قالت ويندي شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ثالث أرفع مسؤول بالوزارة، في حديثها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 3 أكتوبر (تشرين الأول): «يجب أن نتروى في رفع العقوبات الأساسية المفروضة حاليا على إيران إلى أن يبدد الإيرانيون جميع مخاوفنا، فنحن نعلم أن الخداع جزء من الجينات الوراثية للإيرانيين». («لوس أنجليس تايمز»، 3 أكتوبر 2013).
وفي محاولة لتبرير التصريحات المنسوبة إلى شيرمان، قالت ماري هارف، نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: «أعتقد أولا أن كلا الجانبين قال أشياء تسيء إلى الجانب الآخر خلال الأعوام الثلاثين الماضية، كما تحدث كلاهما صراحة بشأن عدم قدرته على الثقة في الطرف الآخر».
وأضافت هارف: «إن مسألة انعدام الثقة هذه لها جذور عميقة، ونعتقد أننا لن نتمكن من التغلب عليها بين عشية وضحاها، لكننا حققنا بعض التقدم في جنيف في الأسبوع المنصرم، ونأمل الاستمرار في تحقيق المزيد، بما في ذلك عقد المزيد من الاجتماعات الثنائية».
وفي نهاية الأمر، حاولت هارف تبرير تصريح شيرمان بشأن الجينات الوراثية للإيرانيين، مشيرة إلى أن شيرمان لم تذكر الإيرانيين في حقيقة الأمر.
يصعب قبول تبرير هارف؛ لأنه من غير المعقول تحليل بيان خارج سياق موضوعه.
ووفقا لما تعلمناه، فالشيطان هو أعظم مضلل عندما غوى آدم وحواء في الحادثة التي كانت بداية لتاريخ البشرية في عالمنا، وهو ما جعل آية الله الخميني يصف أميركا عقب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران بـ«الشيطان الأعظم».
والآن وبعد مرور 35 عاما، تقول شيرمان إن الخداع جزء من الجينات الوراثية للإيرانيين، ويعد هذا الأمر في الواقع رد فعل بمثابة «العين بالعين».
من ناحية أخرى لا يزال الملف النووي الإيراني على رأس قائمة الملفات ذات الأولوية الحالية بين أميركا وإيران وأكثرها حساسية للإسرائيليين. وهناك حرب نفسية ودعائية عميقة ومعقدة بين أميركا وإسرائيل من جانب، وإيران من الجانب الآخر.
يعد الكونغرس الأميركي أقوى الداعمين لإسرائيل، كما أن معظم أعضاء الكونغرس مؤيدون لإسرائيل، فمن يستطيع أن ينسى خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في 24 مايو (أيار) 2011 خلال زيارة خارجية لأوباما خارج أميركا! حيث لقي استقبالا هناك لم يكن ليحلم بمثله إلا في إسرائيل، حتى إن زوجته سارة تلقت التحية بالوقوف والتصفيق الحار عند دخولها القاعة. تم التصفيق لرئيس الوزراء نحو 30 مرة، وكان معظم هذه المرات مصحوبا بالوقوف والاحتفاء الحماسي. وفي هذا الصدد، هناك سؤال مهم يطرح نفسه: لماذا يبدي الكونغرس دعما قويا لإسرائيل؟ الإجابة عن هذا السؤال واضحة، وذلك لأن معظم أعضاء الكونغرس مدعومون من اللوبي الإسرائيلي في أميركا. وهناك على سبيل المثال، شخصية شهيرة لعبت دورا ملحوظا في جميع الانتخابات التي جرت في أميركا، إنه شيلدون أدلسون، الملياردير الذي أسهم بجهد واضح في تمويل العديد من حملات النواب الجمهوريين في انتخابات عام 2012، والذي قال في ندوة بجامعة يشيفا الإسرائيلية إن على الرئيس أوباما أن يطلق سلاحا نوويا في وسط الصحراء ليبعث برسالة إلى إيران.
وأضاف: «ما الذي سنتفاوض حوله؟ ما سأقوله هو: انتبهوا، أترون تلك الصحراء؟ أريد أن أريكم شيئا»، حسبما ذكره أدلسون، مضيفا: «ثم التقط هاتفك الجوال واتصل بمكان ما في نبراسكا وقل: حسنا، أطلقه. ومن ثم ينطلق سلاح نووي وسط الصحراء دون إيذاء أي شخص». إن يشيفا معهد يتعلم فيه الطلاب نصوص الكتاب المقدس، ولا سيما التلمود. وبمعنى آخر، فإن جامعة يشيفا يهودية أكثر من كونها مسيحية، وإسرائيلية أكثر من كونها أميركية. وأدلسون هو ملك نوادي القمار في الولايات المتحدة الأميركية وكل دول العالم أيضا. وواصل حديثه باقتراح مهاجمة طهران باستخدام قنبلة ذرية: «ثم تقول: انظر؟ سيجري إطلاق القنبلة الذرية التالية في وسط طهران. أتريدون أن تسحقون ويقضى عليكم؟ إذا أردتم ذلك فاستمروا على ما أنتم عليه وواصلوا تطوير برنامجكم النووي.. أم تريدون السلم؟ أوقف كل نشاطاتك، وسنضمن لك إمكانية امتلاكك محطة طاقة نووية لإنتاج الكهرباء والطاقة».
أنفق أدلسون ما لا يقل عن 98 مليون دولار أميركي على الانتخابات الأميركية في عام 2012، وكان داعما مهما لبوش وغينغريتش. وأريد هنا التركيز على تضليل واحد رئيس في التاريخ الحديث، ألا وهو مسألة النهج الأميركي نحو فلسطين والفلسطينيين.
من المؤسف أن الملف النووي الإيراني بات يشغل المساحة الكاملة على الصعيدين السياسي والعالمي لفترة من الزمن، وبالتالي جرى طرح الملف الفلسطيني جانبا، لذا، تواصل إسرائيل تعزيز سياستها بالتوسع في بناء مستوطنات يهودية جديدة في بيت المقدس أو حتى في الضفة الغربية.
يرفض غينغريتش، الذي كان مدعوما من المحافظين الجدد، و«أيباك» (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) وكل جماعات اللوبي الإسرائيلي بصورة صريحة وبشدة حقوق الفلسطينيين كشعب، فقال غينغريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي، في حديثه لقناة يهودية: «تذكر أن فلسطين لم تكن موجودة كدولة، فقد كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية». وحسب تصريحه في ديسمبر (كانون الأول) 2011، يقول غينغريتش: «أعتقد أننا اختلقنا موضوع الشعب الفلسطيني، الذين هم في حقيقة الأمر عرب، وتاريخيا جزء من المجتمع العربي، ولديهم فرصة الذهاب إلى العديد من الأماكن».
إن نكران حق وجود شعب يعتبر تضليلا شديدا. دعني أروي قصة غريبة عن التضليل والخداع الأميركي. عندما تقابل هنري كيسنجر مع السادات، وقدم له خطته المكونة من ست نقاط، فيما عرف باسم «مخطط كيسنجر»، أخبره السادات قائلا: «لا تنسَ يا دكتور كيسنجر أنني أبرم هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية، وليس إسرائيل». («سنوات الاضطراب»، هنري كيسنجر، صفحة رقم 643).
بيد أن للحقيقة وجها آخر، حيث كان ذلك المخطط المكون من ست نقاط مخططا إسرائيليا بإحكام، ولذلك يقول كيسنجر في كتابه «سنوات الاضطراب»: «لم تبدُ على وجهي أي ابتسامة حتى ولو بسيطة، لكني ضحكت كثيرا في قلبي لأن نص الخطة كان مكتوبا بقلم مناحم بيغن».
والآن، دعني أعود إلى تصريح شيرمان بشأن الجينات الوراثية. ليس صعبا أن تجد أمثلة أخرى مشابهة، عندما قامت أميركا وإسرائيل بخداع الفلسطينيين والدول الإسلامية. ولنتفحص كل المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، وننظر إلى مؤتمر أنابوليس الذي عقد في مايو (أيار) عام 2007، كان المؤتمر مجرد استعراض كبير لجورج بوش في هذا التوقيت. وماذا كانت النتيجة؟ ومن هو المخادع الأعظم بعد كل هذا؟ يبدو لي أنه ينبغي على شيرمان قراءة كتاب رشيد الخالدي «سماسرة الخديعة» لكي تكتشف الوجه الحقيقي للمخادع الأعظم.
منقول عن الشرق الاوسط