بدأت علمانية تركيا حين تولى رئاستها مؤسس تركيا الحديثه مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 حتى وفاته عام 1938 . بدأ رئاسته بإستعادة الأراضي التي إحتلها اليونانيون الذين إعترفوا لاحقا بإنتصاره عليهم . ثم فرض على الحلفاء توقيع هدنة جديدة لمصلحة تركيا .هذه البطولة مكنته من الحصول على مصداقية كبيرة لدى الشعب التركي، الذي قبل وتقبّل رؤيتة الجديدة لتحديث تركيا. وحظي على لقب الأب الروحي لتركيا الحديثة الأمر الذي ساعده على إحلال نظام علماني خلال فترة رئاسته ..
بدأه بالإعتراف بأن من مصلحة تركيا أن تكون ذيلا لأوروبا، على ان تكون دار خلافة للمسلمين ورأسا قيادية للعرب. ثم قام بإلغاء الخلافة سنة 1924 وطرد آخر الخلفاء العثمانيين.
مظاهر علمانية الدولة تركزت على أمرين – إستبدال الكتابة بالحروف العربية إلى الكتابة بحروف لاتينية. الآخر تحرير المرأة من المظاهر الدينية كالحجاب. وربط مدى تطور الدولة وحضاريتها بحقوق المرأة . وهو ما يظهر بشكل واضح في الدستور التركي عام 1924 . منذ ذلك الوقت وإلى يومينا هذا شهدت تركيا نقاشات كثيفة تركز معظمها على الحجاب بدون العمل على تغيير الثقافة الذكورية خاصة خارج المدن الكبيرة. وإن ركّزت على عملية إستبدال الحروف معتقدة بان هذا ما سيجعلها جزءا من أوروبا؟
وبرغم حالة المد والجزر في موضوع الحجاب في تركيا بالتحديد ، فنحن لا نستطيع إنكار إرتباط تصاعد الإسلام السياسي فيما بعد وما ’سمي بالصحوة الإسلامية، إرتباطا وثيقا بالحجاب والدعوة إلى عودة المرأة تائبة طائعة للمنزل للقيام بوظيفتها الطبيعية الأولى في الإنجاب وتربية الجيل الجديد ، جيل القرن الحادي والعشرين تربية دينية صحيحة تشمل منع الإختلاط وتعليم البنات أمور المنزل وما ينفعهن في حياتهن الزوجية .. وتأهليلهن منذ سن صغيرة على قبول فكرة أن الزواج هو المصير الأولي وربما الوحيد لهن وإن تفاوتت من دولة إسلامية إلى أخرى؟ بدون العمل على تجذير مبدأ العدل والمساواة في الأحكام القضائية للمرأة. وكأن حجاب المرأة هو المقرر لعلمانية الدولة أو تدينها الزائف..
في تركيا لم يستطع الإسلاميون فرض أجندتهم المتشددة تلك، خاصة وأن أرث أتاتورك كان كبيرا وواضحا في الإنقسام الشعبي التام بين العلمانيين والمتشددين الذين لم يستطيعوا فرض أجندتهم الإسلامية وتحدّي إرث أتاتورك العلماني مرة واحدة. وبقي الموضوع محل مد وجزر إلى أن فاز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات عام 2002..وفاز أردوغان برئاسة الدولة؟ حيث بدأت العلمانية تشهد تراجعا ملحوظا. أردوغان الإسلامي والإبن الروحي للرئيس السابق أربكان الذي خرج من السلطة بإنقلاب عام 1998 . بعدها ملّ الشعب التركي من عدم الإستقرار والخوف من المستقبل .. فاز أردوغان فيما بعد بأربعة إنتخابات متلاحقة مفروض بها حرة ونزيهة؟؟ على مدى 14 عاما من حكمه..بدأها بكل الإيجابيات التي تضمن فوزه في الإنتخابات اللاحقة . حيث نجح في نقل البلاد من بيئة سياسية غير مستقرة إلى بيئة سياسية مستقرة وترتبط بشكل الديمقراطية من خلال صناديق الإقتراع تضمن للشعب حقه في الإختيار وتلبية مطالبه .. تزامنت في نفس الوقت بنقلة إقتصادية غير مسبوقة في التاريخ الإقتصادي لتركيا حيث وصل النمو الإقتصادي في البلاد إلى أن تضاعف الدخل الفردي لثلاثة أضعافه سابقا. خلال ذلك عمل أردوغان مع حزبه على أسلمة ’مقنعه للدولة وللمجتمع. رفضتها الأحزاب العلمانية وهو ما ظهر واضحا خلال الإنتخابات الأخيرة للولاية الرابعة حين فاز بنصف اصوات الناخبين بما يعني أن هناك النصف الآخر من المجتمع لم ’يصوّت له . هذا الخطر هو الذي جعل حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان يعمل على الترويج لفكرة تغيير الدستور ووضع دستور جديد يضمن تفرّد الحزب بالسلطة من خلال تحويل البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يمنح أردوغان السلطة المطلقة، لكي يصبح أول رئيس تنفيذي لتركيا ’مهمشا دور الاخرين؟
خلال الأربعة عشرة سنة ، روّج أردوغان ضمنيا للدولة الدينية. ففي موضوع الأسلمه شهدت تركيا
الزيادة الكبيرة في بناء الجوامع في كل أركان تركيا ..
جنون العظمة الذي جعله يعمل على تثبيت حقبته الإسلامية ببناء أكبر مسجد في إستانبول وإقامة نصب تذكاري لنفسه فيه عام 2013 . ربما لتاكيد إسلاميته لأنه كرر بإستمرار أنا مسلم رئيس لدولة علمانية، ولإستجداء المشاعر الدينية في إعادة إنتخابه مرات ومرات، وربما العمل على إعادة زعامة تركيا للعالم الإسلامي ومنافسة إيران!
نجح الحزب (العدالة والتنمية) في إصدار قوانين ’تقيّد بيع الكحوليات!
أسوأ ما قام به مؤخرا وقبل الإنقلاب :
– ملاحقته لخصومه السياسيين واعتقال الصحافيين بالجملة والحرب السياسية التي أدارها ضد الاكراد.
– – قمع الحريات من خلال إغلاق الفيس بوك وتويتر وأنستغرام !
– – إقصاء العديد من الضباط المشكوك بولائهم .
– برغم توقه وعمله الدؤوب لقبول عضوية تركيا في الإتحاج الأوروبي والذي ومن أجله ألغى عقوبة الإعدام في تركيا .. إلا أنه فشل في فهم العقلية الأوروبية حين رفض الإعتراف أو الإعتذار عن الإبادة الجماعيه للأرمن والإعتراف بحق الأكراد في تقرير المصير!
أما في موضوع المرأة ..
– توظيفه للحجاب كرمز ديني في حملته الإنتخابية عام 2007 حين وعد برفع الحظر على منع إرتداء الحجاب في الأماكن العامة . ففي 7 فبراير 2008 أصدر البرلمان التركي تعديلا على الدستور سمح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التركية بحجة أن العديد من النساء لن يتمكنو من اكمل التعليم إذا لم يتمكنوا من ارتداء الحجاب، والذي قامت المحكمة الدستورية في يوم 5 يونيو 2008 بإلغائه تثبيتا لعلمانية الدولة!
– تدخله السافر في قرارات تخص المرأة مصادرا حقها في الإختيار بمقولته “”المرأة التي ترفض الأمومة بحجة العمل تنكر انوثتها”
– حملته الدعائية لمنع حقها في الإجهاض وحقها في إنجاب العدد الذي يناسب وضعها المادي من الإطفال حيث كرر مرارا نصيحته للمرأة بإنجاب ثلاثة أطفال على الأقل للحفاظ على معدل التنمية الإقتصادية؟
– تخطيطه لمنع الإختلاط بين الجنسين؟
– رفضه القاطع لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وهو الأساس للعملية الديمقراطية.
حقيقة بأن المرأة التركية كسبت في حقبته زيادة الوعي السياسي الذي مكنها من الإشتراك بالعملية الإنتخابية ودخول البرلمان بحيث مكّنت 98 نائبة من أحزاب مختلفة الدخول إلى البرلمان التركي ولكن ومن الملاحظ أن هذا الوعي السياسي إرتبط بقلة من النساء من طبقات عليا، بينما تراجعت مشاركة المرأة من الطبقات المتوسطة في سوق العمل الأمر الذي يدعو إلى السؤال والتساؤل؟
التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية ( أمنستي) خلال أحداث ميدان تقسيم وتعرض النساء للضرب من الشرطة . أكّد بأن ما ’يقارب نصف النساء يتعرضن لمعاملة سيئة في منازلهن . كما وتتعرض العشرات منهن للقتل على يد أقربائهن فيما ’يعرف بجريمة الشرف بما يؤكد بأنه لم يعمل على تغيير جذري في الثقافة!
أنا لست مع الإنقلاب ولكني وللأسباب التي ذكرتها أتفهم تماما لماذا قام الأتراك به .. ولكني وفي مقالي هذا أريد أن أكشف
أولآ – أن إعلان حالة الطوارىء لن ترحم أو تعفي تركيا من الإدانات الغربية خاصة وهي تتراجع عن إلغاء العمل بحكم الإعدام، وإنتهاكها العلني لحقوق الإنسان من خلال الحملة التطهيرية التي يقوم بها أردوغان .
ثانيا – ديمقراطية أردوغان مجرد مظهر شكلي ، مزيفه لم ولن تصل إلى مستوى الديمقراطيات الحقه وأن أحكامة العرفية الأخيرة ستقضي على أي أمل له في عضوية الإتحاد الأوروبي
ثالثا – أن غروره وصلفه سيدخل تركيا في متاهات كبيره على المستوى الإقتصادي والسياسي وسيضيف إلى ما تعانية المنطقة من تدهور وإنزلاق نحو الهاوية والآتي لتركيا وللمنطقة أتمنى أن لا يكون أسوأ مما نشهده الآن؟؟
المصدر ايلاف