أعرس إنتخابي أم مأتم إنتخابي؟

علي الكاش كاتب ومفكر عراقيdollargun

( إن الديمقراطية لا تغفل عن تعليم الأمة، إلا إذا أوكلت أمرها لجماعة من المتوحشين).
قبل الدورة الإنتخابية عام 2010 كتبنا سلسلة من المقالات حول طبيعة الإنتخابات ونتائجها المتوقعة منها(إنتخابات أم خيبات؟ بثلاثة أجزاء، و أسوأ الخيارات أنتخب وأنتحب؟ أم لا أنتخب وأنتحب؟ وغيرها). وفي الإنتخابات التي جرت في شهر نيسان الحالي لم نكتب شيئا عنها، مما أثار إستغراب بعض القراء والكتاب الأفاضل وسألونا عن السبب؟ بالرغم من إننا أشرنا في هامش مقالنا الأخير بعنوان(هل الشعب العراقي عظيم؟ ـ في الرد على بعض الأخوان الذين تبجحوا بأن الشعب العراقي عظيم، وأرجأنا كسب الرهان معهم الى ما بعد ظهور نتيجة الإنتخابات الحالية لنعرف مدى عظمة شعبناـ بالتأكيد إذا كانت النتيجة فوز المالكي وحزبه المشبوه بأكثرية المقاعد فأن الحكم بعظمة الشعب لا يمكن قبوله، وكذلك الحال مع بقية الكيانات المسخة في الساحة كالمجلس الأعلى وحزب الفضلية وحزب الله وقوائم علاوي والنجيفي والمطلك والجلبي وبقية العملاء الذين نسفوا آمال الشعب وبددوها.
عندما تساءل البعض عن سبب إعتكافنا الكتابة عن هذه الإنتخابات، خطر على البال فورا قصة خطيب جامع إستمر يلقي نفس الخطبة عدة جمع، فزهق السامعون من تكرارها وطلبوا منه خطبة عن موضوع جديد، فقد سأموا التكرار! فأجابهم: وهل عملتم بها لكي اتركها لخطبة أخرى؟
عندما تكون الساحة السياسية مليئة بنفس الوجوه الكريهة ونفس الكيانات المشبوهة، فكيف يمكن أن يُرتجى منها خيرا؟ لقد سئمنا الوعود الكاذبة التي مارستها جميع الكيانات الحاكمة بطريقة مبتذلة دون أن تتعرض للمساءلة من قبل الشعب، ولا نقول ممثلي الشعب، فهم من نفس طينة الحكومة. وأصبح حالنا حال جحا حينما كان سائراً يوماً، فتمني من الله أن يرزقه بحمار يريحيه من طول الطريق وحمل الأثقال. فإذا به يجد حدوة حمار ملقاة على قارعة الطريق، فحملها بسرعة فرحا، وقال مع نفسه: الحمد لله لم يبق سوى ثلاث حدوات ولجام وسرج وأبلغ ما تمنيت! آمال من سراب تختفي مع ظهور شمس الحقيقة، حري بالشعب أن يعِ وضعه، ويدرك حجم محنته!
عندما يكون الإستقطاب الطائفي والعشائري والعنصري هو المحور الأساسي للمارسة الديمقراطية، فما الذي سيستجد؟ الكردي سينتخب كرديا وكذلك التركماني والشيعي والسني وبقية الأقليات، وربما يحكم الإنتماء العشائري بعض الناخبين، علاوة على بعض المغريات التي يغمز بها المرشحون.
عندما تلعب الأموال والرشاوى دور البوصلة في توجيه الناخب فما الذي نتوقعه منها؟ فقد أشارت المصادر الإعلامية الى قيام بعض الكيانات المجاهدة جدا، بشراء إستمارات الناخبين العقلاء جدا والحريصين على مستقبل بلادهم جدا، مقابل مبلع من المال متواضع جدا.
عندما تكون المحكمة الإتحادية، والمفوضية غير المستقلة للإنتخابات بيد نوري المالكي، فما الذي يمكن نتوقعه بشأن النزاهة والأمانة والحرص على أصوات الناخبين؟ فما تزال مخلفات الدورة الإنتخابية السابقة عالقة في الإذهان ولم تبارحها بعد! لذا بكل تأكيد ستكرر المأساة.
عندما يَضمن المالكي أصوات معظم الناخبين من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الذين يبلغ عددهم (1.023.829) عنصر حسب ما أعلنه صفاء الموسوي المتحدث بإسم المفوضية! فما الذي يمكن توقعه؟ علما ان وسائل الإعلام أشارت الى توجيه القادة وكبار الضباط لقطعانهم المسلحة بالتصويت لصالح الراعي نوري المالكي، بإستخدام وسائل الترغيب والترهيب.
طالما أن الجيش مسيس وهو بلا أدنى شك جيش المالكي تحديدا، وليس جيش العراق، فكيف يمكن إدخاله في العملية الإنتخابية وولائه السياسي محسوم مسبقا؟ لقد حصل المالكي على أصوات الجيش والشرطة وبقية الأجهزة الأمنية مما يعني حصوله على أعلى نسبة من المقاعد البرلمانية كتحصيل حاصل.
حين تعترف المفوضية بأن رئيس الوزراء نوري المالكي يمول دعايته الإنتخابية من المال العام، بما يخالف شروط المفوضية، لكنها لا تستطيع أن تحاسبه! ماذا يعني هذا؟ وعندما لا تتمكن المفوضية من ردع المسيء القوي، وتردع الضعيف فقط، وتغرمه الملايين أو تحرمه من المشاركة بحجة سوء السلوك! هل يمكن ان تكون تلك المفوضية نزيهة وأمينة الجانب؟
عندما يقوم رجل القضاء محمود الحسن(الذي حاكم الرئيس السابق الشهيد صدام حسين) بتوزيع سندات تملك أراضي وهمية على الناس الجهلة والسذج، شريطة إنتخاب المالكي، وبسكوت ورضا المفوضية؟ كيف نعلل هذه الممارسة المبتذلة؟ إن كان موقف رجال القضاء هكذا! فما بالك ببقية المؤسسات الحكومية؟
هل يمكن تصور إجراء عملية إنتخابية دون وجود إحصاء سكاني؟ وهل يمكن التخطيط لأي عمل ناجح يحقق الرفاه والعدالة للشعب دون معرفة حجم السكان، سواء للعراقيين داخل أو خارج العراق؟ ولماذا تخشى الأحزاب الحاكمة عملية إجراء التعداد السكاني طالما هم متأكدون بأن أهل المظلومية يمثلون 85% من العراقيين؟
تشير المعلومات الرسمية بأن من نتاج الديمقراطية في العراق الجديد افراز ما بين(7 ـ 8) مليون أمي لا يعرفون القراءة والكتابة، يمكن سوقهم كالغنم الى صناديق الإقتراع وتوجيههم كما تريد الأحزاب، دون أن يفهموا ماذا يعني الإقتراع وما هي أهميته. واذا إفترضنا صدق إحصائية المفوضية بمشاركة(12) مليون ناخب، وطرحنا منهم هؤلاء الأميين مع مليون من عناصر القطعان المسلحة، فما الذي سيتبقى لنا؟ أين النخب المثقفة؟ اليست هذه النخب مهجرة خارج العراق ولم تتجاوز نسبة مشاركتها 7% هذا ان صدقت المفوضية غير المستقلة للإنتخابات؟
هل يمكن إجراء ممارسة ديمقراطية في ضوء عدم وجود برامج ومشاريع سياسية وإقتصادية للمرشحين. هل يُعقل أن تكون رحلة مجانية إلى(السيد محمد ـ أحد أحفاد الأئمة) برنامج إنتخابي لنائبة عراقية لا تخجل من تفسها ولا من الناس؟ هل يعقل أن تكون دجاجة مشوية أو علبة من المخللات أو بطانية وأو مبلغ من المال هي الوسائل الرائجة لكسب أصوات الناخبين؟ هل هذا عرس إنتخابي أم مأتم إنتخابي وإنتحار ديمقراطي؟
هل يمكن أن يعقل تهميش أهل السنة بإغلاق مراكزهم الإنتخابية بحجة وجود مفخخات فيها، علما أن خطة الطواريء قد نفذت قبل الإنتخابات بأيام وقطعت الطرق ومُنع التجول؟ ألا يعني هذا وجود شرخ كبير في الممارسة الإنتخابية، من خلال تهميش مكون كبير من الشعب؟ وهل يمكن أن إجراء إنتخابات والحكومة تشن حربا على أكبر محافظات العراق؟ وأهل المحافظة ما بين مهجر أو تحت القصف الحكومي، أو يحاول إنقاذ أهله من الغرق(أغرقت الحكومة محافظة الأنبار لعجزها عن الحل العسكري).
هل يعقل أن يتم إنتخاب الجواسيس والمفسدين والمهربين والمزورين وزعماء الميليشيات الإرهابية الذين دمروا البلد لدورتين إنتخابيتين مرة ثالثة. ان كان المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فأكيد الكافر هو من يُلدغ من نفس الجحر لمرة ثالثة!
ثم كيف تكون العملية الإنتخابية نزيهة وقد أقصى رئيس الوزراء ابرز مناوئيه سواء من الشيعة والسنة، بمساعدة القضاء المسيس لخدمته بذريعة الإرهاب والفساد، مع إن المالكي وعناصر حزبة أفسد خلق الله.
من جهة أخرى فأن المفوضية المستقلة للإنتخابات ـ يثير إسمها الضحك كيف تكون مستقلة وهي خاضعة لنظام المحاصصة الطائفية، وأعضائها ينتمون للأحزاب الرئيسية الحاكمة؟ ـ لم تتغير رئاستها وأعضائها ولا أيضا ربيبتها المحكمة العليا؟ الوجوه نفس الوجوه الكريهة، التي لم تحافظ على اليمين الذي أقسمته مع الله تعالى! فهل ستلتزم بيمينها مع البشر؟ حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له.
هل يمكن أن يعقل إنتخاب الإيرانيين أو من يحملون الجنسية الإيرانية أو أصحاب جنسيات أجنبية لمجلس النواب العراقي؟ هل هو برلمان عراقي أم برلمان متعدد الجنسيات؟ وأين الدستور الذي يتشدقون به الذي ينص على خلاف ذلك؟
الكلام كثير ومتعدد الواجهات وعسير جدا، لكن الأكيد أن الديمقراطية لا علاقة لها بالعملية الإنتخابية الجارية، لا عن قريب ولا عن بعيد. لقد ذبحنا الديمقراطية من الوريد الى الوريد، وأثبتنا بجدارة منقطعة النظير، بأن الديمقراطية لا تليق بنا ولا نليق لها. الديمقرطية في العراق ثمرة، قطفت قبل نضوجها، فلا يمكن أكلها ولا إعادتها الى الشجرة.
لذا قبل أن تعلن نتائج الإنتخابات الحالية، على الشعب العراقي أن يتهيأ لفترة مظلمة قادمة بعد عرسه الديمقراطي! ولا يلمٌ بذلك إلا الأصابع البنفسجية! فهي السبب الرئيس لتكرار المآسي والمظالم.
العلة فينا يا سادة! لا في الديمقراطية، ولا في غيرنا لنحملهم بلوانا. يصدق علينا الحديث النبوي الشريف ” كما تكونوا يولى عليكم”.(أخرجه البيهقي في مسند الفردوس).
علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.