” من الضروري أن نقول في البدأ ” ، أن معظم التصورات العقلية ، تقود الى نهج معين ، و يتحول كل ذلك على نسق من الخواطر والملاحظات المبعثرة ، ثم ما تلبث أن يتقولب كل ما سبق الى أفكار محددة ، ثم الأفكار تتطور الى أيدولوجية ، لها نصوصها ، وتستند الى مرجعيات محددة ، لا يمكن الزيغ عن خطوطها العامة ، و اصحاب هذه الأفكار ، يدخلون الى مرحلة متقدمة أخرى ، وهي مرحلة الرغبة في تطبيق وتعميم هذه الأفكار على الواقع ، وفي حالة فشلهم في التعميم ، يلجأون الى القسرية في هذا التطبيق ، مستخدمين شتى السبل في هذا الخصوص ، ومن هذه الطرق اللجوء الى القوة المفرطة / حتى الوحشية ، بكل معانيها وتطبيقاتها ، وبكل الوسائل الممكنة ! .. والسؤال هنا ، كيف لو كانت ، هذه الأفكار مبنية على نصوص دينية ، لا يمكن المساس بثوابتها ، فمن المؤكد أن يكون فعلها أقوى ، ويكون اتباعها واجب وأشمل وأعم من قبل العامة ، لذا أن التثقيف بهكذا نهج أيدولوجي ، تكون نتائجه التطبيقية ، كمسائل الرياضيات ، أي من المؤكد أن تقود النتائج الى ثقافة العنف ، من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لها .
” في الماضي ” ، أرى أن الأسلام ، بعد موت الرسول ، أنتهى كعصر دين ودعوة ورسالة ، وبدأ عصر الأسلام كوسيلة أستخدمت بالتحديد للحكم والسلطة ، بدءا من الخلافة الراشدة ، ولكن هذا لم يمنع أن يرافق السلطة بذات الوقت نشر الاسلام كدين ، كتحصيل حاصل ، حاله حال بسط سلطة الحكام على الدول المحتلة . ولكن في الحقبة المحمدية ، كان الرسول يجمع بين يديه سلطتين ، هما : السلطة الدينية / الدعوة ، والسلطة الدنيوية ، زعامته على أصحابه ، ومن ثم على جماعته / المسلمين ، فيما بعد ، أي أنه لا يحتاج الى شريك لبسط أيا من السلطتين ، لأن السلطتين أحدهما تؤدي الى الأخرى ، ما دامتا بيد نفس الفرد ، وهو محمد بن عبدالله . أرى أنه نفس الوضع حصل مع بدايات ظهور ” الأخوان المسلمين ” ، كجماعة ، حيث أن وجودهم كان بداية لتبلور وظهور الأسلام السياسي / في العصر الحديث ، كمشروع عمل تحت شعار أن ” الأسلام هو الحل ” ، المعلن
أن همهم نشر الدين ، ولكن الملاحظة المهمة هنا ” أن الأسلام السياسي ، الذي بدأ كأفكار تبلورت الى أيدولوجية ، والتي كان هدفها الأولي والأساسي هو أقامة الدين الأسلامي ، أقترن لاحقا هذا الشعار ، من قبل منظري وشيوخ الأسلام ، بأن أقامة الدين مشروط بأقامة الدولة الأسلامية ، أي الخلافة / مثل ما حدث مع تجربة داعش في الموصل والرقة .. ، أرى أنه هذا هو منبع الأسلام السياسي وغايته النهائية ” . وذات هذا المنطلق / حصل بعد مرحلة جماعة الأخوان ، حصل ويحصل الأن مع كل المنظمات الأرهابية الأسلامية ، التي أنطلقت من رحم هاتين المنظمتين / القاعدة وداعش ، وهم بالعشرات ، أي أن كل المنظمات عامة تبدأ بأفكار ، تهدف ظاهريا الى أقامة الدين ، ثم تكفر الحاكم والسلطة ، وبعد ذلك تكفر حتى مؤسسات الدولة ، ثم تنتهي برغبة السيطرة على الحكم ، ومن كل ما سبق ، نرى أن الدين هو الوسيلة ، أي الأسلام هو الوسيلة ، والحكم هو الغاية ، والهدف ليس الأسلام .
وكل هذه المنظمات ، التي نشأت على أيدولوجيات الأسلام السياسي ، لها مرجعية فكرية ، واحدة ، هو النص القرأني وسنة وحديث الرسول ، فهو الأصل عندها ، وهم يعتبروه كقياس لهم في أي فعل أو حدث أو واقعة ، أي أن كل حراك لديهم ، مهما كبر أو صغر ، فأنهم يرجعوه للأصل ، الذي هو النموذج الأوحد عندهم ، لأنهم محكومين ومسيرين به .
ونلحظ أن كل ما سبق ذكره من منظمات قاطبة ، أنها أتخذت ، من فكر ” شيخ الأسلام أبن تيمية ” كنموذج ومرجعية ” / وأبن تيمية أخذ بظاهر اللفظ ، أي الاعتماد على القرأن والأحاديث النبوية ثم على آراء الصحابة وآثار السلف .. ” . وهذه الصنمية الفكرية ، هي التي أنطلق منها وبها ، أيضا ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب / ولد العيينة وسط نجد سنة ( 1703 م – 1791 م ) عالم دين سني على المذهب الحنبلي ، وهو الذي أتفق فيما بعد مع الأمير محمد بن سعود بن محمد آل مقرن ، فوضعت بجهديهما لاحقا ، أول بذور الدولة السعودية ، ويعتبر الأتفاق بين الأثنين ، أتفاق مصالح ، حيث يكسب به أبن سعود الحكم والملك ، شرط أن يكون للثاني تطبيق المذهب السلفي / الذي دعي بأسمه لاحقا – المذهب الوهابي ، ( وكان العهد بين الأثنين ، حول النصر أن مكنهم الله وحول خراج منطقة الدرعية ، حيث قال الشيخ بن عبد الوهاب لأبن سعود ” أما المطلب الأول ، الدم بالدم والهدم بالهدم ، وأما الثاني فلعل الله يفتح عليك الفتوحات وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج ” / نقل من الويكيبيديا بتصرف ) . أن ما ذكرته حول قيام السعودية كدولة ، ورد كمثال ، هو أيضا ينصب بداية ، على توظيف الدين / الأسلام ، من خلال أتفاق أبن سعود والشيخ بن عبد الوهاب ، من أجل الحكم ، فالاول همه الحكم والسلطة والمال / الخراج ، والثاني كانت غايته مذهبه السلفي ، بغض النظر عن كم الدم الذي سيهدر !! . والأتفاق السابق يمثل تمازج أساسي ومثالي بين الرغبة بالوصول للحكم ، وبين تطبيق المذهب السلفي / الوهابي ، لذا كان علم السعودية الحالي ، مطرزا ب ” شهادة لا ألله ألا الله .. ” مقرونة بالسيف ، لأن السيف هو المحرك والحكم . ونرجع بهذا المثال التوضيحي / نشاة الدولة السعودية ، الى نفس نقطة البداية ، وهو توظيف الأيدولوجية الدينية من أجل السلطة والحكم والملك ، وبالسيف ، أي بالدم ، كعادة العرب ، وليس الهدف من كل ذلك الاسلام ، كدين ومعتقد ، بل الحكم والسلطة والملك ، بغض النظرعن أن ، القاتل والمقتول والغالب والمغلوب والناهب والمنهوب يدين بالأسلام أم لا !! .