فانس سيرشوك
سوف ينطلق جون كيري قريبا في أول رحلة خارجية له بعد توليه منصب وزير الخارجية. وسيكون هدف الرحلة الأساسي هو الصراع الذي تشهده سوريا كما أوضح، حيث لا توجد أزمة جديرة باهتمام الدبلوماسية الأميركية أكثر من الأزمة السورية ويستحق كيري الثناء لإلقائه بنفسه فورا في هذا الأتون.
ومع ذلك، قبيل الرحلة أشار كيري إلى أن مفتاح وقف حمام الدم في سوريا هو تغيير حسابات بشار الأسد، التي أعلن عنها بشكل متكرر خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأن الطريق لتحقيق هذا قد يمر عبر موسكو. ويكرس هذا شبح تكرار الإدارة الأميركية لأخطاء الماضي عوضا عن وضع سياسة جديدة تجاه سوريا. أول خطوة في هذا الاتجاه هو عقد آمال غير واقعية على الروس. إذا كنا تعلمنا درسا خلال العامين الماضيين فهو أن الكرملين لا يعتزم مساعدة الولايات المتحدة في تنظيم جهود خروج الأسد من السلطة. وليس سبب هذا الأسلحة التي تبيعها روسيا لسوريا أو المنشآت البحرية بها أو ضعف العلاقة الأميركية – الروسية، بل لأن الكرملين يعتقد أن لديه مصلحة أكبر في إجهاض تغيير نظام آخر بتخطيط أميركي، حيث يرى أن التدخلات التي تمتد من صربيا إلى ليبيا تهديد للاستقرار العالمي وكمقدمة تسبق اليوم الذي يستخدم فيه هذا ضد روسيا.
الأهم من ذلك هو أن ثقة الروس في قدرتهم على التأثير على دمشق أقل من ثقة واشنطن في ذلك، فحتى إذا أرادت موسكو الضغط على الأسد، لن يكون من المؤكد إقناعه بالتفكير في التخلي عن المنصب في الوقت الذي لم تنجح العراقيل الدبلوماسية والعسكرية التي لا تحصى في ذلك، بما في ذلك خسارة الحلفاء الأتراك وسيطرة الثوار على ثلث البلاد.
ويقودنا هذا إلى مشكلة ثانية أكثر عمقا في صيغة كيري. طالما راهنت الولايات المتحدة باستراتيجيتها على الأمل في إقناع الأسد وأسوأ مساعديه بأن التخلي عن مناصبهم سيمهد الطريق إلى تسوية بين أطياف المعارضة السورية وفلول النظام تجنبا لانهيار يشبه الذي حدث في العراق. ومع ذلك تزداد الشكوك في فعالية فكرة «الانتقال السياسي السلمي» يوما بعد يوم. بدلا من أن يتغير النظام دون انهيار الدولة، سيحدث العكس في سوريا، حيث تتجه الدولة للتحول إلى دولة فاشلة يستمر فيها النظام المتقلص المتماسك، حتى إن كان هذا يعني التخلي عن دمشق وتأسيس دولة على ساحل البحر الأبيض المتوسط أكثر طائفية وتحالفا مع إيران وحزب الله، بحماية الأسلحة الكيماوية والجماعات المسلحة المدعومة من الحرس الثوري الإيراني. من غير المرجح أن يكون لدى النظام نية للتفاوض على نهايته أو قدرة على ذلك سواء كان الأسد هو الرئيس أم لم يكن.
على الجانب الآخر من الصراع يستمر تزايد نفوذ المتطرفين الذين لديهم علاقة بتنظيم القاعدة من خلال تقديم المساعدة التي يرفض الغرب تقديمها مما يقلل من فرص حدوث مفاوضات تؤدي إلى سلام. بطبيعة الحال يمكن لواشنطن أن تستمر في عقد الأمل على تغير الموقف الروسي ورحيل الأسد والتوصل إلى اتفاق ينقذ الدولة السورية، لكننا لا نستطيع التعويل على ذلك. وكما أن لدى الأسد والإيرانيين خطة بديلة، يجب أن يكون لدينا نحن أيضا خطة بديلة.
ينبغي أن يكون أول عنصر من عناصر الاستراتيجية هو الاعتراف بأنه إذا كان هناك أي احتمال في تغيير حسابات الأسد وعصابته لن يحدث هذا سوى بقيادة أميركية لا روسية جريئة خاصة فيما يتعلق باستخدام قوة عسكرية مثل الضربات الجوية للتصدي إلى السلاح الجوي الذي يستخدمه الأسد وحماية المدنيين في المناطق المحررة والتأكيد على أن القائد السوري حالة ميئوس منها. ومثلما كانت التسوية الدبلوماسية مستحيلة في البوسنة إلى أن اضطرت الضربات الجوية، التي شنها حلف شمال الأطلسي، سلوبودان ميلوسيفيتش، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، يصدق هذا على سوريا.
ثانيا، نحن بحاجة إلى تقبل احتمال عدم إنجاز تفاوض يفضي إلى تسوية وبدء العمل من أجل تخفيف أسوأ عواقب انهيار الدولة. ويقودنا هذا إلى مسألة الدعم الأميركي للمعارضة السورية. ويرى مؤيدو تسليح الثوار، ومنهم على حد علمنا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ووزير الدفاع السابق ومدير الاستخبارات المركزية الأميركية ورئيس هيئة الأركان المشتركة، أن القيام بذلك يمكن أن يساعد في تغيير الكفة بحيث ترجع كفة معارضي الأسد، ويمكن المعتدلين، ويؤسس علاقة جيدة مع المعارضة.
لا يزال لهذه الاقتراحات وجاهتها، لكن هناك سببا آخر أكثر إلحاحا الآن، وهو المساعدات العسكرية التي تعد آخر وأفضل وسيلة للمساعدة في الاختيار بين ملء الفراغ الذي يخلفه الأسد بمعارضة مسلحة موحدة تستطيع الحفاظ على ما يشبه النظام أو بجماعات مسلحة عرقية وطائفية لا يمكن السيطرة عليها. أي أمل في حدوث الأمر الأول يقوم ليس فقط على تزويد الجماعات المقاتلة بالأسلحة سرا، بل أيضا القيام بمحاولة كبيرة شفافة برعاية أميركية لتدريب وتسليح جيش سوري جديد والإشراف عليه. سيسير هذا التحول في الاستراتيجية الأميركية ضد توجه إدارة أوباما، التي تتفادى التدخل العسكري أو التدخل في بناء الدولة وتفضل أن تترك هذه المهمة للآخرين.
وإذا كان جون كيري يأمل في إنقاذ سوريا، لا ينبغي أن يكون القائد الذي سيحتاج أن يغير حساباته هو فلاديمير بوتين ولا بشار الأسد، بل الرئيس الأميركي.
* مستشار شؤون خارجية سابق لجوزيف ليبرمان وزميل مجلس شؤون العلاقات الخارجية ومقره طوكيو
* خدمة «واشنطن بوست»