع وتحاول الوصول إلى حل وسط تحفظ به جزء من مكتسباتها في المنطقة التي كانت ضمن إطار نفوذ الكرملين.
المشكلة التي تواجه إدارة الرئيس أوباما أنه بعد النصر الأولي الذي جسده لها إسقاط الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وتولي أنصار الغرب السلطة في كييف، أخذ الرئيس الروسي فلادمير بوتين زمام المبادرة.
فقدت أوكرانيا السيطرة على إقليم القرم بعد انتشار قوات روسية وانضمام جل القوات العسكرية الأوكرانية في المنطقة إلى الحكومة المحلية التي تخطط للانفصال والتي دعت إلى استفتاء شعبي على ذلك نهاية شهر مارس.
سلطات كييف فقدت كذلك أسطولها حيث أعلن قائد سلاح البحرية الأوكرانية الاميرال دنيس بيريزوفسكي الأحد ولاءه للسلطات الموالية للروس في شبه جزيرة القرم، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في مقر قيادة أركان الأسطول الروسي في سيباستوبول، وهو ما دفع السلطات في كييف إلى تعيين بديل له واتهامه بالخيانة العظمى.
وكان الرئيس الاوكراني الانتقالي اولكسندر تورتشينوف قد عين الاميرال بيريزوفسكي يوم الجمعة على رأس سلاح البحرية الأوكرانية.
وفور إعلانه الولاء لجمهورية القرم أعلن رئيس مجلس وزراء الجمهورية القرم تعيينه قائداً للقوات البحرية لجمهورية القرم.
موازاة مع خروج القرم عن سيطرة كييف أفادت تقارير عن دخول قوات روسية أخرى مناطق في شرق أوكرانيا حيث القسم الكبير من السكان من الناطقين بالروسية مثلما هو الحال في شبه جزيرة القرم. وفي الأيام الماضية، رفعت أعلام روسية فوق عدد من المقار والمنشآت في مدن بشرق أوكرانيا مثل خاركيف ودونيتسك وأوديسا، بينما تظاهر الأحد بموسكو آلاف الروس دعما لموقف الرئيس فلاديمير بوتين من أزمة أوكرانيا.
وفي هذه الأثناء، أعلن رئيس برلمان جمهورية القرم المتمتعة بحكم شبه ذاتي فلاديمير قسطنطينوف أن أغلب سكان الإقليم الناطقين بالروسية سيصوتون لصالح تشكيل دولة مستقلة وبالتالي الانفصال عن أوكرانيا في الاستفتاء حول وضع الإقليم والمقرر تنظيمه يوم 30 مارس الحالي.
العجز عن المواجهة العسكرية
بعد تهديدات بالمواجهة واستدعاء قوات الاحتياط والاستنجاد بحلف شمال الاطلسي لمواجهة موسكو، قال وزير الدفاع في الحكومة الأوكرانية المؤقتة إيور تنيا لأعضاء البرلمان إن بلاده لا تمتلك القدرة العسكرية لمواجهة الجيش الروسي، داعيا إلى إيجاد حل دبلوماسي للأزمة بين البلدين، في الوقت الذي بدأت فيه وحدات عسكرية أوكرانية بالانتشار في أرجاء من البلاد لمنع مزيد إنضمام مزيد من الأقاليم من التحول للإنضمام إلى روسيا.
وفي موسكو، قالت الحكومة الروسية إن رئيس الوزراء، ديميتري ميدفيديف، أجرى اتصالا هاتفيا مع أرسيني ياتسينيوك الذي يتولى رئاسة الحكومة الأوكرانية، عبر فيه عن “حرص الجانب الروسي على الاحتفاظ بالعلاقات الثابتة والودية مع أوكرانيا” ولكنه شدد على أن موسكو “تؤكد حقها في حماية المصالح المشروعة للمواطنين الروس المدنيين والعسكريين الموجودين في جمهورية القرم الذاتية الحكم”.
ولفت رئيس الوزراء الروسي إلى أن القوات المسلحة الروسية “يحق لها أن تعمل عند الضرورة في إطار التفويض الذي منحه مجلس الاتحاد بالبرلمان الروسي للرئيس فلاديمير بوتين” كما هدد “الموظفين الرسميين الأوكرانيين” بتحميلهم المسؤولية في حال “اتخاذهم قرارات منافية للقانون حول استعمال القوة ضد المواطنين الروس”.
دبلوماسيا وقبل إعلان ألمانيا عن إتفاقها مع الكرملين، حذر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري روسيا من أنها تواجه عقوبات اقتصادية وسياسية تؤدي إلى عزلها إذا واصلت توغلها العسكري في شبه جزيرة القرم.
وذكر كيري إن روسيا قد تفقد عضويتها في مجموعة الثماني إذا واصلت تدخلها العسكري في القرم والذي وصفه بأنه “عمل من أعمال العدوان”.
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما بحث مساء الأحد مع عدد من قادة الدول الحليفة مسألة التدخل الروسي في أوكرانيا. وكان أوباما قد حذر يوم السبت نظيره الروسي بوتين خلال اتصال هاتفي دام اكثر من 90 دقيقة استخدم خلالها أوبام كل ما في جعبته من وسائل ضغط وترغيب، من أن موسكو قد تتعرض لعزلة، ورد الأخير بأن لموسكو الحق في حماية مصالحها بالقرم وشرق أوكرانيا.
وفي واشنطن ذكر أن أوباما أكد لبوتين أن الولايات المتحدة “تعترف بالروابط التاريخية والثقافية المتينة التي تجمع” بين موسكو وكييف، و”ضرورة حماية حقوق الناطقين بالروسية والأقليات” في أوكرانيا.
بدوره لوح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قبل زيارته لكييف لتقديم الدعم للسلطات الانتقالية، بأن روسيا قد تخسر عضويتها في مجموعة الدول الثماني. وحذر كيري بوتين من أنه قد “يجد نفسه وقد جمدت أرصدة الشركات الروسية، وقد تنسحب الشركات الأميركية، وقد يتعرض الروبل لمزيد من الانخفاض”. وأضاف إن “الثمن سيكون غاليا… روسيا معزولة. وهذا ليس موقف قوة”.
بيد أن المحادثة الهاتفية بين وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل ونظيره الروسي سيرغي شويغو، يوم 1 مارس، كانت «أكثر جدية وعملية”، كما لاحظ مراقبون بالنظر إلى رفض الوزيرين الإفصاح عن مضمون النقاش.
وبينما دعا حزب سفوبودا الأوكراني القومي ومجموعة “برافي سكتور” اليمينية المتطرفة اللذان شكلا رأس حربة الحركة الانقلابية في أوكرانيا، إلى “تعبئة عامة”، فإن حلفاءهم من يمين الوسط توصلوا إلى استنتاج بأن الغرب لا يستطيع كبح التحرك الروسي، وبدأوا باتخاذ خطوات أكثر واقعية للتفاهم مع موسكو، رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة، زعيمة حزب “باتكيفشينا” “الوطن”، يوليا تيموشينكو، الشخصية الأقوى في السلطات الجديدة في كييف، تتوجه إلى موسكو، لبحث تسوية الوضع.
وسخر رئيس لجنة مجلس الدوما الروسية للشؤون الدولية، أليكسي بوشكوف، من الاقتراح الأمريكي إرسال مراقبين دوليين إلى القرم. وقال في تغريدة إن نتائج إرسال البعثة “ستخيب آمال” الولايات المتحدة، لأن المراقبين “سيرون دعما قويا لموقف روسيا”.
ويؤكد مراقبون أن موسكو لا تأبه كثيرا للتهديدات الأمريكية والغربية بـ”عزلها” دوليا حيث أن لفظ دولي يعني هنا الغرب فقط، ويحتاج الأمريكيون والأوروبيون لروسيا، في الملف النووي الإيراني، إذ يمكن للروس قلب المعادلة فيه بتجميد عضويتها في فريق 5 + 1، والشروع بتفكيك كامل للحصار عن طهران من خلال تعاون اقتصادي ودفاعي ثنائي، مع العلم أن هناك مستشارين في الكرملين يشككون استمرار خلافات إيران مع الغرب ويقدرون أنه عندما ينتهي الخلاف على تقاسم مناطق النفوذ في منطقة الخليج العربي ستصبح طهران جزء من التحالف الغربي، ولهذا فهم ينصحون بتركيز إهتمام موسكو على الدول العربية.
وبخصوص الملف السوري، تجاهل بيان للخارجية الروسية، يوم السبت 1 مارس، الحديث التقليدي عن الحل السياسي في سوريا إلى دعم كامل “لنضال سوريا في مواجهة الإرهاب”. ويشار، هنا، إلى أن الغرب يحاول الاعتماد على الروس، أيضا، في استيعاب السياسات الحربية لكوريا الشمالية، بالإضافة إلى الملفات الخاصة بالطاقة والتجارة الدولية وخطط مجموعة دول البريكس للقفز على الدولار الأمريكي كعملة للتبادلات الدولية.
زيادة على ذلك فإن موسكو حققت مكاسب في الشرق الأوسط بالتقارب مع مصر ودول عربية أخرى ملت ما تعتبره نفاقا أمريكيا تجاه قضايا أساسية لها.
إستعادة حق
كثيرون في الغرب لا ينظرون إلى تدخل موسكو في القرم كغزو بل بمثابة استعادة حق، ففي منطقة تنقلت فيها الحدود مع الاضطرابات السياسية والعسكرية لعقود، تغيرت القيادات عدة مرات، ففي حقبة الاتحاد السوفيتي كانت جزاء من الجمهورية الروسية، وفي خطوة مفاجئة، وغير مفهومة تماما، منح الرئيس السوفيتي السابق نيكيتا خروتشوف، القرم لأوكرانيا عام 1954، وقتها لم يكن لإعادة ترسيم الحدود مغزى كما هو الحال الآن، فالقرم كانت في ذلك الحين ضمن أراضي جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإشتراكي.
والقرم كانت مسرحا لأكبر الأحداث التاريخية، ففي عام 1945 تمت واحدة من أهم اجتماعات التحالف هنا، عندما انضم فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل للقاء جوزيف ستالين بمؤتمر يالتا في منتجع بالبحر الأسود، حيث جرى التخطيط للمرحلة الأخيرة من الحرب وبدء رسم خريطة أوروبا ما بعد الحرب.
كما أن شبه الجزيرة كان مسرحا للحرب القرمية في القرن الـ19 ضد الامبراطورية العثمانية، عندما تقاتلت القوى العظمى فيما بينها للسيطرة على العالم القديم والبحر الأسود الاستراتيجي.
وللقرم روابط قوية تاريخية وسياسية وجغرافية مع روسيا، والأهم من ذلك كله، قيمتها الاستراتيجية العالية، مدينة “سيفاستوبول” المتاخمة للقرن الجنوبي لشبه الجزيرة، تعتبر تاريخيا ميناء عسكريا رئيسي لروسيا، واليوم هي مقر أسطول البحر الأسود الروسي.
أوباما أمام اختبار صعب
في واشنطن يقول منتقدون لسياسة البيت الأبيض ومنهم المحافظون الجدد أن الرئيس الامريكي يواجه اختبارا صعبا ليثبت ما اذا كانت واشنطن تتمتع بالنفوذ أو الارادة لاجبار موسكو على التراجع، وما إذا كانت قادرة على عكس إنحسار نفوذها عالميا.
وقد كتب المحللان مات سبيتالنيك ووران ستروبل: يجد أوباما الذي تفادى التورط في أزمات عالمية قدر المستطاع وركز على الشئون الداخلية نفسه الآن وسط أخطر مواجهة بين الشرق والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة.
وعلى مدى شهور كان المسؤولون الامريكيون يقولون انهم لا يريدون أن تتحول الازمة السياسية في أوكرانيا الى صراع علني بين واشنطن وموسكو. لكن بعد أسبوع من عزل الرئيس المدعوم من روسيا سارع مساعدو أوباما للشؤون الخارجية إلى صياغة رد على التحركات التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفوض البرلمان الروسي بوتين بغزو أوكرانيا التي يعتبرها جزءا من مجال نفوذ روسيا وسيطرت قواته على شبه جزيرة القرم.
بوتين تجاهل تهديد أوباما بأنه “سيكون هناك ثمن” لاستخدام القوة في أوكرانيا. ويبدو ان الزعيم الروسي الذي كان أوباما يأمل يوما أن يصبح شريكا يصر الان على أن يكون عدوا.
لقد خلص بوتين فيما يبدو الى ان استعداد أوباما لخوض صراع بشأن أوكرانيا التي لا يعرف الكثير من الامريكيين سوى القليل عنها لا يضاهي استعداد روسيا لتأكيد سيطرتها على جمهورية سوفيتية سابقة تربطها بها علاقات تاريخية وثيقة ومصالح اقتصادية.
وقال جون مكين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزب الجمهوري وهم دائم الانتقاد للسياسة الخارجية التي ينتهجها أوباما على الرغم من أن الرئيس لا يريد أن ينظر لهذا الامر على أنه سيناريو للحرب الباردة فان بوتين يراه كذلك.
وأضاف لقد أغراه ظهور الولايات المتحدة بمظهر الضعف على الساحة الدولية.
ويبدو أن ادارة أوباما ليست أمامها سوى بضعة خيارات جاهزة للرد.
ويؤكد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن على الرغم من أن واشنطن وحلفاءها الاوروبيين استبعدوا استخدام القوة العسكرية فان بوسعهم ممارسة الضغط على موسكو من خلال اظهار أن لديها الكثير لتخسره اذا استمرت على النهج الحالي.
وتثير الأزمة المتصاعدة تساؤلات حول ما اذا كان البيت الابيض أدرك خطورة الازمة الاوكرانية وأولاها الاهتمام اللازم بالسرعة الكافية.
ويشير مسؤولون أمريكيون ومصادر أخرى إلى ان وزارة الخارجية خاصة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الاوروبية فيكتوريا نولاند دقت ناقوس الخطر منذ شهور بشأن موقف روسيا الاكثر “عدوانية” تجاه الجمهوريات السوفيتية السابقة خاصة أوكرانيا.
وتسارعت وتيرة تدخل واشنطن بعد قمة أوروبية في نوفمبر 2013 تراجعت خلالها أوكرانيا وأرمينيا تحت ضغط روسي شديد عن توقيع اتفاقيات مع الاتحاد الاوروبي.
وقال ديمون ويلسون نائب الرئيس التنفيذي للمجلس الاطلسي ومقره واشنطن والمستشار السابق للرئيس جورج بوش الابن للشؤون الاوروبية حينئذ شهدنا تدخل الامريكيين.
وأضاف أن نولاند صنعت السياسة الامريكية من القليل فعلا في ذلك الحين.
وقال مايكل مكفول الذي ترك منصب سفير الولايات المتحدة في موسكو منذ أيام ان الازمة الاوكرانية كانت تحت بصرنا على أعلى المستويات منذ بداية الخريف الماضي وانه هو شخصيا لعب دور الجسر بين البيت الابيض ووزارة الخارجية.
وذكر السفير السابق المقرب لاوباما بالهاتف لرويترز من المهم أن نفهم حدود ما نستطيع وما لا نستطيع القيام به لكن القول بأننا لم نعر الامر اهتماما غير صحيح.
وأشاد ويلسون بتحذيرات أوباما الاكثر حدة لروسيا. وقال انه سيكون على الولايات المتحدة الان أن تقرر حجم الضرر الذي لحق بالعلاقات الاوسع مع روسيا والمتوترة بالفعل بسبب الخلافات بشأن الحرب الاهلية في سوريا. ومضى يقول ان السؤل هو في أي مرحلة ستزداد حدة هذا الخلاف الى حد أن يؤثر على القضايا الاخرى.
وقال جيمس كولينز سفير الولايات المتحدة في موسكو من عام 1997 الى عام 2001 انه بالمقارنة مع اخر أزمة كبيرة مرت بها روسيا وهي حربها مع جورجيا عام 2008 يمكن أن تكون هذه اكثر حدة على صعيد إفساد علاقات روسيا مع الاوروبيين والولايات المتحدة.
لكن أوباما الذي ظهر امام الكاميرات في البيت الابيض بعد مؤشرات على زيادة النشاط العسكري الروسي في القرم كان غامضا في تهديده فيما يتعلق بالعواقب.
وقال مسؤول كبير بالإدارة الامريكية ان من بين الخيارات التي تجري دراستها عدم المشاركة في قمة مجموعة الثماني التي تعقد في سوتشي في يونيو ورفض المبادرات الروسية من اجل علاقات تجارية أعمق.
وبعد المكالمة الهاتفية بين بوتين وأوباما حذر البيت الابيض في بيان من أن روسيا تجازف بمزيد من العزلة السياسية والاقتصادية.
ويقول مكفول انه اذا كان من السابق لأوانه التفكير في عقوبات اقتصادية فانه سيكون هناك وقت ومجال لاتخاذ إجراءات عقابية ضد روسيا إذا واصلت ما يجري على الأرض في القرم.
ومازالت واشنطن في الوقت الحالي تتحدث إلى موسكو على أعلى مستوى.
وحين سئل مسئول أمريكي عما إذا كانت بعض الوحدات العسكرية الأمريكية في حالة تأهب بسبب الاضطرابات في القرم قال انه لا يوجد تغيير في موقف الجيش الأمريكي وان الولايات المتحدة تركز على الخيارات الدبلوماسية.
وقال مسؤول كبير في الادارة الأمريكية ان فريق أوباما للأمن القومي اجتمع لبحث الخيارات السياسية.
مساعدات لأوكرانيا
وإلى جانب القوات أوضح بوتين أنه مستعد لضخ الأموال في أوكرانيا لجذبها الى فلك روسيا.
ويدرس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي تقديم دعم مالي لحكومة أوكرانيا الجديدة مع وعود بمساعدات أكبر من صندوق النقد الدولي اذا أجرت كييف تعديلات اقتصادية بعد الانتخابات المقررة في مايو.
وتشعر واشنطن بالقلق بشأن ما اذا كان التمويل سيصل بالسرعة الكافية لدعم اقتصاد أوكرانيا المتداعي. وتتزايد الضغوط في الكونغرس الامريكي لتسريع وتيرة المساعدات الامريكية.
ويجد أوباما نفسه بلا سفير في موسكو في وقت مفصلي خطير، وإن كانت الادارة الامريكية تتجه لتدارك هذا الموقف.
وأشار مسؤولون الى انه رغم أن رحيل مكفول كان مقررا منذ شهور فان مستشارة أوباما للامن القومي سوزان رايس ووزارة الخارجية لم يوافقا الا مؤخرا على مرشح ليخلفه وهو مؤشر على أنه ربما يتم الاعلان قريبا عن السفير الجديد.
وسرت تكهنات في واشنطن بأن من بين الاسماء المطروحة ثلاثة سفراء سابقين لدى أوكرانيا هم جون تيفت وستيفن بيفر وكارلوس.
حيرة الغرب
هناك حيرة في الغرب بشأن سياسة روسيا التي تصور البعض أنها تخلت عن دورها كقوة عظمى، كتب ليون آرون، وهو باحث مقيم ومدير الدراسات الروسية في معهد امريكان انتربرايز.
“علينا أن نفهم كيف يفكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما هي استراتيجيته. بوتين، يتبع مبدأ نابليون بونابارت القائم على “أولا أدخل في المعركة، ومن ثم قرر ما عليك فعله”.
استراتيجية بوتين ترتكز بالأصل على عدة جوانب، منها السياسة الخارجية، والتي تتكون من ثلاثة مبادئ ضرورية، وهي أن روسيا قوة نووية عظيمة في العالم إلى جانب أنها مركز القوة بعد العهد السوفيتي، وهذه الأمور تتفق عليها كل الأنظمة التي حكمت البلاد، والاختلاف يتمحور فقط حول طريقة تعامل هذه الأنظمة مع هذه المبادئ وطريقة تطبيقها.
الطريقة التي أثرت فيها الأحداث على روسيا بوتين، كانت بتوجيهها ضربة قوية إن لم تكن ضربة قاضية إلى مبدئين من المبادئ الثلاثة، وهما مبدأ روسيا “القوة العظمى،” باعتبار أن الغرب قد فاز في أوكرانيا بعد إزالة الحليف، فيكتور يانكوفيتش عن السلطة، بالإضافة إلى ضرب مبدأ هيمنة روسيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي.
بالنسبة لموسكو، لابد من تخفيف حدة هذا الأثر، قبل أن تصبح تأثيراته غير قابلة للتغيير بعد إعادة رسم خارطة يوروآسيا بشكل نهائي، وعليه فإن زعزعة استقرار أوكرانيا واحتوائها في سبيل ابعادها عن الحلف الأوروبي تعتبر أهم هدف حالي للسياسة الخارجية والداخلية بروسيا. بالعودة إلى مبدأ نابليون، فإن ما يقوم به بوتين في أوكرانيا هو زيادة الضغط على أوكرانيا لمعرفة ماذا يمكن فعله وماذا لا يمكن فعله، مع وقفات قصيرة للنظر إلى ردة فعل الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.
يعلم بوتين كما تعلم الولايات المتحدة الأمريكية بأن واشنطن لن تنخرط في معركة حول أوكرانيا، ومع إقصاء الخيار العسكري عن الطاولة فإن للولايات المتحدة وسائل وإجراءات دبلوماسية واقتصادية أخرى بمتناول يدها.
الخطوات التالية للغرب لا يصعب التنبؤ بها، حيث أن المكالمات الهاتفية بين بوتين والولايات المتحدة الأمريكية سيتم استبدالها ببيانات صادرة عن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الاوروبي، والتي تحذر روسيا من “عواقب” احتلال أوكرانيا، وأن هذه البيانات ستؤكد على أن روسيا ستقوم بعزل نفسها عن العالم، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
كابوس الأمريكيين والأوروبيين
كتب محلل عربي أن الصدام بين روسيا والولايات المتحدة وغرب أوروبا في أوكرانيا، يخفي في طياته صراعا أكبر:
إن صمد فلاديمير بوتين سياسيا في الشرق الأوسط ثم عزز مكانة روسيا اقتصاديا من خلال “اتحاد أوراسي” شبيه بـ”الاتحاد الأوروبي”، فذاك كابوس الأمريكيين والأوروبيين.
تدرك أوروبا وأمريكا جيداً أن ما يسمى بالثورات “السلمية” لن تحقق مرادهما هذه المرة، وأنه لا يمكن استعادة التجربة البرتقالية بنجاح الآن، فهما مفلستان، والأهم أن الوقت يدهمهما. لماذا؟ لأن فصل الربيع بات على الأبواب، وهو هذا العام ربيع روسي يتسبب بحساسية مزعجة للقارتين المريضتين اقتصاديا.
الحساسية الروسية الموجعة تلك سببها اقتراب موعد إطلاق أحد أكبر مشاريع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإقليمية. مشروع يقوم على إنشاء “اتحاد أوراسي” موسع على غرار “الاتحاد الأوروبي”، من المفترض أن يضم الى جانب روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا كلاً من أرمينيا وقيرغيزستان و… أوكرانيا. مشروع ضخم اتفق على توقيع أولى معاهدات توسعه خلال ربيع هذا العام أي في الأسابيع والأشهر المقبلة على أن يطلق رسمياً في اليوم الأول من عام 2015.
فكرة جمع الدول الأوروبية والآسيوية التي كان يجمعها الاتحاد السوفياتي سابقا في اتحاد جديد يضمن اتفاقيات اقتصادية وسياسية وأمنية مشتركة وتبادل مصالح وتطوير قطاعات، هي من أبرز طموحات الرئيس بوتين منذ توليه السلطة، والتي لاقت ترحيبا من معظم الدول المعنية. وقد شهد الاتحاد ولادة نواته الأولى بين روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا عام 2010، ما لبث أن تطور عام 2012 الى منطقة اقتصادية موحدة بين تلك الدول.
المشروع الأوراسي المرتقب بقيادة روسية هو، بالطبع، أحد أكبر كوابيس “الاتحاد الأوروبي” الذي يخشى ظهور جسم قوي قادر يحل محله أوروبياً ودوليا. هذا المشروع هو أيضا بالنسبة إلى الولايات المتحدة تهديد لمصالحها واستعادة لكابوسها الأحمر الأكبر أي التجربة السوفياتية. هكذا، في غمرة فشلهم الاقتصادي وتراجعهم السياسي، وجد الأوروبيون والأمريكيون أنفسهم عاجزين عن إيقاف تقدم مشروع أوراسي متين اقتصاديا، ومتفوق في الطاقة والأمن والثقافة، فلجأوا الى ما أتقنوه دائما، أي خلق الفوضى وتنفيذ الانقلابات. وبما أن أوكرانيا هي إحدى أبرز الدول التي يخشى من انضمامها الى “الاتحاد الأوراسي” الجديد، وهي الكيان المؤلف من أعراق وإثنيات عديدة وتشوبه انقسامات سياسية، وهي الساحة التاريخية لتوقيع التسويات بين الغرب وروسيا، كان الانقلاب الأوكراني الأخير الذي تبناه علناً كل من “الاتحاد الأوروبي” وواشنطن. لذلك كان “الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي” المطلب الأساسي وراء تحركات كييف هذه المرة، ألصق به لاحقا، ولــ”ضرورات ثورية”، مطلب “الديموقراطية والتخلص من الحكم الديكتاتوري ومن الهيمنة الروسية”.
الحملات الغربية
تفصيل توقيع معاهدة توسيع “الاتحاد الأوراسي” غاب عن معظم التحليلات السياسية الأمريكية والفرنسية والبريطانية، لتركز الحملات الإعلامية على “الثورة الواعدة” وعلى “قمع الشرطة الأوكرانية للمتظاهرين” وعلى “فساد الرئيس الأوكراني الديكتاتوري” وعلى “تبعية النظام الأوكراني لروسيا”… مرة جديدة، اختصر الغرب كل أوكرانيا بكييف، وحوالى 45 مليون أوكراني بالمتظاهرين في ساحة مايدن. لم يحذر أحد من داعمي “الثورة” الأوكرانية من أن المعارضة لا تملك أي مشروع سياسي بديل ولا تقدم أي خطة واضحة لقيادة البلاد في المستقبل.
وعندما قررت روسيا “الدفاع عن المواطنين من الروس ومن الناطقين بالروسية في شبه جزيرة القرم” وعن “مصالحها” هناك، كما أعلن مسؤولوها، انتقلت الحملات السياسية والإعلامية الغربية الى العزف على وتر “الحرب الأهلية” والتهويل بـ”التقسيم” وبـ”خرق بوتين للقوانين الدولية” و”اعتدائه على سيادة أوكرانيا”. مقالات قليلة أشارت الى وجود عدد كبير من المواطنين الأوكرانيين ممن يؤيدون العلاقات المميزة مع روسيا وممن لا يرون أن الحكومة الحالية تمثلهم، وصولاً الى ترحيب البعض بالتدخل الروسي العسكري في البلاد. أما عدسات بعض الكاميرات القليلة فلم تتمكن من تجاهل لافتات علقت بين مدينتي سيمفيروبول وسيباستوبول، تقول “حيث نوجد تكون روسيا” و”روسيا هي مقبرة الأفكار السيئة. لا يمكنك أن تنتصر عليها”.
الاستقطاب العرقي والإثني
تتداخل سياسة الاستقطاب العرقي والإثني مع الانتماء الديني أيضا، ففي حين أن أغلبية الأوكرانيين يتبعون للكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا “الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية”، يرتبط نصف هؤلاء الأرثوذكس بالبطريرك كيريل “بطريرك موسكو وسائر روسيا”. ومن الملاحظ أن القوميين المتطرفين وأنصار المعارضة في الغالب تتبع بطريرك كييف، فيما أتباع حزب الأقاليم يتبعون عموما موسكو كمركز روحي. وهنا تعود الصورة اليوغوسلافية إلى الذاكرة من جديد.
ويتعقد المشهد أكثر عند الحديث عن الأقليات الأوكرانية. فهناك الكاثوليك الذين يعتبرون تاريخيا وكلاء لبولندا إضافة إلى اليهود. ووفقا لصحيفة “جيروزاليم بوست” والوكالة اليهودية، اتخذ يهود أوكرانيا قرار المشاركة في الاحتجاجات إلى جانب القوميين.
وهناك أيضا المسلمون، وغالبيتهم من التتار الموجودين في شبه جزيرة القرم. وهؤلاء، وإن كانوا تاريخيا قد وقفوا إلى جانب العثمانيين ضد روسيا، إلا أن موقفهم الحالي، بالعموم، إلى جانب الحكومة الأوكرانية السابقة. وربما كان هذا الموقف عائدا إلى محاولة التتار الحفاظ على بعض الحقوق فيما لو انفصل القرم، وخاصة أنهم يشكلون فقط نحو 12 بالمئة من عدد سكان شبه الجزيرة.
أما في اللغة، فإنه يصعب الإحصاء الدقيق للناطقين باللغة الروسية، نظرا إلى قربها مع اللغة الأوكرانية. ويحكى أنه في بعض الأجزاء من أوكرانيا، من الصعب جدا تحديد ما إذا كان السكان هناك يتحدثون لهجة من اللغة الأوكرانية أو الروسية، ما يجعل الخطوط الفاصلة بين الهوية واللغة الأوكرانية والروسية غير واضحة المعالم، ومثار التباس كبير.
ولا ينحصر الالتباس وعدم الوضوح هذا على اللغة فحسب، بل يتعداه إلى العرقية، حيث يصعب التمييز بين من هو أوكراني عرقيا ومن هو روسي. ويتعقد المشهد العرقي أكثر عندما نعلم أن هناك أقلية من العرقية الروسية تتحدث الأوكرانية لغةً أولى، فيما هناك من هم من عرقية أوكرانية يتحدثون الروسية لغةً أولى.
لقد روجت المعارضة الأوكرانية عن عمد، وبخلفيات قومية، أنهم ينتمون إلى الاتحاد الأوروبي حيث التفوق الثقافي، بينما صوروا الثقافة السلاف شرقية على أنها ثقافة دونية. بعض هذه المعارضة وصلت إلى حد التمجيد بأدولف هتلر والرايخ الثالث لغزوه الاتحاد السوفياتي. الدعم الغربي للمعارضة الأوكرانية، وإن كان يبدو، بحسب الظاهر، هو لجلب أوكرانيا إلى فلكها، إلا أنه يهدف في نهاية المطاف إلى تخريب الاتحاد الروسي ومشروع التكامل الأوراسي. وهنا تظهر الأبعاد الجيو استراتيجية للصراع على أوكرانيا، فالطريق إلى موسكو يمر عبر كييف. والحملة الغربية على أوكرانيا هي في الواقع حملة جيو استراتيجية ضد روسيا.
omar_najib2003@yahoo.fr