كامل النجار
العالم من حولنا يدور ويتغير بسرعة دوران الأفلاك، ونحن ما زلنا ندور كحمار الساقية في حلقة مفرغة تربطنا من أعناقنا وتشدنا إلى القرن السابع الميلادي، الذي لن نبرحه، كما يبدو. ورغم تكالب الشيوخ على اقتناء الدرجات العلمية من “دكتور” إلى “بروفسور” فإنهم لم يتعرضوا إلى المسائل الأبجدية التي أتت في القرآن والسنة وتتطلب البحث منهم، إنما اكتفت لجان البحوث في الأزهر وفي الجامعات السعودية بعجن وتجديد تشكيل الطحين القديم الذي ورثوه من القرن السابع. وعلى سبيل المثال سوف أناقش هنا ثلاث مسائل لم يسأل الشيوخ أنفسهم الأسئلة التي تمكنهم من فهم ما يفتون فيه.
المسألة الأولى:
أذا تفرج المرء على مقطعي الفيديو أدناه، سيجد شيخين: أحدهما وهابي والآخر سلفي، يناقشان فتوى رضاع الكبير. كلاهما متفقان أن الحديث المذكور في صحيح مسلم، والمرفوع إلى محمد بن عبد الله، حديث صحيح، قاله عندما سألته زوجة أبي حذيفة عن دخول سالم عليها بعد أن نزلت آية تحريم التبني التي أباحت لمحمد زواج زينب بنت جحش، زوجة زيد، ابنه بالتبني، فقال لها أرضعيه. فقالت كيف أرضعه وهو كبير، فتبسم “المعصوم” وقال لها: لقد علمت أنه كبير. فأرضعته زوجة أبي حذيفة فانشرح صدر زوجها وأصبح سالم يدخل عليها ويخرج في أي وقتٍ شاء. وكانت زوجة أبي حذيفة عاقراً ولذلك تبنت سالم الذي ترعرع في بيتها وكان يعتبرها أمه.
إلى هنا ولا خلاف في القصة بين الوهابي والسلفي، ولكن ظهر خلافهما عندما قال الوهابي إن رضاع الكبير لا يجوز من الثدي، ولكن تعصر المرأة ثديها في ماعون وتعطي الرجل المراد إرضاعه الحليب ليشربه. وقال الآخر يجب على الرجل إلتقام الثدي.
والسؤال الذي لم يسأله الوهابيون هو: هل ألقمت زوجة أبي حذيفة ثديها لسالم، أم عصرته وأعطت سالم الحليب ليشربه؟ وإذا كان الأخير هو الجواب، من اين أتت زوجة أبي حذيفة بالحليب؟ نحن نعرف أن ثدي المرأة لا يدر حليباً إلا إذا كانت المرأة حبلى أو مرضعاً لأن الثدي يحتاج إلى هرمون اسمه
prolactin
تفرزه الغدة النخامية التي توجد في قاع الدماغ عندما يزيد مستوى هرمون البروجيسترون في دم المرأة عندما تحبل. وزوجة أبي حذيفة كانت عاقراً لم تحبل ولم تلد، وسالم الذي تبنته صغيراً كان قد كبر وأصبح رجلاً. فثدياها عندما أمرها محمد بإرضاع سالم، كانا عبارة عن كيسين فارغين، لا برولاكتين ولا بروجيسترون قد مر عليهما. فهي حتماً لم تحلب منهما حليباً ليشربه سالم. فالمنطق هنا يقول إن الشيخ السلفي كان مصيباً في قوله إن الرجل عليه أن يرضع ثدي المرأة بالتقامه في فمه. ولكن حتى في هذه الحالة فلن يحصل على حليب إلا إذا كانت المرأة شابة حبلي أو مرضعاً. فإذن عملية إرضاع الكبير هي عملية رمزية فقط. وسواء إن رضعها خمس رضعات أو عشر رضعات، فالنتيجة واحدة: لن يحصل على حليب وإنما يحصل على رخصة فقط. والرخصة لا تُحلب في ماعون ليرضعها الرجل الكبير. فإذاً لماذا كل هذا الجدل بين الشيوخ والحقائق واضحة وضوح الشمس وتقول إن زوجة أبي حذيفة قد ألقمت ثديها المترهل والفارغ في فم سالم، الذي لم يحصل على أي حليب. ولماذا عاقب الأزهر الشيخ الذي أفتى بإرضاع الموظفة زميلها في المكتب ما دام الموضوع أصلاً يتعلق بالرخصة والمتعة الحسية وليس بالحليب؟ ولماذا يدور الشيوخ الملتحون حول موضوع تافه كهذا ويطرحون كل ما في جعبتهم من أحاديث وعنعنة ليثبتوا وجهة نظرهم البالية دون أن يفكروا في سؤال أنفسهم عن أبجديات مقومات الرضاع؟ . وهذا الحديث يثبت لنا أن محمداً لم يكن يعلم عن أمور النساء شيئاً، أو أن الحديث موضوع ومحمد لم يقل به، وكلاهما أمر خطير.
المسألة الثانية:
المسلمون عامةً، والشيوخ خاصةً، قد فلقوا رؤوسنا على مدى مئات السنين بتنبؤات القرآن وزعموا أنه تنبأ بأشياء لم تكن قد حدثت وقتها، ويستدلون على ذلك بالآية المكية (غُلبت الروم في أدنى الإرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون) (سورة الروم). وتخبرنا كتب التراث الإسلامي أن أبا بكر راهن بعض أصحابه بعدة دنانير على انتصار الروم في سنتين، ووقتها سوف يفرح المؤمنون. والسؤال الذي لم يسأله المسلمون أنفسهم هو: لماذا يفرح المؤمنون بانتصار الروم، ولماذا يسمي الله أو محمد سورة كاملة باسم الروم؟ ولماذا عندما قويت شوكة محمد في المدينة أصبح الروم أعداءه فغزا تبوك، معقل الروم في جزيرة العرب، والذين لم يكونوا قد أظهروا له أي عداء؟ وعلينا هنا أن نقرأ التاريخ من مصادر محايدة لنعرف إذا كان محمد قد تنبأ بشيء ما.
حسب المصادر الإسلامية فإن محمداً قد ولد في عام الفيل (حوالي 570م) وبدأ رسالته وعمره أربعون عاماً، أي عام 610م. وعمل قبل الرسالة تاجراً يسافر في قوافل مكة إلى الشام صيفاً، وإلى اليمن شتاءً. فماذا كان يجري حوله في سوريا والعراق واليمن وفارس في تلك الفترة؟ سوريا كانت وقتها مسيحية تحت القساسنة التابعين للحكم الروماني في بيزنطة (تركيا)، ولكنها كانت تعتنق المسيحية النسطورية أو اليعقوبية، بينما كان العراق جزءاً من الإمبراطورية الساسانية الفارسية التي كانت تعادي الرومان، وكان أغلب أهل الحيرة وما حولها من أهل ميسوبوتوميا يتبعون المذهب النسطوري. وأتباع كلا المذهبين النسطوري واليعقوبي كانوا يعتقدون أن للمسيح ماهية واحدة، أي ما يُعرف ب
Monophysite
بينما كانت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية بعد مؤتمر “نيقيا” في عام 325م هي الاعتقاد بأن المسيح له كيانان: كيان إلهي وكيان بشري. وفي عام 578م، أي عندما كان محمد طفلاً، اعتنق البيت الحاكم في بيزنطة المذهب الكاثوليكي فأصبح المسيح هو الابن الإله.
فنفهم من هذا الطرح أن أغلب العرب في أيام ظهور محمد كانوا مسيحيين نساطرة أو يعقوبيين يؤمنون بوحدانية ماهية المسيح التي نادى بها آريوس في الإسكندرية في بداية ظهور المسيحية، وقال إن المسيح إنسان. وكانت الإمبراطورية الساسانية في إيران تساعد هؤلاء العرب ضد الإمبراطورية الرومانية التي كانت تعتنق المسيحية الكاثوليكية التي تقول بازدواج ماهية المسيح، وكانت تساعدهم من منطلق “عدو عدوي صديقي”.
والحروب بين الفارسيين والرومان البيزنطيين بدأت قبل أن يولد محمد، وكان النصر دائماً حليف الفرس نسبة لضخامة أعدادهم وحسن تدريب جيوشهم، وقد احتلوا اليمن علم 572م، وفلسطين سنة 614م (أي في أيام بدء رسالة محمد بمكة) بعد أن كانت المنطقتان خاضعتين للرومان. وبما أن محمداً كان تاجراً يسافر في القوافل إلى الشام (وفلسطين كانت جزءاً من الشام)، وإلى اليمن، قبل أن يبدأ رسالته في عام 610، فقد عاصر هذه الحروب وربما شهد انتصار الفرس على الروم. فكونه جاء بآية في مكة في حوالي العام 615 تقول (غُلبت الروم في أدنى الأرض) فلا جديد فيها ولا غرابة لأنه عاصر انتصار الفرس واخذهم فلسطين من الروم. أما قوله (وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) ما هو إلا تخمين وخبط عشواء (لأنه لو كان قد عرف هذه الحقيقة عن طريق الوحي من السماء لكان في إمكانه تحديد وقت انتصارهم، ولما اكتفي بالقول في “بضع سنين” لأن البضع غير محدد وقد يمتد من عامين إلى عشرة أو أكثر) لأن الحروب دوائر، كل جيش طوال التاريخ الإنساني انتصر مرات وانهزم مرات.، ولا بد أن محمداً في إحدى سفراته إلى الشام (سوريا الحالية) قد رأى تحضيرات الجيش الروماني في سوريا بعد هزيمتهم في فلسطين لأن الإمبراطور الروماني هيراكليوس كان رأس الكنيسة الكاثوليكية والمسؤول عن حماية الأماكن المقدسة في فلسطين، خاصة كنائس القدس، وكان أخذ فلسطين من جانب الفرس ضربةً مؤلمة له. ولذلك كرس الإمبراطور كل وقته لجمع أكبر جيش ممكن من بيزنطة والشام، والإشراف على تدريبهم بنفسه. وقد قاد الجيش بنفسه كذلك في المعركة التي دارت بين الروم والفرس يوم 5 أبريل عام 622 في أرمينيا، وانتصر الرومان فيها. فهل الرهان على مثل هذه النتيجة يحتاج إلى نبي؟
المهم هنا هو السؤال الذي لم يسأله المسلمون: إذا كان القرآن يقول قد كفر الذين قالوا إنما المسيح ابن الله، وإذا كان مسيحيو العراق وسوريا في ذلك الوقت يتبعون المذهب النيسطوري الذي يقول بوحدانية ماهية المسيح وأنه إنسان، وكان الفرس حلفاءهم ومؤيديهم، لماذا يفرح المسلمون بانتصار الرومان وكان الأحرى بهم أن يفرحوا لانتصار الفرس؟ فإذاً لم يكن هناك أي تنبؤ، بل لم يكن هناك من سبب لفرح المؤمنين بانتصر الروم الكاثوليك الذين ما زال المسلمون يعادونهم حتى اليوم.
المسألة الثالثة:
يقول لنا القرآن في سورة المائدة المدنية (يسألونك ماذا أحِلَ لهم قل أحل لكم الطيبات وما عَلّْمْتُم من الجوارح مكلبين تعلّموهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب) ( المائدة 4). سورة المائدة ترتيبها في “النزول” هو 111 من أصل 114 سورة بالقرأن، أي أنها أتت بعد فتح مكة وفي نهاية حياة محمد. وهذه الآية من الآيات القلائل بالقرآن التي أعطى فيها محمد جواباً مباشراً لسؤال سأله إياه المؤمنون.
فما الذي أحله لهم القرآن؟ كل الطيبات دون تفصيل، ثم من الصيد ما اقتنصته لهم الصقور والكلاب “مكلبين” التي يدربونها على اصطياد الحيوانات. فإذاً الحيوان الذي يصطاده كلب الصيد ويعض على رقبته حتى يموت، يجوز للمسلمين أكله بعد أن يسموا الله عليه عند سلخه أو طبخه.
ثم يخبرنا القرآن في نفس سورة المائدة (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) (5). فهذه رخصة صريحة من القرآن للمسلمين أن يأكلوا طعام أهل الكتاب باستثناء لحم الخنزير لأنه ذُكر في المحرمات، وما أُهل به لغير الله، كالأصنام مثلاً. وبما أنه لا يوجد في عالم اليوم من يعبد الأصنام أو يذبح لها، يصبح طعام أهل الكتاب حِلاً للمسلم ماعدا لحم الخنزير.
والسؤال هنا: لماذا يحل للمسلم أن يأكل فريسة اصطادها كلب ولا يُسمح له أن يأكل لحم خروف مذبوح في أماكن ذبح الحيوانات في الغرب، خاصة أن المذابح في الغرب لا تُهل على الحيوان المذبوح أي تهاليل ولا تذكر أي اسم عليه، ويكون الحيوان مغمي عليه من الصعقة الكهربائية للرأس حتى لا يشعر الحيوان بسكين الجزار تقطع رقبته. هل الكلب يسمي الله عندما يهجم على الفريسة ويعض رقبتها؟
طبعاً السبب الرئيسي في تحريم طعام أهل الكتاب في الغرب هو الدعاية للأماكن التي يباع فيها اللحم “الحلال”، وهي خدعة كبرى يقوم بها الملتحون من باكستان وبقية البلاد الإسلامية حيث يوهمون الزبون بأن اللحم مذبوح بالطريقة الإسلامية، أي إلقاء الخروف على جنبه والتكبير عليه وقطع رقبته في الجزء الأعلى من القصبة الهوائية. وفي حقيقة الأمر فإن البلاد الغربية لا تسمح للمسلمين بذبح الخراف بهذه الطريقة الهمجية وتفرض عليهم أخد خرافهم إلى مذابح الدولة التي لا تفرّق بين خروف الإسلاميين وخروف الهندوس أو المسيحيين. كلها تذبح بنفس الطريقة بعد صعقها بالكهرباء. وبما أن البسطاء من المسلمين في الغرب على استعداد لدفع الضعف أو أكثر لشراء كيلو من اللحم “الحلال” من دكان باكستاني يعلم علم اليقين أنه يخدع هؤلاء البسطاء، وبما أن شيوخ الإسلام قد اهتدوا إلى طريقة مثلى للاشتراك في هذه اللعبة عن طريق البنوك الإسلامية التي تقدم القروض للمسلمين لشراء أو بناء هذه الأماكن التي تبيع “الحلال”، فإن التجارة الرابحة هذه سوف تستمر لأنها قد بلغت حوالي 600 مليار دولار سنوياً (الشرق الأوسط 14/6/2011) رغم أن القرآن يقول (اليوم أحل لكم طعام أهل الكتاب).
والسؤال هنا هو: هل البهيمة التي يقتلها كلب الصيد أطهر من التي تُذبح في مذابح الدول الغربية النظيفة والتي يشرف عليها أطباء بيطريون يكشفون على كل حيوان قبل ذبحه للتأكد من خلوه من الأمراض؟
المسألة الرابعة والأخيرة:
هل يمكن لإله السماء أن يُصدر تصريحات كاذبة كما يفعل السياسيون؟ فهاهو إله القرآن يقول لنا (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (غافر 51). فهذا التصريح واضح وضوح الشمس في توكيد أن الله ينصر رسله كما ينصر المؤمنين في الحياة الدنيا. فهل نصر الله رسله في الحياة الدنيا؟ لا أعتقد ذلك لأن نفس القرآن يخبرنا أن بني إسرائيل قد قتلوا أنبياءهم ولذلك حرّم الله عليهم بعض ملذات الحياة. فلماذا لم ينصر هؤلاء الأنبياء قبل أن يقتلهم بنو إسرائيل؟ وإذا تركنا شأن الأنبياء والرسل لله ليمدهم بالملائكة المسومين لينصروهم، يمكننا أن نسأل: هل نصر الله المؤمنين من البشر في الحياة الدنيا؟ هناك مليار مسلم يجأرون بالشكوى لله كل يوم جمعة، منذ عام 1948 ويسألونه أن ينصرنا على بني إسرائيل، فهل استجاب لدعاء أحد من المليار مسلم الذين سوف يغاخر بهم محمد الأمم يوم القيامة، خاصة أن محمد يقول في حديث قدسي أورده البخاري ومسلم ” رب أشعث أغبر ذي طمرين لايؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك”. فهل لم يوجد مثل هذا المسلم الأشعث الأغبر بين المليار مسلم الذين تفخر بهم المحافل الإسلامية الآن، ليبره الله وينصر المسلمين على اليهود؟ أم هل جميع المسلمين ومنذ عام 1948 منافقين كذابين لا يستجيب الله دعاءهم؟
وأترككم الآن مع الشيخ الوهابي والشيخ السلفي
http://www.islameyat.tv/media/wmv_3884.wmv