أعجب ما في القضية المالكي يرفض الطائفية!

علي الكاش: مفكر وكاتب عراقيassadmalki

كان للحادث الإجرامي الذي طال مسجد علي في محافظة القطيف في المملكة العربية السعودية وقعا محزنا في نفوس الجميع، سيما العراقيين الذي عانوا ما عانوا من تفجيرات المساجد والحسينيات خلال السنوات الماضية ودفعوا فاتورة باهظة من الدماء البريئة بسبب التحريض الطائفي المعلن أو غير المعلن. والحقيقة إن إستهداف بيوت الله أو الحسينيات تعد من أسوأ الأعمال الإجرامية لأن من يأتي لهذ الأماكن هم أناس يبغون قضاء فريضة دينية، أبرياء لا علاقة لهم بسياسة الحكومات او ظلم الحكام، وجلهم لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث من فساد سياسي وأخلاقي حكومي.
الكثير منا إعتقد باديء ذي بدأ بأن الحادث الإجرامي لا علاقة له بتنظيم القاعدة أو داعش، لأن المستفيد الأكثر من وراء هذه العملية هو نظام الملالي الحاكم في إيران، سيما إن المملكة في حالة حرب مع ميليشيات الحوثي التابعة للملالي، ومثل هذا التفجير الإرهابي سيعقبه تفجير تحريضي ربما يفوقه قوة وتدميرا. أعلان تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية عن الفعل الإرهابي، يعيدنا الى صفحة ماضية عندما أعلن تنظيم القاعدة إنه يقف وراء تفجير العتبات المقدسة في سامراء، وتبين بعدها إن الحرس الثوري الإيراني هو الذي قام بالعمل الإرهابي وليس تنظيم القاعدة كما أعلن حينها وأعدم النظام العراقي عدد من عناصر التنظيم حينذاك. المهم إن التحقيقات القادمة ستكشف الكثير من التفاصيل، لكن السؤال المهم هو: من له مصلحة في بزعزعة الإستقرار والأمن الداخلي في السعودية؟
بغض النظر عن الجهة التي قامت بقتل الإبرياء فإن الفعل إرهابي بحت، ومن قام به إرهابي بكل ما في الكلمة من معنى خسيس، كما إن الذين فجروا مساجد أهل السنة في العراق من الميليشيات الشيعية هم أيضا عناصر إرهابية وفق نفس الصيغة. ليس من العدالة والمنطق مثلا أن نصف من فجر مسجد الشيعة في القطيف إرهابي، ومن فجر مسجد مصعب إبن عمير في محافظة ديالى غير إرهابي. في حين إن عدد قتلى مسجد مصعب (73) شخصا أي ضعف قتلى مسجد القطيف. مع فارق أن الإرهابيين الذين قاموا بمجزرة مسجد إبن صعيب أحرارا وحماهم القانون، في حين الإرهابي الذي فجر مسجد القطيف مات مع القتلى الأبرياء. لا احد يرضى بالإرهاب الا الإرهابي نفسه سواء كان عضوا في ميليشيا وتنظيم إرهابي أو يحمل نفسا طائفيا، لأنه سيكون على إستعداد ورضا لأن يكون إرهابيا. الإرهاب كما قلنا وقال غيرنا ليس له جنسية ولادين ولا قومية ولا وطن، إنه كالسرطان يصاب به الناس في جميع أنحاء المعمورة، يمزق الجسد الواحد، ويدمر كل خلايا المحبة والتآخي والمواطنة والتسامح.
لا شك إن الخطابات التحريضة لها دور كبير في تنمية الإرهاب ونشره سواء كانت صادرة من رجال دين أو سياسة، وتأثيرها يكون مدمرا سيما بين الجهلة والسذج وناقصي الدين والوعي، ولأن مجتمعاتنا متخلفة وتنتشر الأمية بين المواطنين بنسب مخيفة، وينخر السوس في سقوف العوام العقيلة مما يسهل توطيد نزعة الإرهاب عندهم. لذا كل من ساهم في صياغة ونشر الخطاب التحريضي يجب أن يعرف أن ما يحدث من أعمال إرهابية هي ثمار ما زرعه في عقول العامة. السياسي الذي يسلم عناصر الميليشيا أسلحة ليقتل الإبرياء لا يختلف عن رجل الدين الذي يسلح من يقلده ثقافة الإرهاب، لأن النتيجة واحدة، والثمن واحد، إنها دماء الأبرياء.
الحكومة السعودية أدانت العمل الإرهابي، ومن المؤكد جديتها خلال التحقيقات الجارية، وستكشف خيوط العمل الإرهابي وتنشره في وسائل الإعلام. كما جرت العادة في تفجيرات إرهابية سابقة كشفت عنها، على العكس مما يحدث في العراق، فلم تكشف الحكومة عن أي عناصر إرهابية قامت بتفجيرات مساجد أهل السنة لحد الآن، رغم إنه لا يخفى على الجميع من قام بها. تفجير مسجد عمر بن صعيب على سبيل المثال وما رافقه من فتح النار على المصلين جرى أمام أنظار نقطة سيطرة للشرطة قرب المسجد، ورغم ان الميليشيا الإرهابية طاردت الجرحى في المستشفيات وقتلتهم، لكن بعض الناجين تعرفوا على الإرهابيين وكشفوا أسمائهم، فسارعت الحكومة إلى تهريبهم إلى جارة السوء إيران الملالي، وأسدل الستار على الحادث شأنه شأن بقية التفجيرات.
الغريب في الأمر هو أن تصدر إدانة وإستنكار للعمل الإرهابي من أشد الناس طائفية هو وحزبه العميل وعناصر حزبه! فقد دعا جودي المالكي، نائب الرئيس العراقي، السلطات السعودية” إلى إيقاف التحريض الطائفي الصادر عن المنابر السعودية”! وأضاف في بيانله بأن ” أصحاب الفكر التكفيري الإرهابي ارتكبوا جريمة نكراء أخرى تضاف إلى سجلهم الأسود ضد المصلين الأبرياء في بلدة القديح بمحافظة القطيف السعودية وذهب ضحيتها العشرات بين شهيد وجريح”. مطالبا المملكة بـ “ايقاف آلة التحريض الطائفي والمذهبي”. بالطبع لو كان هذا البيان صادر من غير المالكي، لكان معقولا ومقبولا، لكن ان يصدر من أسوأ طائفي شهده العراق في عصوره، فهي الطامة الكبرى!
كي لا يجني البعض علينا، سنستذكر بعض تصريحات المالكي الطائفية أولا، وما قاله عنه أحبابه وأصحابه ثانيا، ونهمل تصريحات أعدائه لأن ذلك الأمر طبيعي ولا يخدم مقالنا.
قال المالكي في نيويورك” إني أفتخر بأني أولا شيعي، وثانيا، مسلم، وثالثا عراقي”. أي إعطى الأسبقية للمذهب على الدين والوطن، بالتأكيد لا إعتراض على أي إنسان أن يضع سلم إسبقياته كفيما شاء، أما أن يصدر هذا الكلام عن رئيس حكومة يدعي بأنه يمثل العراقيين جميعا، فهنا يقع الإشكال. في خطابه للرافضين سياسته الطائفية وتهمشيه لهم، هدد أهل السنة بأن يُنهيهم إذا لم يًنهوا إعتصاماتهم السلمية. ثم تجرأ فصرح بأنه بينه وبين اهل السنة بحر من دماء. كما صرح في مؤتمر صحافي بمدينة كربلاء مطلع العام الحالي قاصدا في كلامه أهل السنة” ان الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد فهم موجودون الان والحسين مازال يستهدف من هؤلاء الطغاة، وإن انصار يزيد وانصار الحسين وعلى طول الخط يصطدمون حاليا في مواجهة شرسة عنيدة وهذا يعطي رؤية بأن الجريمة التي ارتكبت بحق الحسين لم تنته وانما لازالت فصولها هي التي نعيشها اليوم من قبل الارهابيين والطائفيين والحاقدين على الاسلام وعلى أهل البيت”. ثم طالب بأن تكون” مدينة كربلاء قبلة العالم الإسلامي لأن فيها قبر الحسين”. وهو تكرار لمقولة الخميني” ستكون كربلاء أرض الله المباركة المقدسة، قبلة للناس في الصلاة”. وعن دوره في دعم الميليشيات الإرهابية بإعترافه هو، كشف وزير المالية هوشيار زيباري عن” انقاق الحكومة اكثر من مليار دولار على المليشيات التي تقاتل مع الجيش الحكومي”، أي ميليشيا الحشد الطائفي، عصائب أهل الحق، حزب الله.
كما كشف موقع ويكيليكس وثيقة تقول إن” المالكي يرفض تشكيل الأقاليم في المحافظات ذات الغالبية العربية السنية لانها تنجي أبناء تلك المحافظات من الثأر الذي أوكل المالكي بأخذه منهم لصالح إيران، وان المالكي رد على عدد من أعضاء حزب الدعوة الذين يشجعون فصل العرب السنة في اطار أقاليم بقوله ” أنا أحكم العراق كله من أبعد نقطة في جنوبه إلى أبعد نقطة في شماله، بما في ذلك اقليم كردستان، فإذا قامت الأقاليم لن يبقى عندي ما أحكمه سوى الجنوب الشيعي المتخلف، وهي المنطقة التي لا أجد صعوبة في حكمها أصلا، فأهل الجنوب أميون يكتفون بأن أقيم لهم كل سنة مراسم أربعينية الحسين، وهم بالمقابل يدينون لي بالولاء المطلق، المهم عندي هو كسر شوكة الكرد والعرب السنة فقد آن الأوان لوضع حد لهم إلى الأبد”. ومن تصريحات أبواق المالكي، ذكرت النائبة حنان الفتلاوي ” في حالة ذبح الشيعي دفاعآ عن الانبار لماذا يقولون لا يوجد توازن؟ واستطردت بأنها تريد توازن بالشهداء” فعندما يقتل 7 اشخاص من الشيعة ان يقتل قبالتهم 7 اشخاص من السنة ليتحقق التوازن”.
المالكي صنيعة أمريكية إيرانية وهذا الأمر لا يحتاج إلى مناقشة بإعتراف صنائعه أنفسهم. فماذا يقولون عنه؟
قال أوباما غداة إعلانه إرسال 300 مستشار من القوات الخاصة الى العراق” إن التضحيات الأميركية أعطت العراق فرصة لإقامة نظام ديمقراطي مستقر، غير أنها ضاعت”. وتسائلت صحيفة النيويورك الأمريكية ” أن المالكي مصاب بالهلع وان عليه ان لايلوم سوى نفسه بسبب اخطائه الجسيمه، اذا كرس قوة السلطات بيد طائفة بعينها وتجاوز بكل الوسائل على مكونات الشعب العراقي.
كما قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس” لقد صار المالكي اكثر طائفية مما كنا نتوقع”. وأضاف في مذكراته ” أبدى المالكي عداءا حاداً لأهل السنة، ووفر مدخلاً لأسوأ ما حصل لاحقا، ولما نعيشه اليوم من انتعاش جديد لتنظيم القاعدة”. واكد الامريكي باريمار غوست ) مدير موقع غريت ساوثمبنتون بوست ” ان تفكير رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي ينحدر إلى مستوى تفكير الزواحف التي تأكل ضحاياها وهي حية”.
من جهة أخرى نقل موقع (بهار نيوز الإيراني) عن رحيم صفوي قوله خلال كلمة له أمام عدد من طلاب جامعة مدينة همدان الواقعة شمال غرب ايران أن “الخامنئي قال للمالكي إن مصلحة الشيعة والعراق تتطلب منك سحب ترشيحك من رئاسة الحكومة لولاية ثالثة، ووصف المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، المالكي بأنه “رجل مطيع لولي الفقيه”.
كما أوضح مستشار وزارة الخارجية الإيرانية، محمد علي سبحاني في تصريح يوم 25/11/2014 لموقع (نامة نيوز الألكتروني الإيراني) بأنه” لولا سياسة حكومة المالكي الإقصائية ضد المجموعات السنية في البلاد، لما وَجَدَ تنظيم الدولة حاضنة شعبية له بين أهل السُنّة”، مستذكراً سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة كبيرة، كالموصل ومناطق واسعة في فترة قصيرة، وأرجع سبب ذلك للمظالم التي تعرض لها أهل السُنّة وتحولهم إلى دعم الدولة الاسلامية، التي وعدتهم بـالانتقام”.
وفي مفاجأة أكبر (نشر موقع تابناك التابع للحرس الثوري الإيراني) خبرا تحت عنوان: لا أحد يريد المالكي في العراق! أورد الموقع الذي يعد من أهم المواقع شبه الرسمية في ايران خبر مفصل عن السباق الإنتخابي البرلماني الأخير في العراق ، متقصيا آراء المرجعية الدينية العليا والكتل السياسية الأخرى حول قائمة دولة القانون وشخص المالكي. وجاء في مقدمة الخبر” أنه يمكن وبجرأة وصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالشخصية الأقل حظا في التحالفات المستقبلية”.
علاوة على موقف المرجعية الشيعية التي زكته وباركته ودعمته خلال الدورتين السابقتين، من ثم إتهمته بعد ذلك بإغرق العراق بالفساد.
هذه هي حقيقة المالكي، فهو عندما يحذر السعودية من الخطاب الطائفي، أشبه بعاهرة تحاضر في الشرف والعفة.

علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.