ألغاز عدم المساواة

مات ميلر

نستعد هذا العام لمناظرات مطوّلة حول عدم المساواة والتي ستكون جميع حججها متوقعة تماماً. ستكون نسخة قومية من لعبة كنت ألعبها مع أصدقائي عندما كنا أصغر سناً، وهي إن قرأت عنوان واسم الكاتب في مقالات الرأي في صحيفة كبرى، تستطيع إلى حدٍ كبير أن تسرد المقال من دون قراءته. كعدو لعدم المساواة الشديدة التي تنخر ديمقراطيتنا وتضعف اقتصادنا، وكمناصر لرفع الحد الأدنى للأجور وضريبة الدخل المكتسب فإني أكون أحياناً مذنبا بذات قدر الناقد المقبل لمثل هذا النوع من الكسل.

لكن، في الحقيقة، لعدم المساواة جوانب وفوارق دقيقة تتحدى التصنيف السهل والسلس، ولذا فقبل أن نركن جميعاً إلى نقاط حوارنا المريحة، فكروا في اثنين من ألغازي المفضلة المتعلقة بعدم المساواة.

يتعلق اللغز الأول بسؤال مُلح وهو أن على من يتباكون بعدم المساواة أن يسألوا أنفسهم: إذا كانت الأمور بمثل ما نظنه من السوء فلماذا لم يحدث رفض وتمرد أوسع؟ نعم لقد احتللنا وول ستريت قبل عامين ونظم عمال الوجبات السريعة إضرابات لمدة يوم في مختلف أنحاء الولايات المتحدة منذ فترة قليلة، لكن تلك الاحتجاجات تبدو وكأنها إشارات غاضبة أكثر منها انتفاضة متواصلة ضد نظام زائف. فحسب مجموع دخل الوظيفة لنصف جميع الوظائف في الولايات المتحدة وهو 35 ألف دولار في العام، فإن أغنى 400 أميركي يملكون أصولا أكثر مما يملك 150 مليون أميركي مجتمعين يمثلون أسفل الهرم، وتستمتع الطبقة العليا تقريباً بجميع مكاسب النمو التي تحققت في السنوات الأخيرة، فلماذ لم يفعل معظم الأميركيين شيئاً؟

في التماس المحامين المحبطين التقليدي: أين الانتهاك؟ كانت أفضل إجابة قرأتها من مفكر انتقائي يدعى ويل ويلكينسون في مقال لمعهد «كاتو» عام 2009. ويقول ويلكينسون إن أثر التقنية على الجودة والسعر يعقد الطريقة التي ينظر من خلالها الناس إلى هذه القضايا وكيف يمكن أن نحكم عليها، وذلك لأن فجوة الفرق في الدخل المتزايدة كثيراً ما تغطي الاختلافات الضيقة في الاستهلاك الحقيقي ما بيننا وبين الأغنياء.

كتب ويلكينسون «بنهاية القرن العشرين كان الأغنياء فقط هم من يملكون ثلاجات أو سيارات»، «لكن السيارات الآن أمرا عاما في كل أنحاء الولايات المتحدة، حتى مع تواصل تنامي عدم المساواة في الثلاجات».

ما هي نقطته؟ الفرق بين ثلاجة تحت الصفر يملكها الرجل الغني قيمتها 11,000 دولار، وثلاجة رجل فقير من أيكيا قيمتها 550 دولارا هو أقل من الفرق بين المقدرة على الاستمتاع باللحم والحليب الطازجين وبين أن لا يكون لديك أي شيء.

وبالمثل فإن الفرق بين قيادة سيارة مستعملة معقولة السعر وسيارة جاغوار جديدة فارهة «هو فرق لا يمكن ادراكه بالمقارنة بين قيادة السيارتين واستعمال دواسة وقودهما ومكابحهما». ويختم ويلكينسون كلامه بالقول «يصرف المدى المتسع من الدخول نظرنا عن المدى الذي يزيد ضيقاً من التجربة».

هل يساعد ذلك في شرح لماذا لا نرى الناس يقتحمون الحواجز؟

إن كان في لغزي الأول رنين «ماذا، هل أنا قلق؟» فإن لغزي الثاني يقترح أننا على الرغم من ذلك قد نكون نسعى لأهداف أعلى عندما يتعلق الأمر بالدخل والثروة والفجوة في الفرص من خلال السياسة العامة.

جاء اللغز من دراسة قام بها دان أريلي ومايكل نورتون من كلية هارفارد للأعمال عن «الأساليب العامة في عدم مساواة الدخل». ووجه السؤال إلى أكثر من 5 آلاف شخص عن آرائهم حول توزيع الدخل الحالي في الولايات المتحدة على أساس الخمس، وكيف يعتقدون أن تكون في مجتمع مثالي، وكانت النتائج مدهشة.

أولا، قلل من استبينوا بصفة عامة من شأن تركز الثروة في الولايات المتحدة، واعتقدوا أن 40 في المائة يحصلون على 9 في المائة من الثروة، وأن أعلى 20 في المائة يحصلون على حوالي 59 في المائة. في الواقع (وحسب دراسة إدوارد وولف في جامعة نيويورك) فإن الـ 40 في المائة الأسفل يملكون 0.3 في المائة فقط بينما يملك الـ 20 في المائة الأعلى 84 في المائة.

وفيما يتعلق بالمجتمع المثالي قال الناس إنه يجب أن تكون 32 في المائة من الثروة لدى أعلى 20 في المائة، و11 في المائة لدى أدنى 20 في المائة. ومن المثير للاهتمام أن الجمهوريين والديمقراطيين تشابهوا في التوصل لذلك أيضاً.

ونأتي إلى الجزء الأخير من الطُرفة: هذا التوزيع المثالي هو أكثر مساواة بدرجة كبيرة من أي توزيع موجود في أي مجتمع في العالم!

فوق ذلك عندما طلب أريلي ونورتون من وجهت لهم الأسئلة الاختيار بين التوزيع الحقيقي للدخل في الولايات المتحدة والنسخة التي لم تُعرف لهم لتوزيع الدخل في السويد، فإن 93 في المائة من الديمقراطيين و90 في المائة من الجمهوريين اختاروا نسخة السويد.

ويخلص أريلي «إننا نقلل من شأن مستوى عدم المساواة لدينا في الولايات المتحدة… نحتاج إلى مساواة أكثر بكثير مما لدينا ومما نظن أنه لدينا».

سؤالي هو: لماذا لا يتوصل الديمقراطيون إلى طرق لتناول هذه العواطف حتى يكونوا أكثر طموحاً حول الحلول السياسية التي قد تروق على نطاق واسع؟ إن كان ما توصل إليه أريلي ونورتون صحيحا (وهذا أمر يمكن اختباره بسهوله) فيشير ذلك إلى أن معظم الأميركيين – بمن فيهم معظم الجمهوريين – هم أكثر انفتاحاً بكثير للإصلاحات الشجاعة أكثر من أي شيء آخر يروّج له الديمقراطيون.

من شأن مناظرة فكرية أمينة أن تعترف بفطنة ويلكينسون. يجب أن تقوم أي حملة تقدمية على ما توصل إليه أريلي ونورتون. لماذ لا أتوقع أيا منهما؟ لأننا نرجع الآن إلى صدامنا المجدول عن عدم المساواة.

* خدمة «واشنطن بوست»

منقول عن الشرق الاوسط

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.