كنت اضحك كثيرا عندما كان يتبجح الكثير من المثقفين المصريين بأن القضاء المصري مستقل ونزيه؟
فلو فرضنا جدلاُ بأن جهاز القضاء المصري هو محترم ونزيه, ولكن الدستور والقوانين المصرية هي قوانين فضفاضة وحمالة اوجه فما فائدة نزاهة القضاء عندها اذا كانت القوانين متخلفة وقاصرة وفصلت لصالح من هم في السلطة؟
أنا لا افهم أي قضاء هذا الذي يبرئ طاغية ارتكب الجرائم التالية:
أولا: احتكار الاقتصاد المصري وتوزيعه على الجيش والمقربين واصحاب الذوات والنفوذ ؟ وهذه بحد ذاتها تعتبر جريمة كبرى في الدول المتحضرة يعاقب مرتكبها بالمؤبد هو وكل من شارك فيها هذا عدى عن الغرامات المالية الضخمة والمتناسبة مع حجم الجرم.
ولكن المشكلة بأن الاخوان المسلمين الذي جاؤوا بعد مبارك هم ذاتهم يريدون احتكار الاقتصاد وسرقة مصر, لذلك أبقوا القوانين المصرية على حالها لكي يستخدموها لمصلحتهم فيما بعد, والدليل على ذلك بأن القسم الاعظم من محاكمة مبارك تمت تحت عهدهم وبرضاهم وقبولهم, وهكذا وقعوا في شر نواياهم ولن تنفعهم الأن الاعتراض على القوانين لأنها هي نفس قوانينهم ودستورهم.
ثانيا: وضع دستور وقوانين فضفاضة افضت الى معاملة الاقباط كمواطنين من الدرجة الثانية واضطهادهم من قبل الاكثرية وخاصة المتشددين الإسلاميين, وهذه بحد ذاتها جريمة ضد الانسانية, وحكمها في الدول المتحضرة هو المؤبد له ولكل من شارك بها من اسلاميين ومؤسسة الازهر والسلك القضائي والامن الداخلي.
ثالثاً: استخدام الاقباط كورقة ضغط, حيث اعترف وزير الداخلية المصري المسجون حبيب العادلي بأن النظام الساقط كان يطلب منه تفجير الكنائس القبطية كي يثير التوتر والضغينة بين المسلمين والأقباط، وكي يظهر هو أمام العالم بأنه يواجه إرهابيين يستهدفونه ويستهدفون الأقليات, وهذه الجريمة بحد ذاتها تستوجب الاعدام الف الف مرة له ولكل نظام حكمه ومسؤليه.
رابعا: استخدام القوة والقتل ضد المتظاهرين السلميين من الشعب المصري عندما كانوا يطلبونه بالرحيل, وهذه بحد ذاته جريمة تستوجب الاعدام مليون مرة هو وكل اركان نظامه.
من هنا نرى بأن اي مراقب مستقل, وحتى اذا لم يكن مختصاً بالحقوق, يستطيع ان يحكم على جرائم مبارك بالمؤبد آلاف المرات والاعدام ملايين المرات, ولكن جهابذة الحواة في القضاء المصري حكموا عليه بالبراءة , والشئ المضحك المبكي بانهم حكموا عليه بغرامة مالية اصغر من اصغر سرقة اختلاس قام بها اصغر موظف بنظامه.
أنا متأكد بأن عائلة ادولف هتلر ستطالب باعادة محاكمة عميد اسرتهم امام القضاء المصري (النزيه) لكي يردوا الاعتبار له, وربما يفكر بشار الاسد أيضاً في حالة محاكمته ان تكون امام القضاء المصري ايضاً.
الحل:
البلدان العربية هي من دول العالم الثالث التي تستورد كل شئ من الغرب المتطور, من النكاشة حتى الطائرات والصواريخ والاسلحة الحربية بما فيها اللباس والغذاء, وذلك بسبب ان منتجاتهم متقنة وتم تطويرها وصقلها على مر المئات من السنين حتى وصلت الى هذا المستوى من الكمال, وعملية تطوير المنتجات لا تتوقف وهي تستمر حتى الازل, وبنفس هذه الطريقة من التطوير والصقل يتم أيضاً تطوير الدساتير والقوانين, لأن القوانين هي أيضاً منتج حضاري يخضع للتطوير على مر العصور وتتراكم فيه خبارات الشعوب والحضارات حتى وصلت الى هذا المستوى الرفيع من الكمال والرقي, والاكثر من هذا هناك معاهد بحثية حقوقية من عمالقة البحث الحقوقي والتشريع والتي يصرف عليها الملايين والملايين من الدولارات لكي تقوم وتكتب الابحاث من دون توقف من اجل تطوير القوانين حتى تصل الى الكمال ولن تصل قط الى الكمال.
من هنا نستنتج إنه من الخطأ الفادح ان تتم كتابة دستور جديد للبلاد, كما فعل الاخوان المسلمون او كما سيفعل الجنرال السيسي والحكومة الانتقالية الحالية, أو ربما كما ستفعل الحكومة السورية الانتقالية بعد اسقاط عائلة الاسد, لأنهم بذلك يهملون تراكم الخبرات والحضارات الانسانية العالمية لمئات وآلاف السنين, فالدستور الاميركي لم تتم كتابته من الصفر, وانما اختارت اللجنة لكتابة الدستور افضل الدساتير المتطورة بالعالم وقت ذاك ( الدستور الفرنسي والبريطاني) وقاموا بالبناء عليها, وهذا ما يجب ان يفعله العرب فمن غير المعقول بان الشعوب التي لاتستطيع ان تصنع نكاشة ان تكون قادرة على كتابة دستور, لان الدستور اكثر تعقيدا من صناعة اي منتج تكنولوجي.