أفريقيا تزدهر وعلينا ضمان استمرار ذلك

جون كيري97514
إن أفضل قصة لم ترو خلال العقد الأخير، ربما تكون قصة أفريقيا، فقد زاد الدخل الحقيقي هناك لأكثر من 30 في المائة ليتناقض مع عقدين من التراجع الاقتصادي، فضلا عن حقيقة أن هناك سبع دول من أصل عشر أسرع الاقتصادات نموا في العالم توجد في أفريقيا، فيما يُتوقع أن يزداد إجمالي الناتج المحلي بنحو 6 في المائة سنويا خلال العقد المقبل. كما انخفضت عدوى فيروس نقص المناعة المكتسب إلى ما يقرب من 40 في المائة داخل دول جنوب الصحراء الكبرى، بينما انخفضت حصيلة الوفيات بين الأطفال بسبب مرض الملاريا إلى 50 في المائة.

هذه لحظة فرصة حقيقية يجب على الأفارقة اقتناصها، فهي لحظة اتخاذ القرار.

والخيارات التي يقوم بها الأفارقة والقادة ستحدد ما إذا كان عقد التقدم سيؤدي إلى حقبة من الرفاهية والرخاء الأفريقي، أو ما إذا كانت أفريقيا ستجاوز دوامة العنف والإدارة الضعيفة التي أعاقت فرصة القارة لفترة طويلة للغاية.

هناك تحديات حقيقية تعيشها القارة السمراء؛ فالنزاعات الدموية المريرة تجتاح جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو، ناهيك عن استفحال الفساد، مما جعل الاتحاد الأفريقي يعلن أن ممارسات الفساد مسؤولة في حقيقة الأمر عن إهدار 148 مليار دولار أميركي سنويا، وأفريقيا بحاجة إلى قادة أقوياء ومؤسسات قوية تدافع عن حقوق الإنسان وتوقف التمييز العنصري، الذي يمارس ضد النساء والأقليات وتزيح القيود المفروضة على حرية التعبير عن الرأي في الوقت ذاته.

إن الولايات المتحدة ودول القارة السمراء تربطهما روابط اقتصادية وتاريخية قوية، فالحكومة الأميركية استثمرت مليارات الدولارات في قطاع الصحة العامة، وهو ما أحرز تقدما في مكافحة الإيدز والملاريا، فيما تعاونت قوات الأمن الأميركية مع نظيراتها في أفريقيا لمحاربة التطرف، لذلك على الولايات المتحدة القيام بدورها، كصديق لأفريقيا، في مساعدة الأفارقة على بناء مستقبل أفضل.

إن العديد من الفرص تتجلى بوضوح، حيث يتوجب على القادة الأفارقة وضع خلافاتهم العرقية والدينية جانبا في صالح لم الشمل والدفاع عن حقوق النساء والأقليات، وأن التوجه الجنسي مسألة خاصة، كما يجب عليهم إحراز تقدم اقتصادي من خلال القضاء على الكسب غير المشروع وفتح الأسواق أمام التجارة الحرة.

كانت الصراعات والأزمات التي أعاقت أفريقيا لفترة طويلة للغاية جلية أمامي يوم الجمعة خلال زيارتي إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، وأتذكر خلال زيارتي إلى جوبا في يناير (كانون الثاني) 2011، عندما صوت المواطنون في جنوب السودان بأغلبية لصالح الاستقلال، فحتى في خلال لحظة الابتهاج، لاحت سحب التهديد بالعنف العرقي في الأفق أكثر من أي وقت مضى. تحول العنف بصورة مأساوية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي عندما اندلع القتال بين القوات الموالية للحكومة والمتمردين التابعين لزعيم المعارضة، واليوم نشاهد أصداء النزاعات الماضية، فآلاف المواطنين قُتلوا، فيما جند الطرفان الأطفال وأصبحت بلديهما على حافة المجاعة.

لقد حاولت الولايات المتحدة وشركاؤنا في أفريقيا، وهو ما تجلى خلال زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى جنوب أفريقيا دونالد بوث، التوسط لحل النزاع.

وعندما التقيت شخصيا مع الرئيس سيلفا كير؛ ذكرته بمحادثاتنا بشأن وعد دولته. وطلبت منه تنحية الأحقاد القديمة والتوصل إلى تسوية مع المعارضة قبل أن تغرق بلاده في المزيد من الدماء.

إن حل المظالم القديمة صعب، لكنها ممكنة. وعلى مدى عقدين من الزمن، كانت منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا تعانى من أزمة نتيجة لاشتباك المسلحين والعصابات على الثروات المعدنية والاختلافات العرقية.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أظهرت القيادة في أنغولا قيادة ملحوظة في العمل مع البلدان الأفريقية الأخرى ومبعوث وزارة الخارجية الخاص لمنطقة البحيرات العظمى، روس فينجولد، لتعزيز إطار للسلام. ولا يزال هناك طريق طويل لنقطعه، لكن التقدم حقيقي وتمثل الأمل في المنطقة والقارة.

إن دورنا في أفريقيا يتجاوز حدود تقديم المساعدات الأمنية، فنحن نعمل لتعزيز الرخاء اللازم لمستقبل أفضل، فتحسين الطاقة في أفريقيا يعد أحد جوانب جهود واشنطن في هذا الصدد، حيث تعمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي تم تفعيلها من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما، على ضخ مليارات الدولارات لمضاعفة عدد الأشخاص الذين يستخدمون بالكهرباء.

ونحن ملتزمون بوعدنا تشكيل جيل جديد من القادة في جميع أنحاء أفريقيا. وهذا الصيف سيفد 500 أفريقي إلى الولايات المتحدة للزمالة في واشنطن للقادة الأفارقة الشباب. هذه الزمالة جزء من مبادرة الرئيس أوباما للقادة الأفارقة الشباب، وتوفير التدريب والموارد ومنصات لدعم تطوير المهارات القيادية، وتعزيز روح المبادرة وربط القادة ببعضهم البعض والولايات المتحدة. في أغسطس (آب) سيستضيف الرئيس القمة الأولى بين القادة الأفارقة والأميركيين.

تستطيع أفريقيا أن تكون منارة للعالم؛ فالتحولات الديمقراطية ممكنة والرخاء يُمكن أن يحل محل الفقر، ويمكن للتعاون أن ينتصر على الصراع.

غير أن الطريق لذلك يحتاج لعمل شاق وتعاون إقليمي ورؤية واضحة لمستقبل أفضل، فهدف الوصول لقارة مزدهرة وصحية ومستقرة، يمكن أن يتحقق حال اتخاذ الأفارقة وقادتهم القرارات الصحيحة.

* وزير الخارجية الأميركي

* خدمة «واشنطن بوست»
عن الشرق الاوسط

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.