لو كانت تحدوك شكوك في أن تعامل الرئيس أوباما مع سوريا بمثابة إخفاق تام، انظر إلى المشهد المحير هذا الصباح، إذ يندفع كبار مساعديه نحو إلقاء اللوم فيه عند قدمي رئيسهم.
في «وول ستريت جورنال» اليوم، يسرب مسؤولون رفيعو المستوى معلومات عن محاولتهم اليائسة إثناء أوباما عن «تحوله المحير» إزاء فكرة شن غارات جوية وقراره بالتوجه إلى الكونغرس. «تلقى ردود فعل سريعة – وسلبية – من فريق عمله»، حسبما تشير «وول ستريت جورنال». نعلم أن مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، حذرت من «أنه خاطر بتقويض سلطاته كقائد عام»، المستشار رفيع المستوى دان فايفر، ووزير الدفاع تشاك هاغيل، «أعربا أيضا عن مخاوف». غير أن أوباما تجاهل نصيحتهما و«راهن على أية حال».
نحن ندير شؤون السياسة الخارجية بأسلوب الزلة. لم يكن هذا الحدث برمته مدفوعا باستراتيجية متعمدة بل بزلات لسان. كان إعلان أوباما عن «خط أحمر» بشأن الأسلحة الكيماوية زلة لسان. وكذلك كان عرض وزير الخارجية جون كيري بحمل سوريا على التخلي عن أسلحتها الكيماوية. لا توجد خطة أو التزام بأي عمل تقوم به هذه الإدارة بشأن سوريا.
الأمر الأكثر إحراجا مع ذلك هو أن أوباما يزعم فعليا أن تقدمه الدبلوماسي هو نتيجة استعراض إدارته لقوتها.
هل تسامحونني؟
هل كان توجه أوباما إلى دول العالم وطلبه منها الانضمام إليه في فرض «خطهم الأحمر» – ليجد دولة واحدة فقط (هي فرنسا) مستعدة للقيام بهذا، استعراض للقوة؟ أو عندما رفض البرلمان البريطاني توجيه ضربة عسكرية للمرة الأولى منذ القرن الثامن عشر؟ أو عندما أخبر مسؤول أميركي صحيفة «لوس أنجليس تايمز» بأن توجيه ضربة أميركية «لن يكون عملا قويا بالدرجة الكافية لمحاكاته؟» أو عندما أعلن كيري عن أن أية ضربة ستكون «صغيرة على نحو لا يمكن تصديقه» ولن تمثل «حربا» في واقع الأمر؟ أو عندما وظف أوباما خطابه الذي يبث تلفزيونيا على المستوى الوطني في أوقات ذروة المشاهدة لمطالبة الكونغرس بألا يفعل شيئا؟
ليس هذا استعراضا للقوة. إنه إحراج.
فكرة أن تسلسل الأحداث أدت ببشار الأسد إلى الذعر والموافقة على تسليم أسلحته الكيماوية مضحكة. روسيا وسوريا تقفان كندين لنا.
كذلك، فإن الإدارة، التي كانت على وشك فقدان صوت في الكونغرس، تمسكت بهذا الحل الدبلوماسي لحفظ ماء وجهها.
من المفترض أن يكون رئيس الولايات المتحدة هو من يمنح ديكتاتورا مخرجا لحفظ ماء وجهه وليس العكس. الحقيقة المرة هي أن أوباما كان في حاجة لهذا المخرج بدرجة تفوق الأسد.
من الواضح أن حتى إدارة أوباما لا تصدق هذه الدعاية التي تروجها. تشير صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنه في اليوم نفسه الذي استحوذت فيه روسيا على عرض كيري غير المقصود لجعل سوريا تتجنب الضربات العسكرية عن طريق نزع السلاح، «أرسلت الإدارة مذكرة إلى المشرعين توضح فيها سبب ضرورة عدم الثقة في روسيا في ما يتعلق بالشأن السوري».
يعتبر الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه نهاية هذا الأسبوع بمثابة استسلام شبه كامل. وفقا لإصرار روسيا، لا يحمل أي تبعات عسكرية نتيجة عدم امتثال سوريا، ولا يذكر حتى من يلقى عليه اللوم في الهجمات الكيماوية.
وافقت الإدارة حتى على مطلب موسكو بحماية الأسد من الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وبمجرد الإعلان عن ذلك، سارع مسؤولون سوريون بالإشارة إلى أنه «انتصار لسوريا، تحقق بفضل أصدقائنا الروس».
إذا أراد أوباما استعراض القوة، لأمكنه توظيف خطابه الأسبوع الماضي في توجيه إنذار أخير للأسد. كان بوسعه أن يطرح مخططا لما تحتاج سوريا القيام به لتجنب توجيه ضربة عسكرية ضدها، وأن يعلن عن أن مطالبه ليست قابلة للتفاوض وأن يحدد موعدا نهائيا واضحا للأسد للإذعان، ويوضح أن عدم الالتزام سينجم عنه رد فعل عسكري مدمر.
لكن كانت روسيا وسوريا هما الدولتين اللتين تطرحان تلك المطالب. ارتقت روسيا بموقعها على الساحة الدولية على حساب أميركا، من خلال توجيه الرئيس فلاديمير بوتين محاضرة للرئيس في مقال رأي بصحيفة «نيويورك تايمز» عن مخاطر الاستثنائية الأميركية. لقد أضحت فرنسا – التي خاطرت بمكانتها لدعم أوباما – في موقف عصيب جدا. الثوار السوريون جزعون. تحدث أحد قادة الثوار إلى صحيفة «نيويورك تايمز» قائلا: «لقد فقد أوباما مصداقيته تماما». رفض اللواء عدنان سلو، الرئيس السابق لأركان إدارة الحرب الكيماوية للأسد الذي انشق وانضم للثوار، الاتفاق وأعلنها قائلا: «إلى الجحيم مع أميركا».
لكن لا تبالوا مطلقا بهذا. ثمة أخبار سارة! مد الحرب في سوريا ينحسر. يمكننا العودة إلى بناء الأمة هنا في أرض الوطن.
كان مسؤولو البيت الأبيض متلهفين على طرح هذا الفشل وراء ظهورهم، إلى حد أنه قبل أن تتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاقية بوتيمكين لنزع السلاح يوم السبت الماضي، كانوا قد أعلنوا عن بعدهم عن التركيز على سوريا. وبعد مرور أقل من 48 ساعة على الخطاب الذي وجهه أوباما للأمة، أعلنت «أسوشييتد برس» أن «الرئيس باراك أوباما يطلب من حكومته التركيز على الشؤون المحلية، بغض النظر عن الجدال غير المحسوم بشأن الأسلحة الكيماوية في سوريا». انسوا أن الأسد وصف أوباما بالمخادع واستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه ونجا بفعلته. لقد تجنب الرئيس هزيمة معرقلة في الكونغرس. نجونا من أزمة، وحان الوقت للمضي قدما.
في المقام الأول، معركة سقف الدين تقترب، وأعلن أوباما بقوة أنه لن يتفاوض.
أجل. السؤال هو: هل أظهر الدرجة نفسها من الحزم مع سوريا؟
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط