في إفتتاح الدورة 59 لمهرجان لندن السينمائي, قبل أيام كلمتني قناة بي بي سي العربية لأشارك في التعليق على تمدد مجموعة من النساء على السجادة الحمراء للمطالبة بدعم اكبر لضحايا العنف الأسري, ومحتجات على السياسة الحكومية التي حملت تخفيضات في ميزانية الخدمات المقدمة للنساء. خلال العرض الأول لفيلم سفروجيت, الذي حمل قصة كفاح الحركة النسوية في مطالبتها بمنح المرأة حق التصويت عام 1901, والذي إنتهى بتضحية إمرأة بنفسها للفت الإنتباه لمعاناة المرأة وللحصول على هذا الحق.
لم أكن رأيت الفيلم بعد, وإقتصرت مشاركتي في الإجابة على أسئلة مقدمة البرنامج, مع شيء من المقارنة ما بين وضع المرأة في بريطانيا ووضعها في العالم العربي!
لفت نظري رنة الإستغراب والتساؤل عن ماذا تريد المرأة الغربية بعد, وهي التي حصلت على جميع الحريات؟ وهل لا زالت المرأة الغربية تعاني؟؟
إجابتي.. إن أهم ما حصلت عليه المرأة الغربية الإعتراف المجتمعي بحقوقها وبمساواتها ولكن هذه المساواة بقيت مبتورة نظرا لعدم المساواة في الأجر وهو أهم ما تكافح من اجله الآن. وحين سألتني المذيعة هل سيصل هذا الصوت للقيادة السياسية؟ مرة اخرى أكدت نعم لأن المنافسة الحادة بين الحزبين السياسيين (المحافظين والعمال ) ستؤدي بالتاكيد لمحاولة إستقطاب لإصوت النساء لكل منهما.. وهو ما سيعطي القوة التفاوضية للمنظمات النسوية للحصول على المزيد من الحقوق ومن المساواة. ولكن وفي كل الأحوال علينا ان لا ننسى بان القوانين البريطانية تكفل العدالة والمساواة امام القانون للجميع، أيضا أن الثقافة الغربية تفتح كل ما في جعبتها من قصص التاريخ سواء المشرفة او غيرالمشرفة وتضعها أمام المشاهد والمجتمع بدون تجميل ولا تزوير, لإعطائهم حق التقرير وإعمال العقل فيما هو لصالحهم. ثم تعمل على تخليد من يستحق التخليد بينما وفي عالمنا العربي يبقى الإنسان العربي ’مغيّب عن الحقيقة ومحروم من إعمال العقل وتواطأ الإعلام مع التزوير في حقائق التاريخ مع السلطات الحاكمة ومع رجال الدين بحيث بقيت ولا تزال المرأة تكافح من أجل العدالة في كل ما يختص بحقوقها وهناك الآن من يحاول محو شخصيات من التاريخ ساهمت في حقبة ما بطلب العدالة للمرأة أمثال السيدة هدى شعراوي وغيرها فهل هناك من يستطيع عمل فيلم عنها؟؟
بالأمس ذهبت لمشاهدة الفيلم, قصة الفيلم ركّزت على أوائل عام 1901 وعن المرأة البريطانية العاملة, إمرأة الطبقات الفقيرة التي آمنت بأن حقها في الإنتخاب سيعطيها الفرصة لتحسين دخلها وأيضا لتحسين ظروف العمل. نعم رأيته مجسّدا لواقع الفقر والتهميش والرفض المجتمعي لخروج المرأة عن سلطة الزوج. ’مجسّدا للواقع الذي كانت تعيشة المرأة العامله وحتى تلك المرأة الغنية التي لا تستطيع التصرف حتى بأموالها الخاصة.. هزني كثيرا ما رأيته من مشاهد أعادتني إلى قصص سمعتها وشاهدت البعض منها من معاناة المرأة حولي في طفولتي, وجدت الكثير من التشابه المجتمعي والثقافي ما بين تلك الحقبة في بريطانيا والحقبة التي عشتها برغم الفارق الزمني الكبير.. الفارق الوحيد الذي وجدته هو خروج المرأة التي تنتمي إلى الطبقة العاملة للعمل في أكثر الوظائف بساطة وربما دونية.. بينما رأيت المرأة العربية تعمل ومن بيتها وبمشاركة أطفالها في تقشير اللوز للمصانع وتمنعهم من اكله خلال عملية التقشير وترضى باقل الأجر. في الفيلم رأيت المرأة التي يحرمها القانون من حضانة إبنها ويقدمه زوجها للتبني.. بينما رأيت المرأة العربية التي يحرمها القانون من حضانة اطفالها بعد سن معينه( هذا إن سمح لها أصلا ) وبعد أن ’تفني عمرها في تربيتهم ويتركهم الأب لتربية الزوجة الجديده التي وكثيرا ما ’تذيقهم العذاب و’تحرم ألأم من رؤيتهم! الفرق الأكبر هو رأيت المرأة البريطانية ثائرة..بينما رأيت المرأة العربية مستكينة وراضية بكل أشكال القهر والحرمان والدونية !! ورأيت في ذيل قائمة الدول التي منحت المرأة حق الإنتخاب إسم المملكة العربية السعودية والتي صرّحت عام 2015 بأنها ستدرس الموضوع؟
شعرت بالغيرة حين قارنت بين ما نراه اليوم من حرية بلا حدود وقوانين تحمي كل الحريات للمرأة وللمختلف وللأقليات كلها, وكيف إستطاعت كل هذه الدول تغييّر هذه الثقافة المجتمعية خلال فترة زمنية قصيرة. والتي لم تختلف كثيرا عن ثقافة المجتمعات العربية آنذاك. بينما بقيت مجتمعاتنا تدور في حلقة مفرغة وإن حاولت النهوض والتغيير في حقبة ما, ولكنها عادت وتقهقرت فيما بعد. بعد الأخذ بكل الأشكال السطحية للحضارة الغربية إلا مرونتها وقوانينها.
الخلل في المنطقة العربية أنها تدور في دائرة محكمة الإغلاق ما بين الثقافة المجتمعية التي ترضى بعدم المساواة وعدم العدالة والعنصرية تجاه المرأة والأقليات , والقوانين القضائية التي ترتبط بالمناهج التعليمية التي تدور في نفس الدائرة وتؤكد على عدم العدالة والمساواة بل وتبررها بالنصوص. وعليه ولكي نثقب هذه الدائرة فالمرأة العربية والأقليات بحاجة إلى ثورة وإلى تمرد, ثورة تطالب بتغيير القوانين وعدم تجميلها بكلمة ولكن وبدون مواربة وتلاعب بالكلمات. ثورة تطالب وتفرض التغيير المجتمعي لأنه يصب في صالح المجتمع وفي صالح الأجيال الجديدة. وهذا التمرد يحتاج إلى تضحيات , تماما كما حدث مع إحدى الناشطات التي فضّلت مواجهة الموت لتغيير مجرى التاريخ وللحصول على حقها وحقوق النسوة الآخريات على أن تبقى عبدة للرجل وللمجتمع؟؟
السؤال الذي أرّقني طويلا بعد مشاهدة الفيلم , كيف نجحت بريطانيا والدول الغربية في تغيير الثقافة السائدة آنذاك ووصل بها التقدم إلى ما نراه اليوم؟ إلى أن وفجأه تذكّرت إحدى مواجهاتي مع والدي رحمه الله, حين جادلته بحقوقي كإنسانه, ولماذا؟؟ ولماذا؟؟ ولماذا؟؟ وكانت إجابته ان هذه إرادة الله وكيف لي ان أتحدى أو أرفض كلمة الله! سؤالي للجميع أليس الله هو العدل والعدالة؟؟؟ ولماذا يختلف الله في المنطقة العربية عنه في العالم كله؟؟
المصدر ايلاف