أم الحجارة السود
نسيب عريضة
صُــوَرٌ تَـلــوحُ لـخـاطـرِ المَـعـمـودِ
مــا بـيـنَ أربــاضِ المُـنـى والـبِـيـدِ
خَـفَّــاقــةٌ فـيــهــا بُــنـــودُ الـعِــيــد ِ
بـسَّـامــةٌ فـيـهــا ثُــغـــورُ الـغِــيــدِ
تَجلو رُؤى ماضي الهَوى المفقودِ
وَقـفَ الفـؤادُ أسـيـرَ بــارِقِ نـارِهـا
يَهفُـو إلـى مــا لاحَ مــن أسـرارِهـا
لِمَـن الدِيـارُ تَــذوبُ مــن تَذكـارِهـا
مِن بَعـدِ طـولِ نـوىً وفَـرطِ جُحـودِ
يــا مُوثَـقـاً مــن شَـوقِــهِ بـقـيـودِ
يا قلبُ ما هـذا الخُفـوقُ ومـا تـرى
فـي مــا تَوهَّـمَـهُ الخَـيـالُ وصَــوَّرا
تَبكـي كأنَّـك بـعـضُ أفـئـدةِ الــوَرى
وظنَنـت أنـك صِـرتَ صُلـبَ الـعُـودِ
أشَجَتـك رُؤيـا يــا أخــا الجُلـمُـودِ
رُفِعـت لطَـرفِـك مــن مـكـانٍ قــاصِ
تـخـتـالُ بـيــن حَـدائــقٍ وعِـــراصِ
أعَرَفتَ يـا قلبـي عَـروسَ العاصـي
مَـحـبـي أمانـيـنـا ومَـحـيـا الـجُــودِ
وَنـعـيـمَ راضٍ بـالـوُجـودِ سـعـيـدِ
أعَرَفتَـهـا تـلــكَ الـرُبــوعَ العـالـيـة
مــا بـيـن لـبـنـانٍ وبـيــنَ الـبـاديـة
الـذكـرَيـاتُ وقـــد بَـــرَزنَ عَـلانِـيـة
نـادَيـنَ عـنـكَ بـحَـسـرةِ الـمَـطـرودِ
يا حِمصُ يا بَلدي وأرضَ جدودي
جَثَمَـت بكَلكَلِـهـا عـلـى دَربِ الأمَــم
جَبَّـارةً مــن طَبعِـهـا رَعــيُ الـذِمَـم
بَلَـدُ الـهُـدى أحجـارُهـا سُــودٌ
نَـعَـم لِـــلّـــه دَرُّ سَــــــوادِكِ الـمَــعــبــودِ
يـا حِمـصُ يـا أمَّ الحجـارِ الـسُـودِ
أنسيـمُ وَعـرِك مـا سَمِعـتُ مهَينـمـا
أم رُوحُ ديكِ الجِنِّ من خَلفِ الحِمى
أم شيخُـنـا الجُـنـديُّ حَـــنَّ ورَنَّـمــا
مُــتَــغَــزِّلاً بِـمَـعــاطِــفٍ وقُـــــــدودِ
بَيضـاءَ فـي ظِـلِّ الحِجـار الـسـودِ
مـاذا يُكـابـدُ فــي الـنَـوى ويُقـاسـي
صـبّ يَحِـنُّ إلــى حِـمـى المِيـمـاسِ
والـى الدُوَيـرِ إلــى رُبــوعِ الـكـاسِ
وكِـنـاسِـهـا وغَـزالــهــا الأمــلـــودِ
وإلـــى مَـغـانـي نَـعـمـةٍ وسُـعــودِ
حِـمــصُ الـعَـديَّــةُ كُـلُّـنــا يَــهــواكِ
يــــا كَـعـبــةَ الأبــطــالِ إِنَّ ثَــــراكِ
غِـمـدٌ لسـيـفِ الـلَــه فـــي مَـثــواكِ
ولـكَـم لـنـا مــن خَشـعـةٍ وسُـجــودِ
فـي هَيكـلِ النَجـوى ومـن تَمجِـيـدِ
يـا جـارةَ العـاصـي لـدَيـكِ الـسُـؤدُدُ
لـبـنــانُ دونَــــكِ ســاجــدٌ مُـتـعـبِّـدُ
هـو عاشـقٌ مــن دَمِــهِ لــكِ مَــورِدُ
وارَحــمَــتــا لِـمُـتَــيَّــمٍ مَــصــفــودِ
يَسقِي الهـوى مـن قلبـه الجُلمـودِ
عاصِـيـك كَوثَـرُنـا لـنــا فـــي وِردِهِ
طَعـمُ الخُلـودِ ونَكـهـةٌ مــن شَـهـدِه
هيهـاتِ يـومـاً نَـرتـوي فــي بَـعـدِه ِ
وَنَــبُــلُّ حُــرقــةَ أضــلُــعٍ وكــبــودِ
إلا بـسَـلـسَـلِ مــائِـــهِ الـمَـفـقــود
حـادي العِطـاشِ إلـى مَــواردِ مــاءِ
نفسـي لـقـد ظَمِـئَـت فـأيـنَ رَوائــي
عَلَّـلـتُـهـا بــعــدَ الــنَــوى بـلِــقــاءِ
والـدَهـرُ يـأبـى أن أفِــي بـعُـهـودي
أوَ لـم يَـئِـن أن تَستـقِـرَّ جُـهـودي
يا دهرُ قد طـالَ البُعـادُ عـن الوطـن
هل عَودةٌ تُرجـى وقـد فـات الظَعَـن
عُد بي إلى حِمصٍ ولو حَشوَ الكَفَن
واهـتِــف أتـيــتُ بـعـاثِــرٍ مَــــردودِ
واجعَل ضريحي مـن حِجـارٍ سُـودِ
يـا جـارَة العاصـي اليـك قـد انتهـى
امَلـي وانــتِ المُبتَـغـى والمُشتَـهـى
قلبـي يَـرى فـيـك المَحـاسِـنَ كلَّـهـا
وعـلــى هَـــواكِ يَـدِيــنُ بالتَـوحـيـدِ
يـا حِمـصُ يـا أُمَّ الحِجـارِ الـسُـودِ
و اجـعـل ضـريـحـي مـن حـجـار سـود
لو كنت ربا. ؟
من شعر الشاعر الحمصي الكبير: نسيب عريضة
لو كنت ربا في السماء عظيما***بجميع أمر الكائنات عليما
لهبطت من عرشي إلى ارض الشقا***نحو ابن ادم من خلقت قديما
وطرحت نفسي عند موطىء رجله***وسجدت ثم لوجهه تكريما
ولبثت اغسل بالدموع كلومه ***وازيده بتذللي تعظيما
مستغفرا عن عيشة قسمت له***منذ الخليقة لا تزال جحيما