غالبا ما يتبجح رئيس الوزراء العراقي بقوة حشده المقدس ودوره في الدفاع عن العراق وحفظ سيادته العارية، ويدافع عنه سواء كان موققه تقية أم عن قناعة، على الرغم من كون السبب الأول أقرب الى اليقين بعد أن وعد الرئيس الأمريكي بحل الحشد بعد تحرير الموصل وتعزيز موقفه من خلال التواجد العسكري الأمريكي الذي يمكنه من القيام بهذه الخطوة الجريئة والإفلات من عصا ولاية الفقيه المسلطة على قفا كافة المسؤولين في العراق. ويتبجح العبادي أيضا بأنه القائد الفعلي للحشد رغم أن الأوضاع على الأرض تشير بأنه ليست له أمرة فعلية على الحشد البتة، فالحشد يخضع لإرادة الولي الفقيه، وهذا ما عبر عنه زعماء الحشد أنفسهم، ولم يجرأ العبادي على أن يكذب أو يفند أي منهم، وهذا السكوت هو إعتراف بالحقيقة، بل إعترف مؤخرا النائب الشيعي عباس البياتي بتأريخ 18/4/2017 بصراحة أن حلٌ الحشد الشعبي يتم بموافقة إيران، وهذ الحقيقة يعترف بها الجميع إلا العبادي، لكن في صمته وعدم نفيه معنى ودليل.
لو إفترضنا جدلا أن العبادي هو القائد العام للحشد، فأنه من غير المعقول نه لا يستطيع أن يلجم أفواه زعماء الحشد الذين يتحدونه بوقاحة وصلف بل يهينونه في وسائل الإعلام، ولم يقم مرة واحدى بردهم، سيما ان بعض هذه التصريحات مقززة ولا يجوز أن تصدر عنهم لأنها مواقف سيادية وتتعلق بسياسة العراق الخارجية ومكانته بين الأمم، صحيج ان العراقيين غسلوا ايديهم من الجعفري الذي سخر وحشد حسبما إعترف بنفسه إمكانات الوزارة لخدمة الحشد الشعبي، لكن لا بد أن تكون هناك ردة فعل لرئيس الوزراء ليحفظ ماء وجه على الأقل، ليس أمام العراقيين الذين يعرفون حقيقة ضعفه، وإنما في المحافل العربية والدولية.
صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية في في 19/4/2017 ” ان الايرانيين لديهم حساباتهم بخصوص سوريا العراق واليمن ولبنان. يريدون ان يتغلغلوا في هذه المناطق من أجل تشكيل قوة فارسية في المنطقة. هذا أمر له مغزى، علينا ان نفكر فيه جيدا. كما ان إيران تنتهج سياسة انتشار وتوسع فارسية وأصبحت تؤلمنا في العراق. مثلا، من هؤلاء الحشد الشعبي ومن الذي يدعمهم؟ البرلمان العراقي يؤيد الحشد الشعبي ولكن هم منظمة إرهابية بصراحة ويجب النظر إلى من يقف وراءها”. ومثل هذا التصريح صادر عن رئيس دولة وبغض النظر عن قبوله أو رفضه فيفترض حسب البروتوكول ان يرد عليه أما ما يسمى بالرئيس العراقي فؤاد معصوم أو رئيس الوزراء حيدر عبادي، حتى وزارة الخارجية العراقي لا يجوز لها أن ترد على التصريح الرئاسي، لو كان التصريح صادر مثلا عن وزير الخارجية التركي أو الناطق بإسم الوزارة لكان من حق وزارة الخارجية العراقية الرد على التصريح.
أما ان يرد حزب الدعوة أو احد زعماء ميليشيا الحشد على الرئيس التركي فهذا هو العجب العجاب، مما يعني حقا ان العراق ليس دولة، سمها ما شئت لكن ليس دولة! الدولة فيها سياقات وتخصصات وتوزيع في المسؤوليات، وهذا ما لا نجده في العراق، كل عضو في الحشد الشعبي وكل وزير وكل نائب يصرح ما يحلو له كأنه رئيس وزراء أو وزير خارجية، وهذه الممارسة لا تجدها حتى في الدول الأفريقية الأقل تحضرا.
فقد صرح القيادي بالحشد الشعبي كريم النوري لـ(الجورنال نيوز) في 20/4/2017 ” إن الرئيس التركي يعاني من تخبط كبير فهذه التصريحات ان دلت على شيء فهي تدل على هواجس تركية في فشل ذريع لقيادة العالم العربي. وأن وجود الحشد الشعبي يعد صمام أمان لوحدة العراق ولذلك فان اردوغان يعتبر ان عدم تحقيق اهداف داعش في العراق كانت من اسبابها هو الحشد الشعبي. أن اردوغان يود ان يحكم فكر الاخوان خارج تركيا بينما في داخلها مازال يحافظ على المدنية التركية بضمان من الاتحاد الاوربي من جهة ومن جهة اخرى يود ان يحكم فكره العثماني على دول الخليج العربي وعلى العراق وعلى مصر بينما ينئ عن نفسه تصديق الفكر وهذا نفاق واضح”.
والأنكى منه ما جاء في بيان حزب الدعوة في 20/4/2017 ” أن الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الإسلامية افشلت أكبر مشروع تآمري لتقسيم العراق والمنطقة الذي كان اردوغان أحد ادواته وقطع الطريق أمام تطلعاته واطماعه التوسعية. أن اردوغان يسعى إلى فتح جبهة جديدة لشغل العراق عن الانتصارات التي يحققها ضد الإرهاب بعد فشل مشروعه التآمري على العراق، فالحشد الشعبي كان وسيبقى صمام أمان للعملية السياسية، وأن الحزب سيقطع يد تركيا اذا ما حاولت التصدي للحشد الشعبي”. لا تعنينا البذاءة والتهديد بقطع اليد لأن سكين العراق عمياء ولا تقطع خيط وليس دولة قوية مثل تركيا وعضو في حلف الناتو، لكن يبدو أن حزب الدعوة أخذ يضحك على نفسه بعد ان ضحك على ذقون العراقيين لما يزيد عن عقد من الزمان.
ربما جاء الرد على الرئيس التركي كمتنفس للحشد الشعبي بعد أن ازكمت أفعال بعض الأحزاب المنتمية له أنوف الشرفاء من العراقيين والعرب، فأن فضيحة حزب الله العراقي وهو الذراع الأطول لولاية الفقية في العراق بشأن إختطاف الصيادين القطريين خرجت من القبو الى الشمس، لترفع ورقة التوت الأخيرة عن العبادي الذي كما يبدو كان نائما ورجليه في الشمس. فقد ذكر مصدر أمني عراقي لصحيفة (الخليج اون لاين) بأن رئيس الوزراء حيدر العبادي “أحيط علما من مستشارية الأمن الوطني التي اطلعت على تفاصيل المفاوضات التي جرت خلال الأسابيع الماضية بين أطراف إيرانية ومليشيا عراقية مرتبطة بإيران وممثلين عن حزب الله اللبناني ومسؤولين قطريين”. وأن الصفقة بين المفاوضيين الإيرانيين وعناصر من حزب الله اللبناني من جهة والحكومة القطرية من جهة أخرى تضمنت شرطين، اولهما: أن تدفع الدوحة فدية بحدود مليار دولار. وثانيهما: أن تتعهد الدوحة بالضغط على فصائل مسلحة معارضة في سوريا لإطلاق أسرى من حزب الله ومن فصائل مسلحة عراقية أسروا في سوريا”.
للتذكير فقط! في ١٦ كانون الاول ٢٠١٥ وقعت عملية الاختطاف قرب معسكر صحراوي في محافظة المثنى ٣٧٠ كيلو متر جنوب شرق بغداد اذ قام مائة مسلح يرتدون الزي العسكري في موكب من (40) سيارة ذات الدفع الرباعي (العسكرية) باختطاف نحو عشرين قطرياً (فيهم أمراء من الأسرة الحاكمة) مع مساعديهم الاسيويين اللذين جاءوا لصيد الصقور وفي نيسان بموافقات رسمية من الحكومة العراقية، وتم الإفراج عن احد المختطفين مع مساعده، ولم تذكرالحكومة القطرية شيئاً عن بقية الرهائن. كما ذكرت الامم المتحدة ان اطفالاً كانوا من ضمنهم. في شهر مارس 2015 حَملت الجامعة العربية السلطات العراقية المسؤولية عن العملية، واعتبرت الجامعة العملية “عملًا إرهابيًا وخرقا صارخا للقانون الدولي وانتهاكا لحقوق الإنسان، ومخالفا لأحكام الدين الإسلامي، ويسيء إلى أواصر العلاقات الأخوية بين الأشقاء العرب”.
كما ذكر مسؤولون عراقيون حينذاك انهم “لا يملكون أية معلومات جديدة عن الخاطفين وانهم يشتبهون بميلشيات شيعية لان هذه المنطقة ذات غالبية شيعية كما انها خالية من تنظيم داعش. وللمطلع على المشهد العراقي فأن حزب الله العراقي هو الوحيد الذي يمتلك مثل هذه الإمكانات العسكرية والذي يمكن ان يواجه الحكومة العراقية بصلافته المعهودة، والمرشح الأوحد للقيام بهذه العملية الإرهابية.
تضيف المصادر الأمنية العراقية بأن الصيادين أمضوا (13) شهرا في ضيافة فصيل مسلح على صلة بالحرس الثوري الإيراني، وأن إيران على اطلاع كامل على خطة الخطف وتفاصيلها. وأن فريق إيراني قد شارك في العملية الإرهابية لإحتجاز الرهائن وحراستهم والتكتم على وجودهم، وإن هناك خطا ساخنا بين الخاطفين وأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية. وسبق أن أثيرت أنباء بشأن إقدام الخاطفين على إعدام المختطفين، غير أن الناطق الرسمي باسم هيئة الحشد الشعبي في العراق النائب أحمد الأسدي قد نفى ذلك أكثر من مرة. بمعنى أن زعماء الحشد الشعبي يعرفون تفاصيل الواقعة عن كثب، والتي لا يعرفها رئيس الحشد حيدر العبادي! وهذا أمر مخجل للغاية. العبادي بدأ دوره عند تسليم المختطفين الى وزارة الداخلية العراقية التي لم تعلن بدورها عن الجهة التي تسلمت منها المختطفين في حبكة مسرحية مكشوفة للعيان، وتغطية رسمية على الجهة الإرهابية التي قامت بعملية الإختطاف..
الخلاصة أن العملية تمت بإعداد وتخطيط من المخابرات الإيرانية، وإداة التنفيذ كان حزب الله العراقي. كما ان المخابرات الإيرانية كانت على أتصال دائم مع المختطفين دون معرفة حكومة العبادي بذلك! وان الغرض الرئيس من العملية الإرهابية هو إطلاق سراح عناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ممن أسروا على أيدي المقاومة السورية، بمعنى ليس للعراق اية مصلحة من العملية الإرهابية البتة.
حزب الله العراقي كما هو معروف من ابرز نشكيلات الحشد الشعبي، ويفترض أنه خاضع لإمرة رئيس الوزراء حيدر العبادي، لكن الحزب لم يَطلع رئيسه العبادي على عملية الإختطاف في مفارقة مثيرة! وكان خط الإتصال بينه ( أي حزب الله) وبين المخابرات الإيرانية حصرا. كما ان الصفقة بين المفاوضين أحيط بها العبادي فيما بعد! ولكن لا نفهم كيف يتستر العبادي العبادي ـ الذي يدعي بأنه يحارب الإرهاب ـ على عملية التفاوض بين الإرهابيين الخاطفين، والأبرياء المخطوفين؟ وهل للعراق سيادة فعلا عندما ينفذ الإيرانيون عملية الإختطاف بإيدي عراقية وعلى أرض عراقية، وأن يجري التفاوض بين الطرفين في العراق لمصلحة غير عراقية؟ أين السيادة والكرامة الوطنية؟
سبق أن شجب حيدر العبادي عملية الإختطاف، وهي عملية إرهابية لا تختلف عن بقية العمليات التي تقوم بها العناصر الإرهابية من تنظيم الدولة والميليشيات المسعورة التي تحذو حذوها. وصرح العبادي” ندين الجهة التي نفذت عملية الخطف، أن الصيادين المختطفين هم ضيوف على العراق وأنهم دخلوا وفق موافقات وتأشيرات أصولية منحهم إياها وزير الداخلية العراقي السابق محمد الغبان”. لاحظ أن رئيس الوزراء لا يسمي الجهة الخاطفة مع إنها معروفة للجميع!
لكن كيف يدين العبادي مع أن الصفقة تجري بين حزب منطوي تحت الحشد وهو تابع لإمرته؟ ثم ما هي إجراءاته كرئيس حكومة ورئيس ميليشيا الحشد الشعبي بحق الحزب الإرهابي الذي نفذ العملية طالما هو تحت سلطانه كما يزعم؟
الغريب أن العبادي لا يخجل من التصريح بأن” الحكومة العراقية على علم بالصفقة التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وأشرف على عملية تسليم المختطفين، ووصف عملية الاختطاف بأنها تشكل إساءة إلى جميع العراقيين”؟ ان كانت عملية الإختطاف تشكل حقا إساءة للعراقيين، وإهانة للشعب العراقي كما أفتى إبراهيم الجعفري؟ اليس من المفترض به كرئيس حكومة ان يمنع هذه الإساءة؟ أو على أقل تقدير يمنع الصفقة التي لا ناقة لحكومته ولا جمل فيها؟ وكيف يقبل بالمساومة لقاء مبلغ مليار دولار لإطلاق سراح المختطفين؟وهل سيوزع مبلغ الفدية بين ايران وحزب الله العراقي، ويخمس من قبل المرجعية ليصبح حلالا زلالا لهم؟
هذا هو العراق الديمقراطي الجديد، انه عراق الميليشيات الإرهابية التي تمتلك مصدر القوة الرئيس وبقبضتها الحكومة والبرلمان والقضاء العراقي، وهي صناعة إيرانية مميزة (ساخت إيران) ولائها ليس للعراق بل للولي الفقيه بإعتراف قادتها جميعا.
وهذا هو حزب الله العراقي لمن لا يعرفه، وهذه هي توجهاته الإيرانية المشبوهة، حزب إرهابي له سوابق عديدة في العمليات الإرهابية، ومنها قصف معسكر مجاهدي خلق عدة مرات بالصواريخ مخلفا المئات من القتلى والجرحى. وهذا الحزب أحد من أهم تشكيلات الحشد الشعبي المقدس كما يصفه العبادي، إن كان مقدسا وهو يمارس عمليات الإرهاب والإختطاف، فكيف لو كان غير مقدس؟ الجواب عند حيدر العبادي، أضعف رئيس وزراء ليس في العراق فحسب وإنما على وجه الأرض.
علي الكاش