الظلمُ والقهر , والفساد والرشاوي , والكذب والتزوير , والغشّ والخداع
( بما فيها خداع النفس ) , والكثير سوى ذلك من الأمراض الإجتماعية ,
كلّها مظاهر بشرية موجودة ومنتشرة بنسب متفاوتة في العالم أجمع .
لكنّها في العالم العربي والإسلامي تكاد تكون ظاهرة عامة تُمارس في السّر والعلن ودون حياء تقريباً , وما عداها شواذ عن القاعدة !
فعلى سبيل المثال لا الحصر , أغلبنا كمواطنين إضطررنا لدفع ( رشوة ) يوماً ما لموّظف حكومي لتمشية معاملة , هي أصلاً من صميم حقوقنا .
وبالتأكيد إضطرت الغالبيّة الى مجاملة الموظّف المسؤول بقبول سخافاتهِ وأكاذيبهِ وتبريراتهِ , فأعلنا إقتناعنا بها , مع أنّها محض هراء .
وقس على ذلك عشرات الأمثلة .
أكيد لهذهِ الظواهر أسباب ومُسببات بدءً من الثقافات والأديان والأعراف والتقاليد , وصولاً الى تفاصيل سُبُل العيش و صراع الأفكار بين القديم والحديث , وربّما حتى الأجواء الحارة تساهم في ذلك .
وتصل المفارقات والتناقضات والفتاوي العجيبة قمّتها هذهِ الأيام في بلادنا البائسة , حيث اُزيح الغطاء عن طائفية رجال الدين المقيتة .
ولكم هي مقرفة ولا معقولة تلك الفتاوي التي تأمر بقتل الآخر المُخالف حتى لو كان من نفس الدين الإسلامي , لكن من طائفة اُخرى ( القرضاوي مثلاً ! ) .
************
لن تتناول هذهِ الورقة الأسباب العلميّة ( إن وجدت ) وراء تلك المظاهر , تلك أتركها للمختصين . لكنّي سأعرض أمثلة واضحة وشائعة من صميم حياتنا وواقعنا , ترقى لأن تصل الى حدّ الظاهرة العامة .
كي تُلخّص تلك الأمثلة للقاريء العزيز , حالتنا وسلبياتنا التي علينا مواجهتها بعقلٍ منفتح وروحٍ مفعمة بالعمل والأمل والإخلاص والنهوض .
لأنّهُ لم يَعُد الوقت وقت تثريب ومماحكة وإستهتار وخداع وكذب على النفس .فقد شبعنا من عشق وتمجيد تأريخنا الى حدّ الجنون بينما الحقائق على الأرض تُخبرنا بعكس ذلك .
خصوصاً ونحنُ نرى اليوم حتى ثورات الربيع العربي التي قادها الشباب الناهض الطامح لحياةٍ أفضل , قد ركبها العتاة الإسلامويين , فحوّلوها الى خريفٍ إسلامي يكاد يخنق الحياة , أو ما تبّقى منها بعد عقود حُكم الطغاة العسكر !
ومن لم يُصدّق ذلك فعليه أن يصغي لمحاولات أسلمة كلّ شيء في مصر العزيزة (حتى السياحة ) , ليعرف مدى التقهقر الذي نحنُ إليه سائرون .
فالحكومة الإسلاميّة هناك لا تكتفي بأفكار من قبيل عزل شواطيء السباحة
وربّما ( تحجيبها وتنقيبها ) , لكن أيضاً تسمح للبلطجية واللصوص بمهاجمة وسرقة السياح الأجانب في الأهرامات , كي يمتنعوا تدريجياً عن زيارتها , فلمصلحة مَنْ يفعلون ذلك ؟
إنظروا الرابط الأوّل !
*************
أين الإدعاء من الواقع ,عند أولي الأمر ؟
أولي الأمر في بلادنا يكذبون , و يقولون ما لايفعلون , ويرفعون شعارات رنّانة لا يطبّقونها البتّة !
حتى أنّهم علمّوا عامتنا ثمّة طرق مُخادعة مُراوغة مُضلّلة , يبقى فيها الإنسان يكذب على نفسهِ .. حتى يصدّقها .
وخير مثال على ذلك أنّ كلّ شيء بين أيدينا , وكلّ وسائل الحياة المتحضّرة صغيرها وكبيرها تأتي من الغرب .
ومع ذلك فضمائر اللاعنين مرتاحة جداً وهي تلعن ذلك الغرب الكافر ليل نهار , الى درجة أن يقوم المهاجرون المسلمون في بريطانيا بمسيرات حاشدة يدعون فيها بموت وحرق البريطانيين الكفرة , كونهم ليسوا مُسلمين . / إنظروا الرابط الثاني
************
والآن إليكم أمثلة من الأمس القريب عن تناقض القول مع الفعل !
المثال الأول / يشتمل على فضائح الأمراء الخليجيين الذين أقحموا أنفسهم وأموال شعوبهم في الرياضة وأنديتها الغربية .
فهذا محمد بن همّام ( القطري ) وفضيحتهِ الشهيرة ( عام 2011 ) برشاوي الفيفا في كرة القدم , عندما ظنّ أنّهُ بأيّ وسيلة سيفوز برئاسة الفيفا . ولسان حالهِ يقول :
( الغاية تُبرّر الوسيلة , معناها .. الضرورات تبيح المحضورات ! )
بالطبع اليوم هناك أصوات عديدة منها رئيس الإتحاد الألماني ( نيرسباخ ) يُطالبون بنزع حقّ قطر بإستضافة كأس العالم 2022 , بدعوى أن تلك الصفقة حتماً دُبرّت بليل ,فبعرة ( بن همّام ) تدّل على البعير (القطري ) ! الرابط الثالث
******
وهذا أمير دُبي ( آل مكتوم ) , بطل أكبر فضيحة منشطات في تأريخ سباق الخيول في بريطانيا ( عام 2013 ) وإليكم شطر ممّا نُشر يومها
فضيحة إسطبلات غودولفين:
محمود الزرعوني ( مُدرّب خيول ) يستأنف قرارَ إيقافهِ من هيئة سباقات الخيول البريطانية , بعد أن أقرّ ( شوفوا البجاحة ! ) بأنه إستخدمَ منشطات في تدريب 15 حصانا في إسطبلات غودولفين في القضية التي وُصِفت بأنها أكبر فضيحة منشطات لسباق الخيل في تأريخ بريطانيا !
وقال الزرعوني إنه لم يدرك إنه ينتهك قواعد السباق بإعطاء الخيول منشطات. ( شفتوا إزاي … لم يُدرك فأعطاها منشطات بحُسن نيّة )
وكانت الهيئة قد أدانت المدرب عقب إختبارات اُجريت على أحد عشر جواداً من التي يرعاها الزرعوني , أظهرت النتائج وجود منشطات ( في جميعها ) ممنوع إعطاؤها للخيول في بريطانيا , سواء كانت مشاركة أو غير مشاركة في السباقات . / الرابط الرابع
وحتى المدرب الإيطالي لكرة القدم ( كارلو أنشليوتي ) يريد مغادرة منصبه في نادي باريس سان جيرمان .
السبب الحقيقي كما تسرب / أنّهُ لا يأمن من مزاج وردود أفعال , مالك النادي وهو ( جهاز قطر للإستثمار ) المُتمثّل بشخص رئيس النادي ناصر الخليفي .
فلماذا يُقحم هؤلاء الأمراء والأغنياء أنفسهم في الرياضة الغربية الكافرة لينتهوا بفضائح وسخام الوجه ؟
وأين أحاديثهم ( ومشايخهم ) عن الصدق والشرف والأمانة ؟
*********
المثال الثاني / الكذب على النفس حتى في إشتهاء الطعام الغربي !
وجبات كنتاكي تصل غزّة عبر الأنفاق .
في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم تشق وجبات “الكنتاكي” العالمية طريقها إلى أهالي قطاع غزّة عبر أنفاق التهريب المنتشرة على طول الحدود المصرية مع القطاع من خلال إحدى شركات الخدمات السريعة , فمطاعم الوجبات الشهيرة منتشرة في معظم الدول بإستثناء القطاع المحاصر .
(تقرير شهدي الكاشف والتفاصيل / الرابط الخامس )
والسؤال المهم في هذا المجال / هل يمكن لكل قوى العالم الشريرة أو الخيّرة على السواء , أن تلغي ( أو توّجه أو تُسيطر على ) حاجة ورغبة بشرية تقترب من كونها غريزة تخّص الطعام ونوعهِ ؟
وعلى طريقة ( عادل إمام ) .. تلاقي أكل المسؤولين من القطط السمان كلّه من دجاج كنتاكي وهمبركر ماكدونالد الشهير .
أفلا تتركوا الناس تأكل ما تشاء ؟
أم هذهِ أيضاً مؤامرة إنبطاحيّة إمبريالية صهيونية ماسونيّة ؟
***********************
الخلاصة :
1 / أحد أهمّ أسباب إنفصام شخصية المُسلم عموماً , أنّ التعاليم التي يتلقاها من مشايخ الدين تحمل في طيّاتها تناقضاً شديداً .
وبصراحة تامّة : مشايخنا يتكلمون عن المباديء كفضلاء , لكن تطبيقاتهم على الأرض تأتي كسماسرة يبغون الربح بأيّ وسيلة .
فمن كلام عن التسامح والمحبّة والتعارف والتعاون بين البشر .
الى خُطب رنّانة وفتاوي تدعو للقتل العام .
ومن أحاديث وخُطَب عن قيم الصدق والأمانة والشرف والعفّة .
الى فساد وإفساد ورشاوي وسرقات من أولي الأمر لكل ما تطالهُ أيديهم .
بحيث أنّ ( بعض دعاة الدين ) دخل قوائم كباراللأثرياء في العالم ,فكيف بالناس تُصدّق هكذا داعيّة ؟
2 / الإرهابي الذي يفجر نفسه ليقتل الناس الأبرياء هو مجرّد أداة للقتل .
إنّهُ رشاش أو مدفع أو صاروخ أو قنبلة موقوته ,فمن صنعهُ ؟
في الواقع (الشيخ) الذي لقّن هذا الإرهابي كلّ تلك (التعاليم) الدموية ,
هو المُصمّم والمسؤول الأوّل عن النتائج .
أحداً من العقلاء في هذا العالم لا يشّك في ذلك !
هذا يشبه تقريباً الإنسان الآلي , الذي لا يستطيع من دون برنامج المُبرمِج أن يُنجز شيئاً , أليس كذلك ؟
وأنا ما أفتأ أتحدّى أصحاب فتاوي القتل علناً بأن يرسلوا أبنائهم أو إخوانهم أو أنفسهم على رأس طليعة ( المُنتحرين ) , كي نصدّقهم !
فمتى ستحين ساعة تعديل هذا النظام الأعوج الخطير في بلداننا ؟
ليلقى المشايخ ما زرعت أيديهم وعقولهم العفنة من فساد ؟
ربّما سيقول أحدهم : ولماذا لا تُطالب بمعاقبة كلّ صانعي السلاح إذاً ؟
وجوابي هو : ذاك سلاح معروف الهيئة والشكل والغرض منه .
وإستخدامه يخضع لشروط وقوانين كلّ دولة .
لكن السلاح التدميري الذي يُنتجهُ فكر المشايخ ليس كتلك الأسلحة .
إنّهُ سلاح غدّار لا مثيل لهُ !
حيث ينتظر الناس من المؤمن الذي يواجهونه , الطيبة والحنان والمحبّة والسلام والنصيحة المفيدة , لو إقتضت الضرورة .
فإذا بهِ ينفجر في وجوههم وبين أطفالهم فيقطّع أوصالهم تقطيعاً .
فهل بعد هذا غدر ومكر وخديعة ؟
أهذا هو المُنتَظَر من الأديان ورجالها وأتباعها ؟
3/ في الحديث عن السياحة في مصر
أين المباديء المُعلنة في إحترام وإكرام الضيف ؟
علماً أنّ هذا الضيف يعطي مقابل الترحيب بهِ وإكرامهِ (عُملة صعبة) تنفع الإقتصاد المصري أكثر بعشرات المرّات ممّا يفعلهُ الإخوان المتأسلمين .( أنا شخصياً لا أعرف لهم نفعاً واحداً ) !
فمتى ستصحى شعوبنا وتتحرّر إرادتها من تخدير وشرور رجال الدين . لتخرج من بحرهم العميق الذي أغرقونا فيه وتطردهم خارج حياتها .
كما فعلت مع بعض الطغاة العسكر , والقادم ( بشّار ) آتٍ لا ريب .
وهل أحداث تركيا اليوم , وبداية الإنتفاضة على أردوغان الإسلامي هي خارطة طريق مستقبلي لنا ؟
العقل هو المُجيب !
****************
الروابط
الرابط الأوّل / سرقة السياح في الأهرام
جدل حول تحذير أمريكي للسياح من زيارة الأهرامات
الر ابط الثاني / مسيرات إسلامية إستفزازية في بريطانيا
الرابط الثالث / فضيحة محمد بن همّام
الرابط الرابع / حول منشطات خيول آل مكتوم
فضيحة اسطبلات غودولفين: الزرعوني يستأنف قرار ايقافه من هيئة سباقات الخيول البريطانية
الرابط الخامس / كنتاكي غزّة
http://www.bbc.co.uk/arabic/multimedia/2013/05/130517_gaza_kfc.shtml
تحياتي لكم
رعد الحافظ
8 يونيو 2013
بحكم سريع ربما لا يكون صوابا أو ربما يحمل قدرا من التسرع فان هذا الحصر الواعي والمدرك للانفصام في شخصية الانسان المسلم مرده ان الثقافة الاسلامية التي صدرها بدو جزيرة العرب الي اوطان كثيرة، غير عربية وتحمل في ارثها التاريخي قدرا كبيرا وعميقا من التحضر والقيم الانسانية الراقية، وجعلوا من الاسلام وتقافة البداوة حاكما لهذه المجتمعات، هذا وحده كفيل بشرح الغطاء الانفصامي الاعلي (البناء العلوي) للشخصية الحضارية التي يزعمون انها تمثل الشخصية العربية الحديثة والتي علي اساسها خاضت المنطقة حروبا وحاولت بناء مجتمعات حداثية بهم. وكلها باءت بالفشل. ثقافة البداوة ثقافة بدائية وبها قدر من الهمجية رصدها كاتب المقال في بعض الامثلة، بل وكثير منها لا يزال يمارس علي ارض الواقع رغم ان الواقع غير تغيير مظهريا لكنه ظل بدائيا في جوهره. وهو ايضا شكل انفصامي طبيعي وصلت اليه كتكرار له المجتمعات التي صدرت الاسلام خارجها. ولو ان الفاضل المحترم الاستاذ رعد الحافظ كتب لنا في مقال ثالث عن الانفصامية وحالات الانفصام التي تشترك فيها جميع النتائج السياسية والاجتماعية علي مدي قرون وخاصة القرن الاخير فربما تتاكد صحة الطرح هذا. فالانفصام علي مستوي الفرد اراه جماعيا علي مستوي الوطن ككل وبالتالي علي مستوي الجماعات الحاكمة وهو ما تؤكده نتائج السياسات علي مدي قرن كامل من الزمان نعي ما به وندرك ما حدث فيه. فالفصامي يتصرف بنقيضين ربما يجتمعان معه في لحظة واحدة او تتالي سلوكياته علي قاعدتيهما. وهذا بالضبط ما نجده عند شرح لما يجري حاليا بعد ان كشفت الثورات وعرت البؤرة الانفصامية داخل المجتمع المسلم. شكرا جزيلا للمحلل الفاضل استاذ رعد الحافظ ولموقع المفكر الحر.
أهلاً بمرور الباشا العزيز محمد البدري ومداخلته الرائعة المكملّة للموضوع
سأقوم بإضافة خلاصتها في الجزء الثاني بعد أيام
محبتي الدائمة لك وللجميع
رعد الحافظ