أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، وأعتبرها ملاذًا للكسول غير القادر على التحليل والرصد والمتابعة والتمحيص. غير أنني لم أستطع أن أتخلص من هاجس مؤداه أن ثمة بالفعل اتفاقًا من قِبل القوى الغربية الكبرى، إضافة إلى روسيا، بإيكال مهمة (شرطي المنطقة) للفرس الصفويين.
العراق شنت عليها أمريكا (بوش) حربًا، أعادتها إلى أجواء القرون الوسطى، ولما أرادت أمريكا (أوباما) أن تنسحب من العراق بعد سحقها عسكريًّا سحقًا يكاد يكون كاملاً سلمتها كدولة منهكة وعلى طبق من ذهب لإيران، من خلال عملائها حزب الدعوة الشيعي، وهو حزب يوازي عند أهل السنة جماعة (الإخوان المسلمين)، أي حركة شمولية أممية، لا تؤمن بالحدود الوطنية، وتؤمن بنظرية الولي الفقيه.
أما في سوريا فتكفل الروس بسحق أهل السنة، وتحالفوا مع بشار الأسد العلوي، ومن خلال المليشيات الشيعية، التي أتت بها إيران من كل مكان، سحقت أهل السنة، إضافة إلى من ثاروا عليه من الطوائف الأخرى.
أمريكا والروس قطبان متنافران، لكنهما في مواجهة أهل السنة العرب اتفقا، وتقاسما المهمة بتناغم غريب في العمليات العسكرية والاستخباراتية، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل.
والسؤال الذي يثيره السياق هنا: لماذا يختلف هذان القطبان على كل شيء، ويتفقان على أهل السنة العرب؟
السبب في تقديري لهذا الاتفاق أنهما تطابقت مصالحهما بتفويض الإيرانيين بممارسة مهمة شرطي المنطقة. ولعل من أهم الأسباب الموضوعية التي دفعت القوى العظمى إلى إيكال مهمة شرطي المنطقة إلى إيران أنها بالفعل تسيطر على الصوت الشيعي سيطرة شبه كاملة؛ فالولي الفقيه في إيران يمثل القوة الشيعية شبه الوحيدة، ولا ينافسه في زعامته أحد، حتى وإن وجد هنا أو هناك من يختلف مع الإيرانيين، فلديهم (آلياتهم) لتدجينه، وجعله كويكبًا يدور في فلك السياسة الإيرانية وتوجهاتها. في حين أن العرب السنة أحزاب وتوجهات فكرية وعقدية متضادة ومتخاصمة، وكل يغني على ليلاه؛ الأمر الذي يجعل جمعهم على زعيم واحد، وكلمة واحدة، أو سلطة واحدة، ضربًا من ضروب المستحيل. فلو تفاهمت مع السلفيين لاختلف معك الأشاعرة، والصوفيون، إلى درجة تصل إلى حد التكفير والإخراج من الملة.
وأتذكر أنني ناقشت صحفيًّا أمريكيًّا عن هذا الشأن، فقال: (التعامل مع الشيعة سياسيًّا أسهل من التعامل مع أهل السنة). وأضاف: (الشيعة لهم مرجعية تكاد تكون واحدة، وهي إيران، في حين أن السنة توجهات ومدارس ومذاهب متعددة ومتشظية، ليس لهم مرجعية واحدة، وبينهم من الخلافات والعداوات ما يجعل التفاهم مع كل تلك القيادات، والوصول معها إلى نقطة التقاء، أمرًا متعذرًا؛ فهناك جماعة السلفيين وهناك جماعة الإخوان وهناك الإسلام الرسمي [إسلام الحكومات]، وهناك الإسلام الثوري؛ الأمر الذي يجعل من السهولة التعامل مع الشيعة المتحدين لا مع السنة المتشرذمين المختلفين مع بعضهم البعض).
ولا يمكن رد هذا الاتهام؛ لأنه حقيقة. فإذا كانوا يقولون (اتفق العرب على ألا يتفقوا) فكذلك لك أن تقول أيضًا (اتفق أهل السنة على ألا يتفقوا). وما مؤتمر (غروزني) في الشيشان عنا ببعيد.
* نقلا عن “الجزيرة”