الشيخ أحمد صبحي منصور – زعيم جماعة أهل القرآن – نشر أخيراً سلسلة من المقالات يهاجم بها شيوخ الأزهر ويقول عنهم دواعش (الحلقة الخامسة). وأنا لا أختلف معه في هجومه على شيوخ الأزهر الذين يزعمون أنهم “علماء الأمة” وهم في حقيقتهم لا يمتون للعلم بصلة، وينظرون دائماً إلى الخلف وتعيش عقولهم في القرن السابع الميلادي مع أن أجسادهم في القرن الحادي والعشرين. ولكن الشيخ أحمد صبحي منصور يهاجم السنة المحمدية ويحاول خداع القاريء بإيهامه أن الإسلام هو القرآن فقط مع أن كل المصائب التي حاقت بالمسلمين سببها القرآن الذي استقى منه الفقهاء فصول السنة. وبما أنه زعيم جماعة أهل القرآن، فهو يحاول أن يبيعنا القرآن بعد تلميعه لتغطية عيوبه. ففي كل سطر كتبه عن شيوخ الأزهر أضاف آية قرآنية دون أن يهتم للأخطاء العلمية والإملائية في آيات القرآن. فهو- حسب زعمه – يحاول أن ينقذنا من شيوخ الأزهر، ولكنه في الحقيقة هو واحد من إخوان يوسف، وكلهم كان ينوي قتل يوسف الذي هو نحن. وكما قال ناقد الأديان التنويري العراقي عبد الرزاق الجبران “مات الكاهن وجاء المثقف، وكلهم إخوة يوسف”.
يقول أحمد صبحي منصور في هجومه “يقول الدواعش وأمثالهم عن دينهم الأرضى إنه ( الثوابت ) وإنه ( المعلوم من الدين بالضرورة ) . تجنبوا أن يقولوا ( ما وجدنا عليه آباءنا ) لأنها مذكورة فى القرآن الكريم وصفا لمعتقدات المشركين فى كل زمان ومكان.” انتهى
ونحن نسأل الشيخ أحمد صبحي منصور كيف اعتنق هو الإسلام؟ ألم يجد آباءه على الإسلام فأسلموه وهو طفل رضيع، وربما أذّن أحدهم في أذنه ساعة ولادته، ثم في المدرسة ومن ثم في الأزهر؟ كل فرد في هذا الكون ينشأ على الدين الذي وجد آباءه عليه. فنحن لم نسمع بطفل ولد في المكسيك، مثلاً، من أبوين كاثوليكيين ثم قرر أن يعتنق الإسلام وهو طفل في المدرسة الابتدائية. ولكن القرآن ذكر شبه الجملة (ما وجدنا عليه آباءنا) كوصف للمشركين، ووافقه الشيخ أحمد صبحي منصور دون أي تفكير. محمد نفسه طاف بالكعبة الوثنية وساعد في بنائها عندما هدها السيل وعبد ما كان يعبد آباؤه حتى بلغ سن الأربعين. فالناس دائماً على دين آبائهم
يستمر الشيخ أحمد صبحي فيقول عن شيوخ الأزهر ” وإذا كانت لهؤلاء الجاهلين سطوة إستخدموها فى الإكراه فى الدين ، وهكذا كانت أساطين قريش تفعل مع الرسول عليه السلام فامره ربه جل وعلا ان يقول لهم : ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) الزمر ) . هؤلاء الجاهلون يستخدمون سلطتهم ونفوذهم فى منع مناقشة دينهم القائم على الكذب والافتراء . فإذا وُوجهوا فى مناقشة حرة مفتوحة تنتقد دينهم دون أن تحميهم السلطة أصابتهم البلبلة . وهذا هو حال دواعش الأزهر ، حين ووجهوا بأحاديث ألاههم البخارى التى يضحك منها الحزين . سارعوا بإعلان البلبلة ، وظهر أن ( ثوابتهم ) والمعلوم عندهم من دينهم ( بالضروطة ) ليس سوى أوهام فى أوهام وخرافات فى خرافات وأفلام هابطة تتفوق على الأفلام الهندية والمسلسلات التركية .” انتهى
إذا كان قرآن الشيخ الذي يحاول أن يبيعنا إياه هو كلام الله، فالله لا يجوز له أن يناقض نفسه ويشتم الناس الذين خلقهم في صورته. ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)، كيف يكون الإنسان جاهلاً وربه يقول (الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم) (العلق). فإذا كان الله علّم الإنسان ما لم يعلم، وعلّمه بالقلم، فشيوخ الأزهر إذاً، حسب زعم القرآن، ليسوا جهلاء. أو نكون جميعنا جاهلين لأن رب القرآن يقول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء 85). وبالطبع كلمة “الإنسان” اسم جنس وتعني جميع الناس. وكان حرياً بالشيخ أن يكتب الآيات كما هي في المصحف. الآية المذكورة من سورة الزمر تقول (أفغير الله تأمروني) وليس (تأمرونني) كما جاء في المقال. والشيخ أحمد صبحي محق في هجومه على شيوخ الأزهر وتقديسهم للبخاري، ولكن الشيخ المثقف لا يجوز له أن يستعمل اللغة النابية في وصف زملائه، فكلمة “بالضروطة” كلمة غير لائقة من شيخ يدعو للقرآن الذي يقول (إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). و (إذا مروا باللغو مروا كراما) (الفرقان 72)
يقول الشيخ أحمد صبحي منصور: “(وكل رسول خاطب قومه بلسانهم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) ابراهيم 4 ) أى عبّر عن دين الاسلام بلسان قومه ليوضّح الحق لهم . ثم نزلت الرسالة الخاتمة بالاسلام تنطق بلسان العرب : ( مريم 97 ، الشعراء 195 ، الدخان 58 ). إن الدين الحق عند الله جل وعلا هو هذا الاسلام ، وهذه هى عالمية الاسلام الذى نزلت به كل الرسالات السماوية بشتى الألسنة.” انتهى
فإذا كانت الرسالة الأخيرة هي الإسلام الذي جاء به محمد، والقرآن يقول (وما أرسلنا من رسولً إلا بلسان قومه) فهل للشيخ أحمد منصور أن يخبرنا برسول واحد أرسله رب القرآن في أفريقيا أو الهند أو المكسيك، وخاطبهم بلغاتهم حتى يعرفوا رب القرآن قبل أن يقول رب القرآن لمحمد (وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (سبأ 28). فكيف يكون نذيراً لهؤلاء الأقوام وهو يأت بلغاتهم؟ فرب القرآن يجب ألا يرمي الكلام على عواهنه
يستمر الشيخ أحمد منصور فيقول ” بعد الموت تعود النفس للبرزخ الذى أتت منه تاركة جسدها الأرضى يتحلل ويعود للأرض . والبرزخ مستوى من الوجود لا زمان فيه ، هو نفس البرزخ الذى تدخله النفس فى النوم ثم تستيقظ منه” انتهى
غريب أن يخاطب الشيخ أحمد منصور القراء وكأنهم تلاميذ في الإعدادي. من قال له إن البرزخ مستوًى من الوجود لا زمان فيه؟ القرآن يقول عندما تحدث عن أن الله مرج البحرين (بينهما برزخ لا يبغيان) (الرحمن 20). وكذلك (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) (الفرقان 53). فالبرزخ هو الحاجز بين شيئين. ولا أعلم كيف أصبح مستوًى من الوجود لا زمان فيه. البرزخ في الإسلام هو الممر الذي يفصل بين الجنة والنار، واسمه الآخر الأعراف. الآية تقول (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلامٌ عليكم) (الأعراف 46). ثم يشطح الشيخ منصور فيقول عن البرزخ “هو نفس البرزخ الذي تدخله النفس [الروح] في النوم ثم تستيقظ منه”. وهو هنا طبعاً يعتمد على الآية التي تقول (الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) (الزمر 42). وهذا الكلام يثبت أن القرآن صناعة محمدية. النائم لا تفارقه روحه لتذهب إلى البرزخ. عندما ينوم الشخص يظل قلبه يعمل ويتنفس ويحلم ويتحرك ويتقلب في نومه. فإذا كان هذا الجسم بلا روح لأنها في البرزخ في انتظار أن يصحو من نومه فالروح إذاً لا فائدة منها للجسم لأنه يعمل بدونها.
ويقول الشيخ أحمد منصور ” هنا يرتبط ( العلم ) بالايمان لأن القرآن الكريم ( علم ) وأهل القرآن هم أولو العلم والايمان. وفى هذا يقول جل وعلا عمّن يجمع العلم والايمان : ( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) المجادلة )” انتهى.
فإذا كان هذا هو علم القرآن وأهل القرآن فالأفضل لنا أن نكون بلا عِلم. وفي ادعاء أغرب من الخيال يقول الشيخ منصور، أخو يوسف “( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) فاطر ) فالعلماء هم الذين يخشون ربهم جل وعلا . وفى الآية إشارة علمية لأنواع الصخور وألوانها وأن الأطول عمرا فيها هى الأشد سوادا” انتهى.
من أين أتى أخو يوسف بأن في الآية إشارة علمية لأنواع الصخور وألوانها وأن الأطول عمراً فيها هي الأشد سواداً. أنا لم أجد في الآية أي شيء علمي. مجرد وصف لألوان الصخور، ويستطيع أي طفل أن يصف لنا ألوان الصخور. ربما يحتاج الشيخ أخو يوسف أن يستشير زغلول النجار في أمور الصخور هذه لأنه متخصص في الجيولوجيا. لا بد لأهل القرآن أن يُقحموا القرآن في كل شيء حتى الجيولوجيا. ألوان الصخور تعتمد على المعادن التي بالصخر. الصخور التي بها كمية كبيرة من الحديد تظهر سوداء للناظرين، وليس هناك أي علاقة بين عمر الصخور ولونها
ثم يُتحفنا الشيخ منصور بدليل علمي آخر من القرآن، فيقول ” ويقول جل وعلا : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43) ) العنكبوت ). المؤسسات الكهنوتية للمشركين وقبورهم المقدسة يشبهها رب العزة ببيت أنثى العنكبوت … فى داخل هذه المؤسسات الكهنوتية صراعات وشقاقات وتنازع ، وهو نفس ما يحدث فى بيت العنكبوت ، فالبيت تبنيه الأنثى (اتَّخَذَتْ بَيْتاً ) والأنثى هى التى تقضم رأس الذكر بعد أن يؤدى مهمته ، ثم يلتهمها أولادها ويلتهم الأولاد بعضهم بعض” انتهى
مشكلة الشيخ أحمد منصور هي التعميم في كل شيء، حتى العلوم التي لم يدرسها. أولاً وكما بينت له سابقاً أن الشبكة التي تنسجها العنكبوت ليست بيتها وإنما شبكة صيد فقط (انظر رابط المقال في آخر الصفحة). ثم أن ذكور العنكبوت، خاصة في بداية حياتها، تنسج شباكاً للصيد. وليس كل الإناث تأكل ذكورها بعد الجماع. هناك أنواع من العنكبوت لا تفعل ذلك. وبعض أنواع العنكبوت لا تنسج شبكة إطلاقاً، بعضها يحفر حفرة في الأرض وينزل بها ويغطيها بورق الشجر وعندما تمشي حشرة على تلك الورقة تقطع في الحفرة ويأكلها العنكبوت، وبعض أنواع العنكبوت يعيش على سطح الماء وعندما تقع حشرة على الماء يحس العنكبوت بذبذبات سطح الماء ويهجم على الفريسة. فالتعميم في العلم لا يفيد إذ أن أنواع العنكبوت التي تسنج شباكاً لا تزيد عن حوالي 30% من جميع أنواع العنكبوت. وقد قلت سابقاً للشيخ أحمد منصور إن كلمة “العنكبوت” اسم جنس تعني الذكر والأنثى. ولأن الآية قالت (اتخذت بيتاً) هذا لا يعني أنه يقصد الأنثى فقط. الشيخ أحمد صبحي منصور يحاول هنا أن يبيعنا بضاعة صينية على أنها بضاعة إنكليزية.
وفي استعراض لضيق صدر رب القرآن ببعض الناس الذين خلقهم – كما يقول – يتحفنا الشيخ بهذه القول “وبينما يوصف المؤمنون الموقنون بأنهم أولو الألباب الذين يتفكرون فى خلق السماوات والأرض ( آل عمران 191 ) فإن الله جل وعلا يصف الدواعش وأمثالهم بأنهم شر الدواب الذين لا يعقلون : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) الانفال” انتهى
كان لزاماً على رب القرآن أن يعرف أنه لا علاقة بين الصمم والعمى والعقل. فالأعمى يمكنه أن يقرأ بواسطة حروف بارزة ويمكن أن يكون أكثر عقلاً من غالبية المبصرين، مثلاً، الدكتور طه حسين. وكذلك الأصم يمكنه أن يخاطب الناس بلغة الإشارة ويكون أكثر عبقرية من غالبية المبصرين، بيتهوفن مثالاً. والأبكم كذلك يستطيع مخاطبة الناس بالكتابة بدل النطق. فهؤلاء المعاقين ليسوا شر الدواب كما يزعم رب القرآن. وهناك دواب أكثر فائدة من الغالبية من الناس، فمثلاً الكلاب البوليسية التي تكشف عن المخدرات، والكلاب التي تبحث بين الركام عن الناس المدفونين بعد الزلازل، والكلاب التي تقود العميان.
لو كان الشيخ أحمد صبحي منصور جاداً في تحديث الإسلام فليقترح تفسيراً عصرياً لآيات القتال القرآنية ويجعل القرآن متوائماً مع العصر. وخلاصة القول أن أهل القرآن واحدٌ من إخوة يوسف ولا فرق بينهم وبين رجالات الأزهر – إخوة يوسف الآخرين – وكلهم يبيعوننا سراباً. وهم ليسوا الذين أوتوا العلم كما يقول الشيخ أحمد صبحي منصور. الذين أوتوا العلم هم آنشتاين وجاليليو وديكارت وأمثالهم. لا خلاص لنا إلا بحصر الدين في المساجد والفصل بينه وبين السياسة.
مواضيع ذات صلة: تأويل القرآن من أجل احتكار العلم 2-2