أسباب إنفصام شخصية المُسلم / 2

مقدمة

ذكرتُ في الجزءِ الأوّل من هذهِ الورقة أنّ من بين أهّم الأسباب التي تؤثر في إنفصام شخصية المسلم العادي , (إذ لا جدال على إنفصام شخصية رجل الدين ) .

هي تناقض أقوال المشايخ وتعاليمهم ومطاليبهم من الناس مع سلوكهم على أرض الواقع . (معناها يأمرون الناس بالبّر وينسون أنفسهم ! )

والمُسلم العادي المسكين واقع تحت تأثير هؤلاء الكذبة الى درجة أنّهُ لا يسمح لنفسه بسؤال الشيخ الذي يفتي بتفجير الذات بين الناس :

هل أرسلتَ إبنكَ ليفعل ذلك ؟

ولماذا لا تأخذ أنتَ نفسك المبادرة فتفجّر ذاتكَ العفنة , لتُريح وتستريح ؟

كما لا يجرؤ المُسلم على سؤال أحد الدُعاة الذين ملؤوا الفضائيات بخطبهم الرنانة عن الأخلاق الحميدة والفضيلة والزهد والتقوى والورع :

لماذا غدوتَ أنتَ تملك الملايين , وتنصحني أنا المواطن البائس بالحّج والزكاة والصوم والصلاة ؟

أفلا تدّلني للطريقة التي أوصلتكَ الى كلّ هذا الثراء الفاحش ؟

وأيّهما يوصل لحياة فُضلى ,طريق العبادات والشعائر والخشوع والخنوع

أم طريق العمل والعلم والتخطيط والنهوض في كافة مجالات الحياة ؟

كما وردت في الجزء الأول , بضعة أمثلة واقعية تبيّن تخالف القول مع الفعل عند غالبية ذوي الحلّ والعقد في عالمنا الإسلامي .

*****

عندما تغدو حياتنا كلّها تناقضات بين الأقوال والأفعال .

وعندما يبدأ يومنا وينتهي بكذب أولي الأمر على العامّة المعمّاة .

وعندما يقولون لنا : إنّ السعادة الحقيقية ليست سوى سعادة الآخرة .

وأنّ كلّ مُتع الدُنيا حرام في حرام , وحتى الضحكة العابرة إن كانت لها علاقة بالغرب , فهي كفرٌ بواح .

بينما أولاد القرضاوي يتخرجون من جامعات ذلك الغرب الكافر , وينهلون من حياتهِ ومخترعاتهِ أحدث الصرعات !

وعندما يأمرونا بالحُسنى , ثمّ يقولون : وإن إبتليتم بالمعاصي فإستتروا

بدل أن يقنعونا بالإعتراف بالخلل ومواجهة المشاكل وعرضها علناً لأجل مناقشتها ومعالجتها لاحقاً .

وعندما تكون نصف النصوص تدعو الى الرحمة , ونصفها الآخر يدعو الى القتل وتقطيع الأوصال ( كما قتلَ النايجيري , الجندي البريطاني )

فهذا يدعو للحذر والقلق والشّك والريبة في كلّ شيء , ويتكهرب الجو العام .

وبهذا تتشظى شخصية المُسلم البائس ,بين حقٍ منشود نظرياً , وباطلٍ متوّفر عملياً أمام عينيه .

فلا يدري ماذا يصنع , ويحيرُ جواباً عن أسباب سلوكياتهِ .

وحتى هو نفسه لا يفقه ماذا يُريد !

فنصفهُ يصغي لإرشادات الشيخ الجليل ووصاياه المتشدّدة .

ونصفه الآخر يصغي لصوت الحياة والمحبة والجمال والسلام .

فكيف لا تتشظى شخصية المسلم حتى لو كانت من فولاذ وكونكريت ؟

*******************

حالة مهمة تدعو لإنفصام شخصية المُسلم / التحرّش الجنسي وموقف المشايخ منه !

المتابع للأخبار اليوميّة يُدرك يقيناً أنّ في بلادنا الإسلاميّة أعلى حالات تحرّش وإغتصاب في العالم أجمع .

لكن المُضحك المُبكي في هذا الشأن أنّ نسمع مشايخنا يتحدّثون في هذا المجال , عن بلاد الكفر والزنا فيجعلوها في أسفل سافلين .

وكلّنا يعلم أنّ في كلّ حالة إغتصاب في الغرب تقوم القائمة ولا تقعد وتتسابق وكالات الأنباء الى تغطية تفاصيلها , وغالباً تتحوّل الى فلم سينمائي . ليس الغرض منهُ الفضائح كما يسعى إليها القوم !

بل إنصاف الضحيّة وتحريك المجتمع كلّهُ ودفعهِ للمطالبة بقوانين أكثر حزماً ضدّ الفاعلين .

بينما في المقابل , لم نسمع فتوى من شيخ تجرّم المتحرّش أو المغتصِب وتتوعدهِ بنارِ جهنّم وبئس المصير .

بل أنّ ثمّة كاتب وداعية سعودي إسمهُ (عبدالله الداود) , دعى الشباب المُسلم للتحرّش بالنساء اللاتي يعملنّ كبائعات في الأسواق لإجبارهنّ بالتالي على إلتزام منازلهنّ .

ونقلت صحيفة فانينشيال تايمز البريطانية , بعض الجدل الدائر بعد تلك الدعوة الغريبة .

وبالطبع في مجتمعاتنا , تكون (الاُنثى) ضحيّة التحرّش الجنسي أو الإغتصاب , هي الجانيّة في نظر المشايخ وتابعيهم بإحسان .

وقد يتفاخر الجاني بين أصدقائهِ بما قام به ِ. وكلّ هذا ما كان ليحصل لولا تناقض النصوص والقوانين ونظرة المجتمع , للضحيّة والجاني .

فأيّ جريمة أكثر من تلك يُسكت عنها , لتفصم شخصية الشاب المسلم ؟

ولاحظوا ما يلي : عندما علّق على هذا الموضوع ( الدعوة للتحرش بالبائعات ) , في قناة العربية القاضي السابق الشيخ (محمد الجذلاوي ) , كان كلّ همّهِ سمعة المملكة التي ستتلطخ من جراء تلك الأقوال .

ثمّ دعى الى تجريم أصحابها .

لكنّهُ لم يذكر حقاً واحداً للنساء في مجتمعهنّ !

الرابط الأوّل

************

ومن مصر أنصتوا لقصة ياسمين حول جرائم التحرّش والإغتصاب !

وكان هذا برنامج اُعيد مراراً على قناة فرانس 24 وجاء فيه :

(( حصيلة مؤلمة دفعت ياسمين البرمادي إلى الإدلاء بشهادتها للتنديد بهذه الظاهرة. ياسمين كانت ضحية لإعتداءٍ جنسي وحشي في 23 نوفمبر 2012 على هامش المواجهات ضد مشروع الدستور الذي وضعته أغلبية إسلامية. الجحيم الذي عاشتهُ ياسمين طال لأكثر من ساعة. لكن ياسمين تجرّأت وحطمت المُحرمات ( التابو ) وروت مأساتها في برنامج بثّه التلفزيون المصري في مطلع العام.

ومنذُ ذلك الوقت تكافح ياسمين بشكل شبه يومي لتوعية المجتمع المصري وإقناعه بأن التحرش الجنسي والذي يشجع عليه أحيانا ويظل مقبولا في الكثير من الحالات، آفة لا تقل خطورة عن الآفات الأخرى. وهي كغيرها الكثيرين تتهم السلطات بالتقاعس في معالجة هذا الداء.))

الرابط الثاني

*********************

حالة اُخرى مهمة تكون مدعاة إنفصام الشخصية / حروبهم وحروبنا !

هذهِ الحالة ( علّقَ ) عنها مؤخراً , الزميل الكاتب الليبرالي المصري (محمد البدري )

إنّها حول مفاهيم : الغزو من جهة , والفتح من جهة اُخرى .

فما يفتأ المؤرخون العرب والمسلمون يعتبرون حروب الآخر علينا غزواً

أو إحتلالاً أو إستعماراً .

فيقولون الغزو الصليبي , أوالإستعمار الحديث , أو الإحتلال الأمريكي

(حتى عندما يكون تحريراً للعراق من صديّم ثمّ خروجهم بخُفيّ حنين )

بينما يقولون عن حروبهم ضدّ الآخر ,أنّها فتحٌ من الله ونصرٌ مُبين .

كفتحِ مصرَ نفسها على يد عمرو بن العاص وبدو الجزيرة الذين معه .

وهذا ينطبق على جميع الدول الإسلاميّة اليوم خارج الجزيرة العربية .

أو كفتحِ الأندلس ,مع أنّ إسبانيا تقع في قارة اُخرى ولا علاقة لسكانها الأصليين بالإسلام , لا من قريب ولا من بعيد .

أو كفتوحات الدولة العثمانية شرقاً وغرباً مع أنّها بدأت كقبائل همجيّة إنطلقت من بقعة مجهولة في آسيا .

فلماذا يحشوا أدمغتنا بتلك التعاليم التي تُمزّق وتُشظي الشخصية الإسلاميّة التعبة أصلاً من كلّ شيء , حتى من الجو الساخن اللاهب ؟

وأين الإستقامة والمنهجيّة والمنطقية في هكذا ثقافة وتعاليم ؟

ثمّ يشير( البدري ) الى الخليط الناتج عن ثقافة الغزاة , وثقافة أهل البلاد الأصليّة .

بحيث يكون من الطبيعي حصول هذا الإنفصام في الشخصية مستقبلاً !

***********

ملاحظات وخلاصة

1 / الداعيّة ( عبدالله داود ) هو نفسه الذي قال إن خلوة الرجل مع الشاب الوسيم والطفل الأمرد , حرام شرعا ,مُشيرا إلى أنّه قد قرأ ذلك في كتب إبن كثير .الرابط الثالث

2 / التحرّش أصبح داء وطني وقومي واضح المعالم مكتمل الصورة . فمن يُشجعهُ ويحميه ؟ أليس الإسلاميّين أنفسهم ؟

بالطبع أيّ طفل يُدرك أنّ فِرَقْ من الشرطة السريّة تنتشر لمكافحة هذه الظاهرة الحقيرة سوف تقضي على جزء مهم منها , وتُرعب السفلة الذين يقومون بها , الى أن توضع طرق علميّة وتربوية إجتماعيّة مدروسة بعناية للقضاء عليها .

فلماذا لا تلجأ الحكومة الإسلاميّة المصرية لمثل هذا الإجراء السريع ؟

أغلب الظّن , أنّ المشايخ يحبّذون التحرش كطريقة لحبس المرأة في بيتها

3 / أردوغانيات

رئيس وزراء تركيا , رجب طيّب أردوغان أخبر شعبهِ في البدء أنّهُ سيُقيم مجمع تجاري بدل حديقة ( جيزي ) !

ثمّ تبيّن لاحقاً أنّه مجمع ثقافي , وليس تجاري , يعني (مسجد ) وملحقاتهِ من مكتبة وماشابه .

وأخيراً خلال التظاهرات والإضطرابات , إقترحت حكومة أردوغان بناء نسخة لثكنة عسكرية من الحقبة العثمانية , مكان الحديقة الأهمّ في إسطنبول .

حسناً , الكل يعلم بأماني أردوغان العثمانية .لكن لماذا لايعلنون نيّاتهم كما هي بدل اللف والدوران والضحك على الشعوب ؟

حتى في مرض الرئيس يكذبون ( حالة الرئيسين الجزائري والعراقي مثلاً ) .

ألا يفهم هؤلاء أنّ حماقات الشعوب بدأت بالتلاشي تدريجياً ,بعد كلّ هذهِ الثورات الصناعية والعلمية والتكنلوجية في العالم ؟

وأنّ الأحرى أن تنتهي حماقات وأكاذيب تجّار الدين والسياسة في بلداننا

كي تنهض هي الأخرى كما باقي العالم ؟

***********

الروابط

الأول / دعوى للتحرّش

الثاني / قصة ياسمين المصرية

http://www.france24.com

الثالث / الخلوة بالشاب الوسيم حرام !

داعية سعودي: خلوة الرجل مع الشاب الوسيم حرام شرعا

تحياتي لكم

رعد الحافظ

17 يونيو 2013

 

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.