النهار اللبنانية: هشام ملحم
“إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي
ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني”…
معاوية بن أبي سفيان
عندما قال الرئيس الاميركي باراك اوباما ان استخدام النظام السوري الاسلحة الكيميائية او حتى نقله اياها سيشكل اجتيازا غير مقبول لخط احمر، فإنه لم يشرح ماذا سيكون رده اذا اجتاز بشار الاسد مثل هذا الخط. ما لم يدركه اوباما آنذاك هو انه بمثل هذا التحذير العام وضع نفسه في قفص لا يعرف كيف يخرج منه من دون احراج كبير لصدقيته او لسمعة الولايات المتحدة. ما رشح عن خلفية هذا التحذير، وفقا لصحيفة “النيويورك تايمس” هو ان المشاورات الداخلية بين كبار مساعدي الرئيس لم تتطرق قط الى مفهوم الخط الاحمر، وان الاشارة اليه كانت اجتهادا شخصيا واعتباطيا من الرئيس نفسه. الامر اللافت هو ان اوباما – على نقيض سلفه جورج بوش – حذر للغاية ونادرا ما يسمح لنفسه بأن يكبو نتيجة زلة لسان.
ومنذ اضطرار البيت الابيض الى كشف الاستخدام المحدود لنظام الاسد للاسلحة الكيميائية، في رسالة مترددة الى بعض فاعليات الكونغرس احال فيها اوباما قضية التحقيق على الامم المتحدة، والرئيس الاميركي يبذل قصارى جهده ليؤكد ان الادلة الاولية هي… أولية، وغير قاطعة، وقت كان الناطق باسمه يوضح ان الرئيس عندما اصدر تحذيره في شأن الخط الاحمر لم يقل ان اجتيازه سيؤدي الى هذا الرد او ذاك…؟ ويستغل اوباما قلق الاميركيين الشرعي من التسرع في اطلاق الاحكام والتقويمات الاستخبارية المطلقة، وخصوصا في شأن اسلحة الدمار الشامل في ضوء التجربة الكارثية في العراق.
لكن ما هو ابعد من تجربة العراق (التي يمكننا ان نقول إن أوباما قد بالغ في تعلم دروسها) ان أوباما كان ولا يزال يقاوم بشدة التورط العسكري في اي نزاع في العالم.
ومعضلة اوباما انه لم يتعلم من حنكة ماكيافيللي ولم يطلع على دهاء معاوية. التهديد المبطن او الذي يوحي به أفضل بكثير من التهديد العلني او النافر. والقائد الذي يصدره على طريقة اوباما عليه ان يؤكد لخصومه انه مستعد لارغامهم على دفع ثمن باهظ اذا اجتازوا الخط الاحمر. دهاء معاوية في تعامله مع خصومه (في ما يمكن وصفه بمبدأ التصعيد في التعامل مع الخصوم او الاعداء المحتملين) يجعله يبدأ بلسانه، للاقناع او الثناء او التملق، قبل ان يشدد ويلمح الى استعداده لاستخدام السوط للترهيب. لكن مبدأ معاوية مبني على اهمية ادراك خصومه، انهم اذا تجاهلوا لسانه او لم يخافوا سوطه، فإن السيف، خياره الاخير، سيكون في انتظارهم.