بعد فتح مكة وسقوط المعقل الأكبر للوثنية, توسعت حدود الدولة الإسلامية الفتية لتصل الى العراق والشام شمالا, والى اليمن جنوبا والتي التحقت بالدولة الإسلامية سريعا, ومن البحر الأحمر الى الخليج العربي, فتحولت الدولة الفتية الى قوة عسكرية واقتصادية وسياسية, تمثل تهديد حقيقي للدولتين الفارسية والرومانية, وهذه الدولتين الحرب بينهما حرب شغلتهم عن المولود الجديد, فكان فكرة قيام أحدى الدولتين بحرب ضد الدولة الإسلامية صعب تحقيقها, بالاضافة لطبيعة جغرافيا الدولة الإسلامية بصحرائها الشاسعة, مما يعني أن العامل الخارجي لم يكن يمثل تحدي كبير بعد فتح مكة.
لكن الداخل كان هو التحدي الأكبر للدولة الإسلامية, خصوصا أن فريق المنافقين في المدينة المنورة كان نشطا, منتظرا الفرصة للوثوب على الإحداث, ومن جهة أخرى, وجد هذا الفريق دعم جديد بعد فتح مكة, من منافقي قريش والإعراب, الذين دخلوا الإسلام مع الداخلين, حفاظا على مكانتهم وخوفا من فاتحي مكة, ويمثل نوع من إعادة ترتيب للأوراق, ومحاولة للخروج بأقل الخسائر.
وبعدها بدأت خطوات فريق المنافقين, لإزاحة السلطة السياسية الشرعية, ثم السيطرة على الدولة الإسلامية.
● محاولة اغتيال الرسول الخاتم (ص) في غزوة تبوك
قبل الشروع في غزوة تبوك, أدرك الرسول الأعظم (ص) خطورة المرحلة, فقرر استخلاف الأمام علي (ع) على المدينة المنورة, وخرج مع الجيش الإسلامي, حيث كان اتفاق بين منافقي المدينة ومكة والإعراب على اغتيال الرسول, وتمثلت خطة المنافقين بتنفير ناقة الرسول (ص), عند العبور في بعض الممرات الجبلية الوعرة, كي تقع الناقة بالوادي ويتم قتل الرسول الأعظم (ص), أما الكيد بالأمام علي فكان أن عمد فريق المنافقين, لحفر حفرة عميقة في طريق عودته, وتربصوا منتظرين وقوعه, كي ينهالوا عليه بالصخور, لكن الله عز وجل رد كيدهم في نحرهم, وفشلت المؤامرتين.
وكانت تلك انتكاسة كبيرة لفريق المنافقين, وخيبة غير متوقعة بعد التخطيط المحكم, لكن لم تتوقف الجهود بل كانت على وتيرة متصاعدة, قبل أن تفلت الأمور من أيدي فريق النفاق.
● اتفاقية المنافقين نحو المستقبل
بعد انتهاء غزوة تبوك والرجوع للمدينة المنورة, كانت اجتماعات المنافقين مستمرة, كي يصلوا الى قرارات لخطوات تحركهم القادم, وتمخضت الاجتماعات على مبادئ يسيرون عليها, وهي :
1- الإبقاء على الإسلام دينيا للدولة, للحفاظ على وحدة الدولة ولضمان سيادة قريش على العرب, وللسيطرة على القوة البشرية, هذا القرار تم بعد أن شاهدوا بأعينهم قوة الإسلام, أمام الدولة الرومانية والفارسية.
2- قتل النبي الخاتم (ص) بأقرب فرصة مناسبة.
3- محاصرة بني هاشم اجتماعيا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا.
4- محاولة أشراك بعض رجال الأوس والخزرج في المؤامرة.*
وشرع فريق النفاق بالعمل بكل جد على تنفيذ الاتفاق, حيث شرع القرشيين بتنفيذ محاصرة بني هاشم اجتماعيا واقتصاديا, ووجدوا بالبعض خير عون ممن يتوافقون مع مخططاتهم الرامية, للانقلاب والسيطرة على الحكم.
● حجة الوداع, وتأثيراتها
كان الرسول الأعظم (ص) يدرك خطر المنافقين على الرسالة المحمدية, فكان ينتظر الأمر الإلهي للقيام بخطوة رسمية لدفع الخطر, وبعد الفراغ من حجة الوداع, جاء الأمر الإلهي بتنصيب الإمام علي خليفة من بعده, وتم في غدير خم التنصيب, بحضور مائة وعشرون ألف بعد موسم الحج وقبل التفرغ, وبايع الأمام علي كل من حضر من المسلمين, عندها أصاب الهلع فريق المنافقين, فتكاد الأمور تفلت من أيديهم, بعد التنصيب الرسمي للأمام علي, باعتباره خليفة رسول الله وبحضور اكبر جمع من المسلمين.
بعد الرجوع للمدينة عاد الحديث عن قرب رحيل الرسول الخاتم (ص), وفي تلك الأيام أحس القرشيون بالخطر, وأدركوا أهمية التحرك السريع والدقيق لتحقيق غايتهم, وهذا الأمر كان يحتاج الى تعبئة الطاقات, للسيطرة على الأوضاع داخل المدينة, فكان القرشيون يصرحون وبشكل علني في مجالسهم أنهم أذا مات النبي فأنهم يعزلون الخلافة عن أهل بيته, وعمدوا لنشر الإشاعات وإثارة العداء مع بني هاشم, ومحاولة التقليل من شانهم, وتم ترتيب خطة محكمة بين منافقي المدينة, وجماعة قريش, والأعراب القريبين من المدينة خصوصا “بني اسلم”, بالاضافة للحليف القوي “اليهود”.
● مأساة الرحيل وما تبعها
في اللحظات الأولى لوفاة الرسول (ص) حصل التغيير, ونجح القرشيين في مخططهم بأبعاد الأمام علي (ع), وأبعاد بنو هاشم والكثير من الصحابة الأوائل, ومع اليوم الأول للانقلاب بدأت بوادر المصيبة, فالأمور تغيرت, وتنفس من جديد قادة كفر ألامس, فالسلطة تعود لهم, وفرح اليهود حيث كان حرف المسيرة المحمدية همهم الأكبر, وتحققت الأهداف المخطط لها مع رحيل الرسول الخاتم (ص).
أنه كشف لحقيقة محزنة حاول الكثير من الكتاب طمسها, وعلى مر التاريخ, لكن بقيت الحقيقة فاضحة تكشف حجم الجريمة وفاعلها, انه احد أهم أيام المسلمين, فهو اليوم الذي تفرق فيه المسلمين.