تموت ملايين النساء في صمت خلف الجدران وخارجها , وتتجدد أساليب قمعهنّ واضطهادهنّ تحت راية الله أكبر وعلى لسان رجال الدين والتيارات الإسلامية المعادية للحرية ,هذه التيارات لن تكتفي بمعاداة من اختلف عنها, بل استباحت دمه ودماء عديدة تحت أعين ومسامع الجميع ,لا لشيء سوى لكونها مسنودة خفيةً من قبل الحكّام الذين يلهثون لمصالحهم فقط,فجائوا بهؤلاء كا جائوا بغيرهم من قبل, يستبيحون النساء ويجلدون ويقتلون كل من تتصدى لهم ويتحججون بالدفاع عن شرع الله والحفاظ عليه وعلى قيم المجتمع وعاداته الموروثة, وكأن الله بحاجة لهم ولمن يدافع عنه, وكأنهم لم يكتفوا بالدمار الذي أحدثوه لقرون مضت ,ولم يكتفوا بطمس عقول النساء ,قبل الرجال ,وحجب عقولهنّ باسم الدين الذي لا يمتلكون سواه كحجة , ففرضوا عليهنّ النقاب واحتجزوهنّ في البيوت ومنعهنّ من الخروج للشارع بدون محرم ,وسلبوا المسؤولية عنهنّ تماماً كونهنّ ناقصات عقل كما يدّعون , لن يكتفوا بكل ما أحدثوه من دمار فنظّموا مجموعاتهم لكتم انفاسهنّ ,سياسة تعمل بها أصحاب المصالح المشتركة من الحكومات إلى الدول الرأسمالية المستعمرة لبلداننا منذ عقود, أستخدموا القوة لتعلو أصواتهم فوق الحقيقة المتمثلة بالعدل والمساواة والحرية والكرامة بين الناس بغض النظر عن أية فروقات أو مسميات لا طائل لها, تتزايد مع ازدياد الحصار الفكري المفروضعلى الشعوب, وهي بالأساس فروقات شكلية وساذجة أمام عظمة الإنسانية .
هذه التيارات تعاونت مع غيرها في مصلحتها المشتركة, بعد أن غلب عليها طابع التفرد والأنانية والإجرام ,لتشترك وتتوحد بمصالحها لتشكّل هذه المصالح العامل المشترك الوحيد بين السلطات وأذيال الخيبة من التياراتها الإسلامية على إختلاف أنواعها ,مع الدول الإستعمارية , بغية سلب ثروات الشعوب بعد أن يسلبوا عقلها وتفكيرها بالقمع والعنف ,كون تجميد العقول هو السبيل الوحيد الذي من شأنه شل حركة الشعوب وتشويهها ومن ثم التمتع بثرواتها , سلب العقول وتجميد تفكيرها بغية عدم المطالبة بحريتها والتمتع بخيراتها.
وهذه الدول المسماة بالكبرى , هي كبيرة بالدمار الذي يحدثوه فقط ,كبرت وتطورت على أساس (المصلحة تعلو فوق الإنسانية) كبرت مثل ما يكبر السرطان ليُمسك بخبث جسد الضحية ,ينهش به ببطىء ويشل قدراته تدريجيا وبصمت دون دراية من صاحبه, فيتنامى العنف وتتنامى التفرقة كما تنامت اليوم وبشكلها الفاضح والمخزي معاً, لتتنوع اشكال التمييّز وتتوه بين الطائفية والجنسية والقومية والعرقية والمذهبية …..والخ .
لكن المرأة تتحمل اليوم قسطاً مضاعفاً من هذا القمع والترهيب عن ما يتحمله الرجل ,فاستُهدِفت بالدرجة الأولى كون الطريق لإستهدافها مفتوحاً ومسنوداً ومفروشاً بكل انواع القمع والترهيب, والحجج جاهزة امامها ومتعددة منذ آلاف السنين ,حيث تعددت منافذ الهيمنة عليها بحكم سيطرة الديانات والحرق بنار الآخرة بعد الدنيا فيما لو حاولت إحداهنّ التمرد وكسر القيود, المنافذ لجلد المرأة عديدة كونها الجنس الموصوم بالخطيئة منذ أن قطفت الأم حواء ثمرة المعرفة فتحولت المعرفة إلى خطيئة ,ووصِمت بالعار وجُردت من عقلها بل وحتى جسدها فصار شرفها مقرون بالرجل وليس بها, بمعنى أنها مجردة حتى من جسدها ولا يحق لها التصرف به كما تشاء , لتكون ملكاً صرفاً للرجل يحق له بقتلها تحت حجج ومسميات عديدة .
سيتساءل البعض عن ماهية العلاقة بين المرأة ووضعنا الراهن وتدهور بلداننا,لكن الصورة واضحة للعيان ,من خلال القتل والتهميش المستمر لنصف المجتمع بعد أن كان وضع المرأة في سبعينات القرن المنصرم أفضل حالا عن ما هو عليه الآن ,ومع تدهور وضع البلدان بتدهور وضعها كونها الحاضنة الأولى للأبناء ولها الدور الأكبر من الرجل في رقي وبناء المجتمعات , ومع هذا لا تزال مجتمعاتنا تتحجج وتبتدع الحجج دوماً ,وأهم تلك الحجج هو إقحام الدين بالسياسة حسب سياسة البلد وظرفها ,لقمع النساء وحصرهنّ في إطار البيت والزوج والأبناء ,كنوع من انواع التقسيم الديني والجنسي,هذا رغم نضالها على مر العصور.
ولا تزال الضحية تُعاقب, ولا يزال قانون الأسرة الأبوية قائماً بستعبد الفقراء ,سانداً لفئة ومضطهدا لأخرى ,ولا تزال هذه القوانين تعاقب الضحية المتمثلة بالمرأة وتطلق سراح المعتدي المتمثل بالرجل ,فيتهمون المرأة حتى لو كانت الضحية ويغضون أبصارهم عن المعتدي ,وفي الوقت ذاته يعتدي أصحاب النفوذ والسلطة على الرجال الفقراء الذين لا يمتلكون الأموال والنفوذ , وهذا يعتدي بدوره على المرأة ليسد النقص الذي أحدثه النظام الفاسد ,وهكذا تستمر الدوامة ويستمر التمييز ويستمر قانون الغاب حيث القوي يأكل الضعيف وكأننا في العصور ما قبل التاريخ في رجوع ,أو إننا فعلا نتراجع , لا رغبة من الشعوب بهذا كونها منقادة ,وإنما رغبة من أصحاب المصالح.
ومع كل هذا الحصار نرى بعض النساء الواعيات رغم قلتهنّ ,على اساس ان الغالبية منهنّ مقتنعات بأنهنّ الجنس الأدنى , فلا تزال القلّة الواعية منهنّ تحارب وتواجه التيارات الأصولية الظلامية وتناضل ضدها وضد قوانينها , وهيهات لهم من قتلها بعد أن بدأت تدرك قيمتها شيئاً فشيء بحكم الإنفتاح الذي حصل اليوم.
تحتفل نساء العالم بيومهنّ وما حققنّ به من بطولات وتقدم , والمرأة العربية في خضوع ودوامة الهجمات المتكررة وإلصاق تهمة العهر بها فيما لو طالبت بحريتها أو تمردت على عبوديتها فيتهموها بالعهر والفسوق ويصبون اللوم عليها .
تحتفل نساء العالم في مثل هذه الأيام وغالبية نساءنا اليوم يعشنّ في سجن أبوابه حديدة ومحكمة الطوق ,تطوّقها وتحصرها من خلال قوانين متعسفة تسلب حقوقها ابتداءً من قانون الزواج الذي يبيح للزوج تأديب زوجته بالضرب ويعاملها كما لو كانت طفلاً قاصراً , وإنتهاءا بالشارع واستباحة حريتها فيه .
علينا أن نقف وقفة حداد على من قُتلت منهنّ بصمت وعلى من ماتت منهنّ قهراً , وعلى من تنتظر دورها ؟
علينا أن نسجل جميع الجرائم التي أرتكبت بحقها ليحفظها التاريخ لنا,ونكشف عن عالمها المظلم لنعينها على أن تنفض عنها غبار السنين وخوفها من القتل ,فحياتها لا تُعتبر حياة فهي مقتولة أساساً , لتتمرد على كل التعاليم التي سلبتها واستباحت حقوقها وإنسانيتها ,علينا تسليط الضوء عليها وعلى عالمها المعتم والظلام الذي يحيط بها ليمنعها من كشف الحقيقة , وعلى هذه الأساليب المبتكرة لتعنيف النساء المتعلمات اللواتي تحررنّ من هذه القيود لإبعادهنّ من الحياة العامة , وتلك الحملات المتصاعدة ضدها بغية اقتلاع تاريخها ونضالها .
لا نريد شعارات في يومها ,ولا نريد تبجيل لدورها الذي لا يتناسب مع الهجمة الكبيرة عليها ,ولا نريد إظهار ما أنجزته فقط رغم إنجازاتها وإهمال واقعها المزري ,بل نريد عرض هذا الواقع بكل قباحته ومرارته وتبيان شمسها الغاربة ووضعها الذي صار على حافة الهاوية بفعل ضعفها المتأتي أولاً وأخيراً من فقرها الثقافي .
بوعينا نرتقي ودمتم بوعي