التعامل الدبلوماسي بين الدول يتطلب الهدوء والتعقل والتأني والفطنة في العلاقات الدولية، علاوة على تقدير ردود فعل المقابلة سواء كانت دولة كانت أو منظمة أوتحالف دولي وذلك عند الإدلاء بتصريح ما أو بيان بغض النظر عن طبيعة الحدث الذي يتناوله البيان. وهذا ما تتطلبه الظروف العادية، والعلاقات الطبيعية بصورة عامة. لكن في ظل الأزمات الدولية والظروف الإستثنائية، يتطلب الأمر مزيدا من التروي والإنتباه وتوخي الحذر في إتخاذ المواقف، وربما الإنتظار طويلا لغاية وضوح المشهد وزوال حالات الإلتباس والتضبب والتشويش منه. لذلك يلاحظ ان وزارات خارجية الدول ذات الباع الطويل في الدبلوماسية لا تدلي بمواقفها إلا بعد حين، عندما تكون الرؤيا قد تكاملت من خلال اللجان الإستشارية في الوزارة، والتشاور مع مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة او الخبراء في الشأن، خشية من الأبعاد السلبية للبيان على العلاقات مع بقية الأطراف الدولية. لذلك يُلاحظ في المشهد السياسي الدولي تأخر الدول في إعلان رأيها في الأحداث الدولية المهمة، وأحيانا لا تعبر عن رأيها مكتفية بالصمت، وهي حالة طبيعية تتمثل في الحرص على العلاقات الدولية بين الأطراف المتنازعة، مثلا في حال وجود علاقات إيجابية للدولة (د) مع دولتين هما (س) و(ص)، اللتان فرضا بينهما حرب أو أزمة ما، فالدولة (د) تحاول أن تحافظ على علاقاتها ومصالحها مع هاتين الدولتين من خلال إلتزام الحياد، وعدم البت في موقفها من الأزمة.
مما لا شك فيه إن المصالح الدولية هي التي تسير العلاقات الدولية، فإن كانت مصالح الدولة (د) الستراتيجية أقوى مع الدولة (س)، فإنها قد لا تجد حرجا من التفريط في علاقتها مع الدولة (ص)، وهناك المئات من الشواهد التي يمكن الإستدلال بها حول هذا الأمر. فالمواقف الامريكية على سبيل المثال تجاه روسيا، إيران، مصر، السعودية، العراق هي ليست نفس المواقف قبل عقدين أو أكثر، والسبب هو تأرجح شاقول المصالح يمينا ويسارا. وهذه العبارة المأثورة” لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، وإنما توجد مصالح دائمة” التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني (ونستون تشرشل) في القرن الماضي صارت قاعدة عامة في التعامل الدبلوماسي. ويمكن الجزم بأن العلاقات الدولية شهدت إنقلابا خطيرا بعد تفرد الولايات المتحدة كقطب أوحد في العالم وتقليم أظافر الدب الروسي، وخنوع الدول الأوربية للولايات المتحدة بشكل مذل ومهين. وهذا ما يقال عن الأمم المتحدة التي صارت مكبر صوت لمواقف القطب الأوحد، بعد أن أصيب أمينها العام بداء القلق المزمن. علاوة على إنحسار بقية المنظمات الدولية والعربية التي صارت مجرد أسماء لا قيمة لها، مثل عدم الإنحياز والجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية، وهذا ما يقال عن بقية المنظمات الدولية في امريكا اللاتينية وافريقيا.
إن النجاحات والإخفاقات في العلاقات الدولية مصدرها الرئيس هو وزارة الخارجية، لأنها الواجهة الأمامية لسياسة الدولة، ووزارة الخارجية لا تكتفِ عادة بالنظرة الآنية للأحداث الدولية، وإنما تحتاح الى ناظور لترى الأبعد أو ما يسمى ما وراء الحدث. فبعد أن ترسم الدولة الخطوط العامة لسياستها الخارجية تقوم الوزارة بتهيئة مستلزمات ووسائل تحقيق هذه السياسة، وعدم الإنحراف عن بوصلة مصالح الدولة الستراتيجية. لذلك غالبا ما تكون نسبة الإخفاقات قليلة في الدولة المتقدمة، وعالية في الدول المتخلفة.
الدول العربية عامة والعراق وسوريا ولبنان بشكل خاص من أبرز الدول على مستوى الفوضى الدبلوماسية، فوزراء خارجية هذه الدول لا يعبرون عن سياسة الحكومة ولا عن مصالح الدولة ولا مصالح شعوبهم، وهم ينفردون في إتخاذ مواقف صادرة من أطراف خارجية، مع إن هذا التصرف يدخل في مجال التخابر مع دول أجنبية، بمعنى الخياية العظمى، وفقا لدساتيرها.
ولأن مكانة العراق حاليا الدولة الأكثر فوضى في الدبلوماسية على الساحة الدولية، علاوة على بقية الصفات المعروفة للجميع، ولأن وزير خارجيتها لا يختلف تفكيره عن تفكير جحا، جهلا تارة، وحماقة تارة، وتبعية تارة، وجنونا تارة. لذا سينصب حديثنا على جحا الدبلوماسي وحماره، مع إحترامنا الكبير لموظفي الوزارة من الكوادر الوطنية الشريفة والنزيهة والمخلصة الذين نرأف على حالهم في ظل الفوضى العارمة التي تعم الوزارة حاليا، وعجزهم عن الإرتقاء بها خشية من لفظهم إلى خارج الوزارة بسبب وطنيتهم ونزاهتهم التي أمست نقطة ضعف في ظل زعامة جحا. لقد جاء الجعفري الى الوزارة وبيده معول (ساخت إيران) مصمما على هدم ما تبقى من معالم وزارة الخارجية وصرحها العالي، فما بنته الوزارة من مجد ورقي طوال العقود الماضية على الساحتين العربية والدولية، دمره الجعفري خلال سنة واحدة، وجلس مزهوا على أنقاضها.
من المعروف أن وزارة الخارجية وزارة سيادية، فهي الشرفة الأمامية التي تطل منها الدولة على العالم الخارجي، ويفترض أن لا تمثل حزبا معينا ولا طائفة ما، ولا قومية ما. كما أن وزير الخارجية يمثل الدولة ولا يمثل نفسه أو حزبه. ربما له رؤية حاصة تجاه حدث ما، وهذه الرؤية الشخصية لا تتوافق مع سياسية الحكومة العامة، لكنه مجبر على الأخذ برأي الحكومة بإعتبار إنه يمثل جهة تنفيذية وليس تشريعية. وفي العراق الديمقراطي للنخاع توجد لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، تضم مجموعة من الأمعات الذين لا علاقة لهم بعمل الوزارة لا عن قريب ولا عن بعيد، وإلا ما علاقة رجل دين معمم بالبرتوكول والعلاقات الدولية، وقد فشل أصلا في إقامة علاقة حسنة مع ربٌ العالمين كرجل دين؟
مع هذا فأن هذه اللجنة بإستثناء الموافقة على تعيينات السفراء وأقاربهم، لا علاقة لهم بمواقف الجعفري الهستيرية، فقد إشترى ذممهم من خلال تعين أقاربهم في السفارات الراقية خارج ضوابط التعيين، أو إبقائهم في العمل في تلك السفارات خارج ضوابط مدد العمل في الخارج التي حددها قانون ونظام الخدمة الخارجية. لذا مع شدة حساسية المواقف الجعفرية المقرفة، لم تحك اللجنة جلدها البتة، محافظة على الإمتيازات التي تتمتع بها. وربما هناك أسباب أخرى كالخشية من نظام الملالي الذي فقس الجعفري وبطانته الدعوجية، او من منطلق آخر هو الخشية من التعامل مع قبضاي مهووس (بايع ومخلص).
الغريب في مواقف الجعفري إنه لحد الآن يعتبر نفسه وكيل نظام الملالي في الوزارة، مؤديا كل فروض الطاعة لسيده السفير الإيراني في العراق، وفي إجتماعاته مع السفير الإيراني (حسن دناءة) يتصرف مثل تلميذ مذنب في حضرة مدير مدرسة، يتسلم الأوامر والتوجيهات من السفير، ضاربا بعرض الحائط رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب واللجنة البرلمانية، مع ان هذه الأطراف لا تقل طاعة للسفير الإيراني عن الجعفري. فجميعهم طاقم في سفينه القبطان حسن دنائي. وما أن تنتهي لقاءات الجعفري مع دنائي، حتى يدلي الناطق بإسم الوزارة الجنجلوتية المملة بأن الطرفين ناقشا” ضرورة تضافر الجُهُود، والتعاون في مُواجَهَة التحدِّيات التي تتعرَّض لها عُمُوم المنطقة، وتعزيز العلاقات الثنائيّة بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين، ومناقشة مُجمَل التطوُّرات الأمنيَّة، والسياسيَّة، والحرب ضدّ إرهابيِّي داعش”. وتنتهي الجنجلوتية بشكر الحكومة الإيرانية لمواقف ربيها الجعفري الثابتة في الدفاع عن المواقف الايرانية واستراتيجيتها (التوسعية) في المنطقة، والإبتعاد عل الحاضنة العربية.
من نوادر جحا الدبلوماسي الأخيرة التي تضاهي إنفتاحه على داعش في مؤتمره الشهير في بغداد مع نظيره الإيراني ذكر بأن” ان مساعدات دولية كبيرة ستصل الى العراق، وان الأولوية للمناطق المدمرة: كأربيل، والموصل وصلاح الدين”. لا نعرف هل (اربيل المدمرة) هي من دعاباته الشخصية أو هي من دعابات قمقم المارد؟
ما يزال قمقم المارد في أوج نشاطه، وننتظر منه المزيد من العجائب والغرائب.
علي الكاش
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
بداية تحياتي لك ياعزيزي علي وتعقيبي ؟
١: على من تقرأ مزاميرك يا دَاوُدَ ، على بشر أم على عصابات فاقت في إجرامها ونهبها كل المنظمات والحدود ؟
٢: وهل تعتبر العراق اليوم دولة ذات قانون وسيادة ، أم غابة تتحكم بمصيرها شلة من الملالي ، المفروض ولى زمانهم من قرون وزيادة ؟
٣: وأخيراً …؟
لقد ذكرت سابقاً أن ماجرى لمدن السنة في الشمال والجنوب مخطط فارسي مدروس ، وهو واضح لكل ذي بصر وبصيرة وضوح شمس الظهيرة ، وهو إحلال الخراب والدمار فيها وتشريد وتجويع شعبها ولكسر شوكتهم والى الأبد ، ولقد نجحوا في مدن العرب بسبب حماقاتهم وخياناتهم بينما فشلوا مع الكورد ، ولا مانع عندهم من إعادة الكرة ولكن هيهات ، فالمارد الكوردي قد إنتفض بعد ان بان الخيط الأبيض من الأسود ، وما داعش والقاعدة إلا صناعة إيرانية مئة بالمئة وإن إرتد بعض منظماتها السوداوية ، سلام ؟