نزيه شيخ السروجية: أنا والحمــار
منذ أيام زارني صديقي الحمار وشكرني مرّةً أُخرى على مقالي السابق الذي نشرته بناءً على طلبة والذي كان حول ظلم البشر للحمير.
وقال لي لقد جئت لتوديعك لأني حظيت بإجازة وسأقضيها مع بعض أقاربي وقد أستأجرنا بايكة على البحر وسأغيب عدة اسابيع…
فقلت له وهل ترى أن الوضع مناسب للإستجمام رغم ما يحدث لبلدنا …
فقال ولم تلومني على ذلك وأنا حمار، والكثير من أخوانك البشر يستجمّون ويقيمون الحفلات والسهرات والولائم والأعراس الفخمة …بينما تُهدم وتدمر الكثير من مدنكم وقراكم ومنازكم مقابل بضع من حظائرنا وبواكينا نحن معشر الحمير…
ولماذا نهتم بكم وأنتم تدمرون بلادكم ويقتل بعضكم بعضاً قصفاً ونسفاً وجوعاً … فإذا اهتمينا بكم نكون أحمر منكم … فأفحمني ولم ارد له جواباً وودعني مرةً أُخرى قائلاً ‘الى لقاء قريب يا أخي’ وانسحب قبل أن أرد عليه.
وبما أني غاضب منه لقوله لي ‘يا أخي كل مرة’ وبما أنه لن يقرأ ما سأكتبة الآن كونه على الساحل، فسأعيد المقال الذي أغضبة مني لكوني نشرته أكثر من مرّة …ولكن ارجوا أن لا تقولوا له أني أعدت نشره خشية أن انال رفسة منه كما هددني.
قصة قول مأثور:
‘ كل الحق على الجليلاتي’
اعلموا يا اخواني بأن الجْليلاتي هو من كان يصنع (الجْلال) وهو ما يوضع على ظهر الحمار ليحمي ظهره ويُسَهِّل ركوبه.
ولما كانت الحمير في ذلك الزمان تستعمل لنقل الأمتعة وبيع الخضار والفواكه بالإضافة الي عملها في الحقول، كما كانت وسيلة المواصلات الرئيسية بعد الأحصنة، فكان عددها كبيراً في ذلك الزمان وكان لها احترامها لحاجة المجتمع اليها.
وكان الجليلاتي المذكور يعمل ليل نهار في صناعة الجْلال (جواكيت الحمير) حتي كَلَّت يداه وكُُسِر ظهره لأنه يعمل وحيداً فأولاده وعُمّاله الشباب تركوه – شي سافر إلى الخليج أو هاجر الى اوروبا او أمريكا أو غَيَّر مصلحتو -.
حتى كَلَّ الجليلاتي ومَلَّ، ولما كان عجوزاً ولا يعرف غير هذه الصنعة، فقد وقف في ليلة فضيلة بعد صلاته وقراءة أوراده ودعا ربه قائلاً: ارجوك يا رب العالمين أن ترحمني بالإقلال من خلق الحمير رأفةً بحالي فأنا كبرت وعجزت وقلت حيلتي وضعف مني العزم والنظر …
و لما كان رجلاً صالحاً وكانت ليلة مباركة ودعوة المظلوم مستجابة ، استجاب له ربه ولما كانت هناك عجينة كبيرة معدة لخلق الحمير فقد حَوَّلَها الرحمٰن بقدرته لخلق البشر.!!
ومنذ ذلك الزمان تكاثر البشر ونحن نعاني و نعاني ثم نعاني وليس لنا من خلاص إلا ترديد ما قاله الحكيم:
‘كل الحق على الجْليلاتي’