فى خضم زحمة الحياة وتراكم همومها وكثرة مشاغلها نغفل عن قيمة إشعار من نحب بعمق محبتنا لهم على الرغم من أهمية ذلك لديهم، وعظيم أثره عليهم، وشدة احتياجنا واحتياجهم إلى الشعور بهذا المعنى.
أخبر والديك الآن أنك تحبهما.
أخبر أولادك الآن أنك تحبهم.
أخبر زوجتك الآن أنك تحبها.
أخبرى زوجك الآن أنكِ تحبينه.
أخبر إخوتك وأقاربك وأصدقاءك بأنك تحبهم.
قم وتدارك حياة من تحب قبل أن تُفرِّق الأيام بينكم، فالدنيا أقصر مما تظن، ورُبَّ فراق يتضاعف ألمه كلما تذكر المحِب أنه لم يُشعر من يحب بما استكنَّ فى قلبه من محبة، وما يحمله له من صفو الوداد.
كرِّر ذلك بين الفينة والفينة،
ففى وقت الهموم والمصائب والمحن والشدائد، دفء المحبة يمسح الهموم عن القلوب،
وفى وقت الرخاء والسعادة والفرح، تُضفى المحبة على القلوب ارتقاء معانيها،
وفى وقت رتابة الحياة وتكرار نمطها، تُميط المحبة عن القلوب سآمة الحياة برَوحها.
بُثَّ فى مناجاتك لربك الودود لواعج هذه المحبة، فقد خاطب النبى ﷺ مولاه سبحانه وتعالى بحبه لسبطه الحسن ومرة أخرى لسبطه الحسين عليهما السلام فقال: «اللهم إنى أُحبُّه فأحبَّه، وأحبَّ من يُحبُّه».
و«أعلن» حُبَّك فى هذا الفضاء الذى لوَّثته الكراهية والبغضاء لعلك تُسهم فى تنقيته، فإن ربَّ العزة الودود تبارك وتعالى إذا أحب عبداً «أعلن» للسماء والأرض بأنه يُحبُّه، بل إنه سبحانه وتعالى يُكلِّف جبريل عليه السلام بهذه المهمة!
مهمة جبريل عليه السلام العظمى هى الوحى وإيصال كلام الله إلى أنبيائه ورسله عليهم السلام، فكأن تكليف الله تعالى له بالإعلان عن حبه تعالى لعبد من عبيده فيه ملمح يشير إلى أن المحبة هى رُوح تَلقِّى أنوار الوحى، وجبريل عليه السلام هو من صحب النبى ﷺ فى معراجه إلى العالم الأعلى، فكأن تكليفه بإعلان الحُب يُلمح إلى أن الحب هو معراج الأرواح.
قال سيدنا ﷺ: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببْه فيحبه جبريل، فينادى جبريل فى أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض». رواه البخارى ومسلم.
الحب هو طريق المعيَّة، فإن ثقلت عليك حتمية الفراق ففى الحب سرٌّ من معيَّة المحبوب لا تقوم أمام عظمته حتمية الموت.
الحب هو إكسير المعيَّة الذى يطوى على بساطه فوارق المقامات والمراتب فى الدنيا والآخرة، قال سيد الأحبة وقبلة العُشَّاق فى مواكب الأشواق صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مع من أحببت).
أعلنوا الحب
ولا تلتفتوا إلى وسوسة إمام الكراهية، ولا إلى ما تُردده الأمَّارة بالسوء من أوهامٍ تصرفنا عن إعلان الحب بذريعة أن الحديث عن الحب ما هو إلا رفاهية لا يتسع لمثالياتها واقع الأمة الملطخ بالدماء والملوث بالكراهية والموبوء بالظلم؛ فإنه لم يبق لعلاج هذا الواقع المريض سوى إكسير الحُب.
فيا من يقرأ هذه السطور:
أرجوك..
قم وأخبر من تحب بمحبتك إياه،
الآن اتصل به وبُثَّه صفو الوداد،
بادر ولا تتردد، فقد مَرَّ رجل بمجلس سيدى وحبيب قلبى وبهجة فؤادى ﷺ؛ فقال أحد الصحابة رضى الله عنهم يا رسول الله إنى أحبه.
فقال ﷺ: هل أخبرته؟
قال: لا يا رسول الله.
فقال إمام أهل الحب ﷺ: «هلّا أخبرته». وفى رواية: «اذهب وأخبره أنك تحبه».
وأخيراً..
أماه، أحبكِ ولا أجد شافعاً لتقصيرى فى بِرِّكِ سوى هذا الحب.
أبتاه، أحبكَ ولا أجد شافعاً لتقصيرى فى بِرِّكَ سوى هذا الحب.
زوجتى الغالية، أحبكِ فسامحينى إن كنت بخيلاً فى التعبير عن هذا الحب.
فاطمة الزهراء، محمد الباقر، صفية، خديجة، الحسين، ثمرة فؤادى أحبكم، فسامحونى على كونى لست أباً جيداً.
أختى ابتهال، أخى عبدالعزيز، أحبكما وأحب أبناءكما شهد وعلوى وزينب وفاطمة ومرومة وأحمد وعبدالرحمن فسامحونى على كل ما بدر منّى من إساءة.
دعونى أخبركما بأمر لم أبثه إليكما من قبل:
كلما أتذكر وقفتكما معى بعد العملية التى أجريتها قبل نحو من سبع عشرة سنة وأنتما تقومان بغسلى وتنظيف بدنى حال عجزى عن الحراك أشعر بأنكما ما زلتما تغسلان قلبى بهذا العطف والحنو.
إخوتى وأقاربى وأصحابى، أحبكم.
مشايخى الذين تفضَّلوا علىَّ فغذُّوا العقل بغراس العلم، وتعهَّدوا الروح بواردات المحبة، أحبكم.
معاشر الطلبة الذين تفضلوا علىّ بعمارة الوقت فى مدارسة العلم وإدارة مُدام الإرث النبوى، أحبكم.
ويا كل من ينتقدنى ويَبُثُّ إلىَّعيوبى، أو يتهجَّم علىَّ صارخاً بها أمام الجميع، أحبكم، فكم أسديتم إلىَّ من معروف حين بصَّرتمونى بعيوبى، أو كفَّرتم بإساءاتكم ذنوبى.
ويا كل من يخالفنى فينتقدنى، أو أخالفه فأنتقده، أحبكم، فالنقد الصادق ينبع عن الحرص، والحرص ينبع عن الحب.
ويا من يقرأ هذه العبارات ممن حجب الله عنه أكثر عيوبى فأحب، أو من أظهر الله له بعضاً منها فأبغض، أحبكم جميعاً فى الله.
وقبل كل ذلك وأثناءه وبعده؛ أحبك ربى وخالقى وحبيبى.
أحبك يا رسول الله وأحب عترتك المـُطهرة آل بيتك وأحب أصحابك.
أو هكذا يدَّعى القلب، فإن كان صدقاً فالصدق محبوب، وإن كان ادعاءً فأرجوك رباه أن تتجلى عليه باسمك الودود ليستحيل حقاً يا حق.
اللهم طهِّر قلوبنا بالحب، واملأ قلوبنا بالحُب، ونوِّر قلوبنا بالحب، وزَكِّ نفوسنا بالحب، وائذن لأرواحنا بالعروج إلى حظائر قدسك على أجنحة الحُب.
وأرواحٌ تطير إلى عُلاها بأجنحة الغرام المقعدية
فتسرحُ فى رياضٍ من جِنانٍ وتأوى للقناديل المضيئة..
«الإمام الحداد».
نقلاً عن الوطن