أنتم المسيحيين اخوتنا وعلى رأسنا… احنا نتشرف بيكم!!!
ججو متي موميكا – كندا
بهذه العباره ودّع احد شيوخ الفلوجه ومن زعماء مقاومة المحتل حين استضاف احدى العوائل المنكوبه ((بعد انقلاب سيارتهم اثر تعرضها لاطلاق نار قرب الفلوجه في تشرين الاول عام 2004.))
أنصفوا الفلوجه ولا تظلموا اهلها
في ذاكرتي احتفظ بهذه المقاله ومنذ عشر سنوات وانا اتردد في نشرها خوفا من فقدان بعض مفرداتها وبعد الاستئذان من صاحبها وبسبب احداث الفلوجه المؤسفه جدا والمؤلمه حان الان ميعاد نشرها على القراء ليروواالحقيقه!!!
اخوتي العراقيين جميعا: اكتب هذه المقاله وفي قلوبنا غصّه عميقه ونحن نشاهد اخوتنا في الفلوجه والرمادي والمنطقه الغربيه يقتلون بدم بارد اطفالا وشيوخا ونساءا بلا رحمه بقصف الطائرات والمدفعيه والدبابات وكأن المهاجمين يواجهون اعداءا من خارج الحدود. ياحسرتاه وابناء الانبار يتركون ديارهم واملاكهم طوابيرا هربا من القصف الهمجي والعشوائي دون تمييز بين طفل وشيخ وامرأه بحجة التطرف او داعش او جماعات القاعده حجج واهيه لا مبرر لها والمحصله حرب اباده لمكون معين وتصفية على الهويه…
نعود الى حكاية احداث المقاله وعلى لسان صاحبها السيد (الشماس يونان ابو عامر) الذي كان يسكن بغداد الدوره حي الاثوريين وهو غني عن التعريف لكثرة اقاربه واصدقائه وجيرانه في منطقته طوال عشرات السنين.
هذا الرجل وبعد احتلال بغداد وتردي الاوضاع الامنيه والفلتان نتيجة تسلط الغزاة وعملاءهم على معظم الاوضاع في البلد وغياب القانون والامن وتردي معظم الخدمات… فكر الشماس يونان حاله حال كثير من العراقيين في المغادره والهجره للبحث عن مستقبل أمن له ولعائلته بعد ان كان ينعم بالحريه والعيش الرغيد حيث كانت زوجته (الدكتوره الشهيده مادلين) تعمل استاذه في كلية الطب البيطري في ابو غريب ببغداد بعد ان قتلت في حادث انقلاب سيارتهم على يد اللصوص وقطاع الطرق نتيجة انتشار الفوضى والفلتان الامني بعد الاحتلال مباشرة… هذا الرجل المسكين والذي نكب بحادث السياره كان يفكر في ايجاد ملاذ أمن له فكانت محطته الاولى سوريا استقرّ فيها مؤقتا ريثما يختار بلدا يأويه ويستقر فيه.
عاد الشماس يونان مع عائلته الى بغداد لتصفية املاكه ومتعلقاته بعد ان حصل على وعود بتاشيرة دخول الى كندا واثناء العوده وفي اول خريف والعراق تحت نير الاحتلال وفي تشرين عام 2004 والعراق مسرحا لأكثر من نصف مليون جندي يجوب مدنه وصحاريه كالجراد الذي يكتسح غلالا ناضجه حان وقت حصادها.
بعد ان دخلت سيارة فان بهبهان حدود الفلوجه… هاتف الشماس اقربائه في الدوره بقرب وصولهم ليطمئنهم ويعدوا لهم عشاءا بعد عناء السفر ثم اقفل هاتفه مباشرة حيث بدت علامات الارتباك على سائق السياره وهو يلاحظ من خلال المرأة الجانبيه للسياره بانه هناك سيارة بيجو بيضاء اللون تلاحقه وتسير بسرعه جنونيه حاول مسرعا الافلات من الملاحق الذي كانت سيارته تحمل مسلحا ببندقيه قد اخرج فوهتها من نافذة السياره وهو يلمح بيده للسائق ان يتوقف لكن السائق التفت الى الشماس يونان بجانبه واعلمه بما يحدث مستعينا برأيه ونصيحته فرد عليه ان يتصرف بحكمه وذكاء دون ارتباك او خوف لكن سائق البهبهان استمر في سرعته دون ان يلحق به المتابع كون سيارته حديثة الموديل فما كان من سائق البيجو بعد ان عجز عن اللحاق به اطلق رصاصات من بندقيته اتجاه سيارة الشماس فاصابت احدى الرصاصات اطار السياره الاماميه من جهة السائق ولسوء الحظ اختل توازن السياره وانحرفت الى جهة اليمين بعد انقلابها عدة قلبات واستقرارها على قمريتها والاطارات من فوق لتقف على سقفها وعلى بعد عشرات الامتار بعيدا عن الشارع فكانت النكبه.
ما حل بالعائله كان كارثة حيث قذفت السياره بابناء الشماس وهما عامر واخيه شابان لايتجاوزان العشرين من عمرهما حيث تهشمت زجاجات الابواب الخلفيه وخرجا بسبب قوة القذف سقطا مغميا عليهما وهما ينزفان… في هذه الاثناء خرج احد اقرباء الشماس كان يرافقهم ويجلس خلف الشماس الذي كان بدوره يجلس قرب السائق ايضا استطاع الخروج لخفة اصابتهما الا من بعض الكدمات والرضوض بعد ذلك اخرجا زوجة الشماس التي كانت تجلس خلف السائق وهي مغمية عليها ثم اخرجا السائق فاقدا وعيه ايضا وهما في حيرة من امرهما من يسعفا.. بعدها ذهبا الى الشابين وهما ينزفان.
بعد ان كان الشماس يحاول اسعاف ولديه وايقاف نزيف جروحهما بربطات بسيطه كان قريبه يجس نبض المرحومه ام عامر في يدها لكن دون جدوى فارقت الحياة كان نبضها متوقفا بعد ان اصابتها الحادثة في راسها حيث سلمت روحها لباريها لم يخبر الرجل الشماس بوفاة زوجته لكنه سرعان ما عاد اليها فوجدها قد توفيت بدت ملامح الارتباك والحزن على وجهي الشماس والرجل ولم يعرفا ماذا يفعلان الساعه قاربت السابعه مساءا والظلام بدا يخيم على المشهد وقلّت فرص التصرف ومعالجة مايمكن اصلاحه لكن الله لاينسى عبده واهل الرحمه كثيرون رغم قلة السابله والمستطرقين كون الطريق السريع كان خطرا في تلك الفتره لوجود الاحتلال بكثافه ودورياته وهمراته وجنوده يجوبون كل شارع وطريق وقريه وزقاق لكن رحمة الله واسعه فالله سبحانه وتعالى ارحم الراحمين ولاينس عبده في هذه الاثناء مرت عربة فلات ساحبه تسمى (راس تريله) قادمه من جهة الرمادي فتوقفت قرب الحادث وهي تحمل شخصين سأل سائقها الشماس قائلا (سلامات حجي سلامات) خيرا ماذا حصل… اجابه الشماس والعبره تخنقه والالم والحزن باديان عليه دون ان يخبره بسبب انقلاب السياره فقط اكتفى بقوله والله اخي سيارتنا انقلبت وهذا الذي تراه زوجتي انتقلت الى رحمة الله وابنائي ينزفون والسائق مغمى عليه… اجابه سائق التريله حجي أأمرنا بسرعه قبل ان يداهمنا الامريكان مانوع المساعده التي تطلبونها.. نحن ذاهبون الى بغداد والى حي البياع بالذات نستطيع ان نحمل ولديك ونوصلهم الى مستشفى اليرموك وهذا هاتفي النقال (الموبايل) تستطيع ان تخابر اهلك واقربائك يستقبلوننا امام المستشفى قرر بسرعه قبل ان نغادر لان الطريق خطر ولاندري الامريكان متى يداهمون المنطقه لم يكن للشماس المسكين من بديل لهذه الفرصه التي منحها الله له من اجل انقاذ ولديه وايصالهما الى المستشفى ونزل سائق التريله وصاحبه وبمساعدة الشماس وابن عمه لنقل الشابين الى داخل السياره واتصل باقربائه في الدوره عن طريق جهاز موبايل سائق التريله ليستقبلون الجريحين فكانت فرصه ثمينه وحرجه من اجل انقاذ ولديه.
غادرت التريله وعاد الشماس وقريبه بعد ان خيم الظلام المشهد واذا بسيارتي دفع رباعي مليئتين بالمسلحين تقفان بجانب السياره المقلوبه واذا برجل تجاوز الخمسين من عمره وقد علا الشيب راسه ليسأل الشماس عما حدث وهل يحتاج الى تفسير والجثث ممده على الارض والاثاث والحقائب مبعثره والسياره مقلوبه… الا ان غيرة الرجال النشامى ومن جبلت حياته في عمل الخير وخدمة الناس ومساعدتهم لاتقف عند حدود… توقفت سيارتا المسلحين قرب الحادث واستفسر شيخ وقائد المجموعه من الشماس عن سبب الحادث وعن حالة الشخصين الممددين بعد ان علم ان احدى الجثث تعود لزوجته وقد فارقت الحياة والثانيه للسائق وهو مغمى عليه.
طلب الرجل الوقور من المسلحين ان يحملو الجثة والشخص الفاقد الوعي بسيارته ومعه الشماس وقريبه الى مضيفه واوصى المسلحين بالسياره الثانيه ان يجمعوا اثاثهم وحقائبهم المبعثره ويسحبون السياره المقلوبه وياتون خلفهم الى الديوان.
وعند وصول سيارة الشيخ نزل منها ضيوفه بعد وضع جثة المرحومه مغطاة داخل المسجد قرب المضيف وجلس الجميع حتى امتلأ الديوان بابناء القريه حال سماعهم بالخبر من اجل ابداء المساعده.
طلب الشيخ من الشماس ان يحمد الله ويشكره على سلامتهم وظل يواسيه بفاجعته ويخفف من محنته وحزنه على زوجته بان الله عز وجل اختاره ليمتحنه في محنته وصبره وتحمله وهو يشجعه على الثبات والايمان بالله وقضاءه وقدره وبسلامة ابناءه والشماس يسمع نصائحه وعظاته وحديثه معززا بأيات قرانيه واحاديث نبويه… بعدها نصبت موائد العشاء ودعي الشماس واصحابه بعد ان فاق سائق
الباص من غيبوبته ليتفاجأ بالموقف ويستغرب وهو جالس في مضيف عربي بعد ان عرف تفاصيل الحادث طلب من الشماس موبايل بعد ان استرجعت هواتفهم المبعثره واثاثهم التي جمعها رجال السياره الثانيه المرافقه للشيخ كان قد طلب منهم جمعها وسحب السياره المقلوبه… اتصل السائق بعد ان صحا من غيبوبته وخفة اصابته اتصل بشركته لنقل المسافرين ببغداد واعلمهم بالخبر لاتخاذ مايلزم بخصوص الحادث.
العشاء جاهز والمعزّب دعا الحاضرين لتناول الطعام لكن اي عشاء يشتهيه الشماس وقد فقد اعزّ انسان لديه وهو شريكة حياته وام اولاده… واية لقمه تنزل في معدته لكن من عادات العرب يجب ان تشارك ولو بلقمه واحده وبعد الحاح الشيخ ومجاملة الشماس لمضيفيه شاركهم بشيء بسيط ثم شرب قدحا من الماء وانكفأ جانبا يحمد الله على نعمته… ظل الشيخ يشجع الشماس على التحمل والسلوان في صبره ثم رفع رأسه الى اعلى ليشاهد صورة شاب موشح بالسواد وقد انتبه الشيخ لهذه الملاحظه
ليعقب عليه وهو يقول ((يا ولدي ابو عامر تشاهد هذه الصوره لابني قتله الامريكان بدم بارد وعمره لايتجاوز 20 عاما وهو يقاوم المحتل)) هزّ الشماس ابو عامر رأسه متأسفا لفقدان هؤلاء الابطال دفاعا عن بلدهم ضد الغزاة وعلى ما حل بالعراق نتيجة اجتياح العراق وغزوه حتى وصل بنا الى هذه الحال.
في هذه الاثناء وصلت سيارة شركة نقليات السائق ومن بغداد لاجلاء الجرحى ونقل جثة المرحومه وتهيأ الشماس للمغادره ونهض الحاضرون لتوديع الشيخ ومضيفه على حسن ضيافتهم وخدمتهم وشجاعتهم للتخفيف من معاناتهم كان للشماس هذا الحديث ((حجي ما ادري كيف اشكرك وكيف اجازيك وارد جميلك وانا مدين لك ولجماعتك بفضل طول العمر لاينسى ثم احتضنه وقبلّه من راسه وهو يذرف الدموع والحزن بادي على وجهه)) ورد الشيخ الفلوجي على الشماس بقوله ((لاتقل هذا يا ولدي فنحن العراقيين كلنا اخوه وانا لم اقدم لك الا واجبا واسفا على فقدانك زوجتك اعانك الله وعوضك في هذه الخساره…)) واحتضنه بشده وهو يربت على اكتافه ويقول له تشجع يا ابو عامر وثبت من عزيمتك وعزيمة ابنائك لتحسن تربيتهم بفقدان امهم… ثم تناول كيسا اسود اللون مليئا برزمات النقود ناولها للشماس لكن الشماس تفاجأ ورفض استلامها وهو يقول ((حجي الله يخليك ماهذا انا بخير والحمدلله ووضعنا المادي جيد جدا ولايعوزنا اي مال)) اشكرك ثانية وانشالله بيوتكم عامره باهلها دائما وانت لم تقصّر في خدمتنا جزاكم الله خيرا.
قبل ان يودع الشيخ الجماعه سأل الشماس وهذا من عادات العرب قبل ان يغادر ضيفه قائلا له : ابني عامر طريقكم السلامه لكن هل لنا ان نعرف من أي اعمام انتم؟؟ فقال له الشماس : عمي الحجي احنا ناس مسيحيين من بغداد!!!
((ففتح الشيخ كفه ووضعها على راسه فوق اليشماغ والعقال وهو يقول :((انتم المسيحيين اخوتنا… وعلى رأسنا ونحن نتشرف بيكم!!!))
ثم ودعهم جميعا حتى اوصلوهم الى الشارع الرئيسي ثم رحلوا.
هذا هو معدن العراقيين الاصلاء ومنهم ابناء الرمادي والفلوجه والغربيه فلا تظلموا اهلنا وتحكموا عليهم بما لايستحقون… هل هذه المدن تختزل وتتهم بالارهاب وداعش وما شابهها من تسميات… احقنوا دماء العراقيين واحترموا اراداتهم فهم جزء اصيل من جسد العراق فهم اهل شيمه ونخوة وكرم وضيافه
فانصفوا الفلوجه ولاتظلموا اهلها
ماقل ودل … لكل ذي بصيرة وضمير وعقل ؟
١: والله أشعر بكم المرارة التي تجتاح دواخلك ولكن ما الحل مع كل هذا الطوفان القادم من ملالي قم وطهران
انه يوم انتقامهم بكل بساطة من القادسيتين ؟
٢: ان مايدور الان في العراق واضح وضوح شمس الظهيرة وهى تحويل غرب العراق الى مايشبه ما في سوريا ،
ولا تستغرب أبدا لو وصلت للعراق غداً طريقة صناعة براميل الموت ، لان من خان العراق وشعبه قادر على فعل كل ؟
٣: سؤال فقط لكل ذي عقل وضمير ماهو حصاد العراق والعراقيين من حكم السيد المالكي وحكومته ، والسوال الأهم هل سينجو بفعلته سؤال لا يحتاج لنبيه للجواب ؟
بعد التحية ..
هل تعلم ان أهل الفلوجة أمروا عيونهم ان لا تذرف الدمع حتى يوم التحرير ، نسائهم لاتبكي الشهداء ، إنما تهلهل عندما يتذكرهم الله ( تعالى عزوجل ) .
الفلوجة … أنها سطعة الشمس وأرض التفاح ..