استطاع الرئيس السوري بشار الأسد على رغم ثلاث سنوات من النزاع الداخلي، الحفاظ على ولاء الكثير من الأقليات الدينية المختلفة في البلاد أبرزها المسيحيون والعلويون والشيعة. ويبدو أن هذه الأقليات التي تمثل نحو ربع تعداد السوريين، ما زالت تفضل استبداد الأسد على المستقبل المبهم إذا هيمن المتطرفون على البلاد، غير أن الطائفة الدرزية بدأت تنأى بنفسها عن النظام.
ويقطن دروز سورية بغالبيتهم في محافظة السويداء الجنوبية قرب حدود سورية مع الأردن، وتأتي معارضتهم المتزايدة للنظام، بالإضافة إلى عدائهم العميق للمجموعات المتطرفة، في وضع تلك الطائفة المؤثرة في موقع استثنائي. إذ يمكن للأقلية اليوم مساعدة التحالف الدولي الناشئ في تغيير توازنات الحرب السورية والقتال ضد «القاعدة» وتنظيم «داعش».
ومنذ اندلاع الثورة السورية، كان من الصعب تحديد ولاء الدروز السياسي، خصوصاً أنهم يميلون إلى إخفاء اقتناعاتهم السياسية. وكالعديد من السوريين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، يخشى الدروز أيضاً من إبداء معارضتهم لحكم الأسد. إلا أنه خرج حديثاً بعض رموز الطائفة الدرزية إلى وسائل الإعلام ليعلنوا مشاعرهم المناهضة للنظام. فبعد أن كان شيوخ الدروز يثنون على الأسد، أصبح عدد منهم اليوم يتحدث علناً بلغة المطالب والإنذارات.
وأكثر ما يضايق الدروز هو أن الأسد لم يقدم لهم السلاح الكافي للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات جبهة «النصرة» الموالية لتنظيم «القاعدة». فمنذ قيام الثورة الشعبية ضد النظام السوري في 2011، قدمت الحكومة السورية السلاح للقوات الموالية للأسد فقط، والمقصود بهم ميليشيا الدروز الموالية للنظام. ولكن مع تصاعد وتيرة الهجمات، بدأ العديد من الدروز، المطالبة بالأسلحة لأنفسهم، بدعوى أن المليشيات التابعة للنظام لم تحمهم كما ينبغي. فخلال تشييع لمقاتلين دروز في 17 أب (أغسطس) الماضي، ألقى شيخ خطبة نارية طالب فيها بالأسلحة الثقيلة، وحذر من أنه إذا فشل الأسد في تقديم تلك الأسلحة، فلن يتردد الدروز في الحصول عليها من مصادر أخرى. وقد لفتت تلك الخطبة إلى الانقسام المتزايد بين مؤسسة الدروز الدينية والنظام السوري.
وفي إشارة أخرى إلى هذا الشرخ المتنامي، دعا الدروز أيضاً إلى إقالة المسؤول الأمني عن منطقتهم، وفيق ناصر. وكانت هذه الحملة قد بدأت في نيسان (أبريل) الماضي، بعدما اعتقلت قوات النظام، بقيادة ناصر، شيخاً درزياً بارزاً لمعارضته الاحتفاء الإجباري بإعادة انتخاب الأسد. وبعد اعتقاله، ظهرت تسجيلات مرئية على الإنترنت وفيها مسلحون يرفعون علم الدروز ويطلقون النار في الهواء، مطالبين باستقالة ناصر، بغضب عاصف أعاد إلى الأذهان الأحداث التي أشعلت الثورة السورية في الأساس. ولإبراز التضامن، أعلن بعض أعضاء مليشيات الدروز الموالية للنظام الانضمام إلى رجال الدين. غير أن النظام رفض إقالة ناصر، مما زاد العلاقات توتراً.
وقد اتضحت هذه التوترات أكثر في آب (أغسطس) أثناء تشييع عدد من مقاتلي الدروز، في حضور الآلاف في المجمع الرياضي لمدينة السويداء. وظهر في الأشرطة المصورة عدد ضئيل من الأعلام السورية، مقابل المئات من رايات الدروز. بعدها، وفي حالة من القلق، أرسل الأسد في 2 أيلول (سبتمبر) الفائت اثنين من أبرز رجاله الدروز ليقدما رسالة إلى قادة الدروز مفادها: «أنتم تطلبون من الدولة الوفاء وهي تطلب منكم الولاء».
الأسد بحاجة إلى الدروز. فهم يمثلون حاجزاً استراتيجياً يفصل دمشق عن المناطق التي تسيطر عليها مجموعات المعارضة في جنوب البلاد. ولكن ما لم يكن التحالف الدولي مستعداً لتغيير معادلة الأسد بقرار منهم بدعم الدروز، سيظل الأسد على المسار نفسه، وسيظل الدروز محاصرين بين نظام مستبد هم بحاجة إليه على مضض والمتطرفين الذين يخشون انقضاضهم عليهم.
* أستاذ محاضر في جامعة مريلاند الأميركية، مدير شركة «غلوبل بوليسي أدفيسرس» للاستشارات السياسية في واشنطن