مطر هذه الليلة لا يتوقف, شارع المشتل تحول إلى بركة ماء, الناس تسير مسرعة, صوت منبهات السيارات يصم الأذان, خصوصا أن الشارع تمر من خلاله مركبات الشحن الكبيرة, التي تتميز بمنبهات تسبب الصمم.
كان يحمل كتبه عادا لبيته, لكنه قد خالف كل من حوله بعدم اهتمامه بالمطر, بقي يسير على عادته ببطء, مع أن ملابسه تبللت بالكامل, معطفه الأسود وقبعته, لكنه كان غارقا في أفكاره, نعم لقد كان يوما سيئا, شديد الضغط على كيانه, فما عاد يعرف كيف يكمل الطريق, يهتز كيانه كلما عاد شريط الساعات الماضية:
– علي أن اترك هذه الوظيفة, التي لم تجلب لي ألا الهم والقلق, شهرين وأنا في رعب حقيقي, ما لي واللصوص, أنهم مجموعة من السفلة, لكن ببدلات غالية وربطات عنق أنيقة, عندما أراهم استشعر نتانة تخنق الوجود.
جاء اليوم احد المقاولين ومعه معاملته لبناء مشروع للعاصمة, لكن حسن الموظف الجديد في قسم تدقيق المعاملات, وجد أن معاملة المقاول مخالفة للتعليمات, فرفض تمريرها, وكتب عليها “مخالفة للتعليمات وغير مستوفية للشروط”, عندها دخل عليه المقاول, وطلب أن يكلمه على انفراد, فخرج حسن إليه ليفهم ماذا يريد, جلسا معا في كافتريا الدائرة, فبادر حسن للسؤال:
– قل ما تريد؟
أحسن المقاول أن الفرصة حانت كي يفوز بتوقيع هذا الموظف الشاب:
– سأعطيك سيارة حديثة هدية, بالإضافة لشقة مدفوعة الإيجار سنة كاملة, ومبلغ جيد من المال, سأجعل حياتك تكون كالحلم, فقط أفوز بتوقيعك, وهو سيكون في مصلحة البلد, وأنت بتوقيعك تقدم خدمة للوطن, وتكون أديت عملك على أحسن وجه.
ذهل حسن من كلام المقاول, فالمقاول دق على الوتر الحساس, فحسن يحلم بهذه الأشياء, سيارة وشقة, واطل وجه حبيبته التي تنتظره منذ أشهر, لكن أوراق المقاول لا تعطيه الحق بالفوز بالمقاولة, فان وقع عليها يكون مشترك في جريمة خطيرة, أفاق أخيرا من صدمة العرض, فقال للمقاول:
– لا لا لا , لا تحاول معي, أنا لا اقبل الرشوة, وان كررت كلامك سأشتكيك عند امن الدائرة.
اشتاط غضبا المقاول, فكيف يرفض هذا الصعلوك عرضه, هل ستضيع عليه المقاولة, فصاح بالموظف حسن:
– سأجعلك تندم.
غادرا الكافتريا, خرج حسن مسرعا, ووقف المقاول خارج الكافتريا يفكر, ثم اخرج المقاول سيكارته كي يرشده دخان التبغ لحل ما, وهو غارق بالتفكير بالخيارات البديلة, اتصل بمدير مكتب أمين الحزب, كي يحل الإشكال:
– صباح الخير فخامة الأستاذ.
– صباح النور, تكلم ماذا تريد؟
– أستاذ المقاولة عرقلها موظف صغير, أريد تدخلك استأذنا المبجل.
– اسمع, اذهب لغرفة المدير, فقط اخبره انك من طرفي.
– شكرا, شكرا سعادة الأستاذ الفاضل.
عادت علامات التفاؤل لوجه المقاول, أسرع نحو غرفة المدير, وكان هناك سكرتيرة جميلة بثياب فاضحة, تنظم الدخول لغرفة المدير, فاقترب منها, ليغمرها بعطره الفرنسي ويدهشها بخواتمه الذهبية, ونظر لها بعمق, ثم قال:
– صباح الخير ست.
تبسمت السكرتيرة وهي مازالت في دهشتها وإعجابها بالمقاول, فهي تعرف صفات الأغنياء:
– صباح النور أستاذ, تكلم ما هو طلبك, وسالبيه لك.
تبسم بخبث فالفتاة صارخة الجمال, ثم قال:
– أريد مقابلة المدير, لأمر خاص ومهم.
– تدلل أستاذ, سأخبره وأعود لك, تفضل, أستريح, وسأعود لك سريعا.
جلس المقاول, وذهبت السكرتيرة الجميلة, وبسرعة عادت له وهي تطيل النظر أليه بالإعجاب:
– تفضل أستاذ, المدير ينتظرك.
مد يده واخرج كارت شخصي, ودسه بين يديها, وقال لها:
– هذا رقمي الشخصي, انتظر منك اتصال, فانا أحب إن أخدمك, فأنت جميلة وتستحقين.
أخذت السكرتيرة الكارت على الفور وتبسمت برضا تام, وقالت له:
– سأتصل بك قريبا.
بعد ربع ساعة كان مدير التدقيق ومدير الحسابات يعنفون حسن بكلمات الذم والتقريع, وتم رفع تقرير بحسن لسوء سلوكه, وخصم عشر أيام من راتبه, وهو مصدوم مما يحصل, فهو لم يفعل إلا الصواب, لكن جاءت الأمور بعكس ما كان ينتظر, في نهاية اليوم الوظيفي جاء أمر نقله إلى مخازن الدائرة.
كأن كراج المشتل بركة ماء بفعل مياه الإمطار الغزيرة, ازداد المطر شدة, ومعه انقطعت الكهرباء, وحل ظلام دامس, ويزيد من رعب اللحظة الرعد المخيف, وصخب العائدين للمنازل من عمال وموظفين وكسبة,
كان حسن غارق في تساؤلات النفس: (( ترى هل قدر للعدل أن يموت, ولماذا الفاسدون ينجحون دوما, أن أكثر ما يثير تعجبي هو دولتنا التي تفتح اذرعها لفريق المنافقين والمفسدين.))
أخيرا اقبل الباص فهرول كل الحضور إلا حسن, كأنه يريد أن تغسل الإمطار ذاكرته, عن يوم انتصر فيه الفساد.
في تلك اللحظة بقي حسن وحيدا في الشارع, وفجأة تأتي سيارة سوداء مسرعة باتجاه حسن, وحسن غير منتبه لها الا وهي تقرب منه, ثم تسحق الموظف حسن, فتخرج صرخة مدوية تحت جنح الظلام, لتمتزج بالرعد والمطر, وتهرب السيارة مسرعة نحو المجهول, ويعود الصمت الا من صخب قطرات المطر.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟بقلم علي الكاش
- مباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراثبقلم مفكر حر
- دراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.بقلم آدم دانيال هومه
- ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني … غدت ضرورية غربية ودولية **بقلم سرسبيندار السندي
- الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولودبقلم مفكر حر
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
أحدث التعليقات
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **