لا إشكال في أن تكون مسلما سنيا هذه الأيام، فأكبر دولة مسلمة سنية هي اندونيسيا لا تعاني شيئا، ومثلها دول مثل تركيا وماليزيا، ولا إشكال في أن تكون هذه الأيام عربيا غير مسلم أو غير سني، الإشكال الحقيقي والمجرب مرارا وتكرارا هو في أن تكون مسلما عربيا سنيا، حيث يعني ذلك الأمر أن بلدك أو مناطقك ستعاني آجلا أو عاجلا من الاضطراب السياسي والحروب الأهلية والعنف والتهجير وغيرها من مواصفات الدمار والخراب.
ففي العراق ما زالت المحافظات العربية السنية هي التي تعاني ومنذ سنوات من الحروب المتتالية والتدمير والتهجير وتهاجم أمام العالم من قبل الجيوش الأجنبية والعربية والميليشيات المسلحة القاطعة للرقاب، وعلى رأسها «داعش»، والطائرات حتى لن يبقى فيها في النهاية حجر فوق حجر.
ولو توجهنا غربا إلى سورية لوجدنا أن القتل والتهجير والبراميل المتفجرة تختص بها مناطق وبوادي العرب السنة في الشرق والشمال، وبينما يرفل الآخرون بالسلامة وبقاء العمران، تعاني مناطق العرب السنة من دمار حالي بالحجر ومستقبلي بالبشر، حيث إن أطفال تلك المناطق لا يدرسون بل مهجرون، فأي مستقبل لهم ولأوطانهم؟!
في لبنان اختصت المناطق العربية السنية في بيروت الغربية وطرابلس وصيدا وحتى المخيمات الفلسطينية دون غيرها بتبعيات الحروب الأهلية المتتالية منذ عام 1975 حتى اليوم، والحال كذلك في فلسطين حيث الحروب المتتالية على قطاع غزة العربي السني في المطلق بعكس مناطق فلسطين الأخرى، وهذه الظاهرة تمتد كذلك إلى الصومال واليمن وليبيا والجزائر ومصر وحتى السودان الذي انشغل عربه السنة بحروب أهلية استغرقت عقودا طويلة حتى انفصل جنوبه والذي سيتبعه في القريب انفصال عدة دول منه.
هذه الظاهرة التي يصعب أن نلصقها بعامل الصدفة البحتة لها بالطبع أسباب أو سبب رئيسي والذي لا اعتقد انه تآمر مقصود به المسلم العربي السني من قبل قوى خارجية كما يشاع أو حتى من قبل الأشقاء في الأوطان من أصحاب الأديان والأعراق والمذاهب الأخرى، السبب الحقيقي لتلك المعاناة هو السماح للإسلام العربي السني السياسي المتطرف بتسيد المشهد، فهو العامل المشترك في جميع تلك الحروب، ولولا طمعه- رغم تدثره الكاذب برداء الدين- في المال والسلطة لما استبيحت تلك الدماء، فمن يقوم بجميع تلك الحروب التي تستعدي الأنظمة وشركاء الأوطان والقوى الدولية وتشوه صورة العربي السني المسلم ليست قوى علمانية أو ليبرالية أو يسارية أو ماركسية، بل هي تماما ممن يقومون بتلك الجرائم ثم يصيحون: «مؤامرة»، لإبعاد الشبهة عنهم وإلقاء تبعاتها على من تعدوا هم عليهم، وإذا عرف الداء سهل إيجاد الدواء.
آخر محطة: (1) خير ما يمكن للإسلام السني العربي أن يعمله هو دعم التوجهات الليبرالية كي تصل بسلام لموقع القيادة في الدول العربية السنية المقبلة على الفناء، حيث ستحافظ على أوطانها من الدمار كونها على مسافة واحدة من الجميع ولم تظلم أحدا، فوطن عربي مسلم سني ليبرالي عامر ويسعد به الجميع خير ألف مرة من وطن عربي مسلم مدمر ومتخلف يحكمه المتطرفون أصحاب الرايات والأفعال السوداء أمثال «داعش» وأخواتها.
(2) أرجو ألا يدعي أحد أن نصرة الإسلاميين لليبراليين أمر لا يجوز فقهيا، فواقع الحال يثبت أن قيادات الإخوان المسلمين تنصر بقوة هذه الأيام شخصيات ليبرالية وعلمانية أمثال محمد البرادعي وسعد الدين إبراهيم وأيمن نور وبعض شباب حركة 6 أبريل الليبرالية وحتى شخصيات ماركسية شديدة العلمانية كحال مرشح الرئاسة التونسي محمد المنصف المرزوقي الذي ينصره راشد الغنوشي.
(3) كيف نسعد كعرب سنة إذا كانت الرايات التي يعرفنا العالم بها هي رايات «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«فجر الإسلام».. إلخ، وجميعها رايات إرهاب وقطع رقاب؟!
* نقلا عن ” الأنباء “الكويتية