(1)
إننا في هذا الواقع نولد لنكون أشخاص آخرين .. لنكون غير ما نريد ..وحتى غير ما نفكر.. إننا نولد لنمارس الكثير من أشكال النفاق والتمثيل مع هذا المجتمع الذي يتسلط على شخصياتنا .. أنه يرضى أن نكون منافقين على أن نكون صادقين معه, يرضى أن نسايره كذباً على أن نعايشه صدقاً ..
أنه يفرض نفسه علينا أكثر مما نفرض أنفسنا عليه.. وكأننا ولدنا ليفرض علينا حتماً كما فرض على من قبلنا ..
نعيش في هذا الواقع – في غالب الحال – بذوات ليست لنا وبشخصيات ليست نحن.. إننا نندمج تحت سلطته حتى نكاد ننسى أنفسنا وحقيقتنا .. نعيش بذوات هم أرادوها وابتكروها وألفوها لنا..
إننا لا نستطيع أن نعلن عن أنفسنا.. أن نكون نحن دائماً ..
إن سلوكنا وحتى طريقة تفكيرنا وطريقة انفعالاتنا .. في غالب الأمر تصنع قبل أن نولد .. فنولد وأخلاقنا وأفكارنا ومفاهيمنا وانفعالاتنا جاهزة ومعلبة بانتظارنا كما تنتظرنا ملابسنا..
(2)
أنه لمن الصعب أن توجد في واقع لا تستطيع فيه أن تجد من تفكر أمامه بصوت مرتفع، أن تفكر أمامه بكل ما تريد وبكل ما هو أنت، أن تكون معه أنت لا شخص آخر..
إن ذلك صعب جداً، ومضحك جداً، ومؤلم جداً.. مضحك أن يخلق فيك الواقع حاجزاً بينك وبين الآخرين، حاجزاً قد ينهد فوقك إن انت حاولت هدمه وتجاوزه.
ومضحك حد الرثاء أن تجد الكثير يعملون بهذا المبدأ باجتهاد ليكونوا هم غير أنفسهم معك، وتكون غير نفسك معهم.. إنه من الغريب أن لا يعيش الجميع أنفسهم وحقيقتهم، ويعيش كل منا ممثلاً مدعياً.
من الغريب أن تُسلم على جارك وصديقك ووالدك وجميع من حولك كل صباح بشخصية غير التي انت عليها، بشخصية هم فرضوها عليك وارادوها لك، ويردوا على سلامك وتحيتك ولقائك وحديثك بشخصيات غير التي هم عليها.
(3)
إننا لا نستطيع أن نفكر علانية أمام الجميع ..وإن فكرنا في الخفاء فتطارد البعض منا بعض المخاوف والهواجس اللاشعورية التي زرعوها في أعماقنا منذ البدء ..
أنه ليُحرم علينا التفكير الحر.. وكأننا ولدنا لنُلجم عقولنا..، عقولنا التي هي أبجدية الإنسان والحياة فينا .. إنهم ليُحرمون التفكير عن هذا الإنسان الذي ولد مفكراً ومملوءاً بحيرة السؤال.. حتى أننا لنتساءل لماذا ولدنا في هذا الوجود الواسع والغامض إن لم يكن لنا حق التفكير المطلق فيه؟!.. حق الخوض فيه! لماذا ولدنا مفكرين إن كان التفكير جريمة أو خطيئة نقترفها بلا إرادة منا.. وتقترفها طبيعتنا الإنسانية !..
إنه لمن الصعب علينا أن نؤمن أن هذا الإنسان لا يحق له أن يكون حراً حتى في تفكيره.. من الغريب جداً أن هذا الوجود اللامتناهي يمنعنا نحن الذرات الصغيرة من البشر المترامية على أطرافه من أن نفكر بحرية دون أن يكون هنالك قامع من البشر أمثالنا.. يقوم بالتسلط حتى على حقنا في التفكير.. إنه لشيء مثير للسخط والسخرية أن يُحرموا ذلك بسم الإله، وبسم الوجود الواسع اللامتناهي الذي لا ينتهي أو يتوقف عند أفكارنا ..أنه لمن المضحك والغريب فعلاً أن يجعلوا هذا الوجود يبدو خائفاً من زحف تفكيرنا ..